التعليم بزمن السيسي.. من “ينفع إيه التعليم في وطن ضايع ؟” إلى سلعة لمن يدفع أكثر

- ‎فيتقارير

 

منذ اللحظة التي صدح فيها  المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي بجملته الشهيرة: "ينفع إيه التعليم في وطن ضايع؟"، بدا واضحًا أن التعليم لم يكن يومًا ضمن أولويات نظامه، بل على العكس، تحوّل التعليم العام إلى ساحة للتجريب والجباية، تُثقل كاهل ملايين الأسر البسيطة، وتحرم الأجيال الجديدة من أبسط حقوقهم الدستورية في تعليم جيد ومجاني.

 

فبعد أن كانت المصروفات الدراسية لا تتجاوز 300 جنيه قبل انقلاب يوليو 2013، قفزت اليوم إلى أكثر من 3 آلاف جنيه، أي بزيادة تصل إلى عشرة أضعاف، فضلًا عن إجبار الطلاب على شراء كتب مدرسية غير ذات جدوى، بينما لم يعد التعليم الحكومي مجانيًا كما كان.

 هذه الرسوم المرتفعة تُعد عبئًا قاتلًا للأسر الفقيرة والمتوسطة، في وقت تتفاقم فيه الأزمات المعيشية وانهيار العملة المحلية.

 

مدارس بلا مقاعد ومعلمين بلا حقوق

 

العام الدراسي الجديد يبدأ وسط فوضى متكررة: فصول مكتظة تصل كثافتها إلى 70 تلميذًا، مبانٍ متهالكة، نقص في المعامل والمكتبات، وغياب شبه كامل للأنشطة التعليمية.

 ومع تراجع الإنفاق على التعليم من 3.59% من الناتج المحلي عام 2015 إلى 1.54% فقط هذا العام، خالف النظام صراحة نص الدستور الذي يُلزم بحد أدنى 4%.

 

الأرقام تكشف الفضيحة:

 

ارتفع عدد الطلاب من 16.8 مليونًا عام 2014 إلى 22.6 مليونًا اليوم.

 

انخفض عدد المعلمين من 874 ألفًا إلى 809 آلاف فقط.

 

العجز الحالي يُقدّر بنصف مليون معلم، فيما تكتفي الوزارة بترقيع الأزمة عبر التعاقد بنظام الحصة مقابل 20 جنيهًا في اليوم.

 

الرواتب الهزيلة – بمتوسط 123 دولارًا شهريًا – دفعت المعلمين للبحث عن فرص بديلة داخل وخارج مصر، أو الاعتماد على الدروس الخصوصية التي ابتلعت العملية التعليمية وحوّلتها إلى سوق سوداء رسمية.

 

تعليم يتحول إلى "بزنس"

 

من المفارقات أن موازنة التعليم – البالغة 315 مليار جنيه – يُستهلك معظمها في الرواتب والإداريات، بينما لا يصل للطالب في الفصل أكثر من 50 جنيهًا سنويًا، هذا المبلغ لا يكفي حتى لمستلزمات التشغيل اليومية، ما يدفع الأسر دفعًا نحو الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة.

 

تجارب أولياء الأمور تعكس حجم الكارثة: موظف حكومي يقترض المال لينقل أبناءه من المدارس الحكومية المتهالكة إلى مدارس خاصة أقل سوءًا، فقط هربًا من الفصول المكتظة والبيئة غير الصحية.

 هكذا تحوّل التعليم من "حق" إلى "سلعة" لا ينالها إلا من يملك المال.

 

عسكرة الوظائف التعليمية

 

الأزمة لا تقتصر على البنية التحتية أو التمويل، بل تمتد إلى طريقة إدارة الملف التعليمي.

 فحتى مسابقات تعيين المعلمين أُخضعت لاختبارات عسكرية في الكلية الحربية، حيث يُستبعد المتقدمون لأسباب واهية مثل الوزن الزائد أو الحمل، في حين أن الهدف الحقيقي هو "فلترة" غير الموالين للنظام.

 

إنذار بالانهيار

 

بين كثافة الفصول، ونقص المعلمين، وارتفاع المصروفات، وتراجع الإنفاق الحكومي، يواجه التعليم المصري خطر الانهيار الكامل. الخبراء يحذرون من تسرب آلاف الأطفال من المدارس بسبب عدم قدرة أسرهم على تحمل النفقات.

 وفي المقابل، يواصل النظام سياساته القمعية والجبائية، غير عابئ بمستقبل الأجيال أو حق المجتمع في تعليم كريم.

 

إنها مأساة وطن اختزل حاكمه التعليم في جملة ساخرة، وحوّله من قاطرة للتنمية إلى وسيلة لإذلال الشعب وتجهيله.