في معلومة، ربما أول مرة تقرأ عنها أنه يمكن لأن "ليس كل ما يُعرف يقال"، أن محمد حسين طنطاوي سليمان (31 أكتوبر 1935م- 21 سبتمبر 2021م) بالقاهرة إن وزير الدفاع السابق، والقائد العام السابق للقوات المسلحة المصرية، ورئيس الجمهورية المؤقت (85 سنة) من عائلة مصرية نُوبيّة، وكان والده: (حسين طنطاوي) هو "الطباخ" الخاص للمشير عبد الحكيم عامر الذي ساعد محمد في دخول الكلية الحربية، وأصبح محمد حسين طنطاوي هو الحارس الشخصي للمشير عامر، بعد ذلك، ولذا جاء اسمه كثيرا في تحقيقات مقتل المشير عامر، ولكنه ظل صامتا طيلة ما يزيد على نصف قرن،، ورحلَ ومعه سر مقتل عامر!، بحسب الصحفي يسري الخطيب.
ويتوصل الخطيب إلى أن "طنطاوي"، "هو الصندوق الأسود الحقيقي لمصر، وليس عمر سليمان، فهو الشاهد على أحداث مصر منذ الخمسينيات، لأنه كان قريبا من صنّاع القرار، وهو الوحيد الذي يعرف حقيقة مقتل عبد الحكيم عامر، وكل ما حدث في مصر خلال 65 سنة، وأحداث يناير 2011م، ويونيو 2013م، وكل ما حدث بينهما، وما حدث بعد ذلك".
والتحق محمد حسين طنطاوي بالكلية الحربية المصرية عام 1956، وتخرج فيها عام 1958، في فترة كانت تشهد تصاعدًا في نفوذ عبد الحكيم عامر داخل المؤسسة العسكرية، حيث كان يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية.
ودخول طنطاوي للكلية الحربية جاء في سياق توسع الجيش المصري بعد ثورة يوليو، وكان يتم اختيار الطلاب بناءً على الولاء السياسي والكفاءة العسكرية، ما يعني أن طنطاوي دخل في ظل منظومة كان عامر أحد أبرز رموزها.
الانقلاب على الرئيس الشرعي
والمشير محمد حسين طنطاوي لم يكن له دور مباشر في الانقلاب على الرئيس د.محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وذلك لأنه كان قد أُعفي من منصبه كوزير للدفاع قبل ذلك بعام، في 12 أغسطس 2012، بقرار من الرئيس مرسي نفسه، الذي عيّن الفريق أول عبد الفتاح السيسي خلفًا له.
ورغم خروجه الرسمي من المشهد، إلا أن هناك إشارات غير مباشرة إلى أن طنطاوي كان على علم أو على صلة ببعض الترتيبات السياسية والعسكرية التي سبقت عزل مرسي، خاصة من خلال علاقته الوثيقة بالسيسي، الذي كان أحد تلامذته العسكريين.
وقال مصطفى بكري، على سبيل التباهي وهو المقرب من المؤسسة العسكرية، إن "طنطاوي أخبره قبل عزل مرسي".
وخلال فترة حكم المجلس العسكري (2011–2012)، كان طنطاوي قد أدار المرحلة الانتقالية بعد تنحي مبارك، وهي الفترة التي شهدت توترات مع جماعة الإخوان المسلمين، ما جعل العلاقة بين الجيش والإخوان متوترة حتى بعد تولي الرئيس الشهيد مرسي الحكم.
وبعد خروجه من وزارة الدفاع، لم يظهر طنطاوي في أي موقف معارض علني لمرسي، لكنه أيضًا لم يدعمه، واحتفظ بموقعه كمستشار شرفي لرئيس الجمهورية، دون تأثير تنفيذي.
واعتبر مراقبون أن دوره كان تمهيديًا ورمزياً من خلال تشكيل البيئة السياسية والعسكرية التي أتاحت للسيسي أن يصعد كما أن علاقته الوثيقة بالسيسي جعلت البعض يعتقد أنه كان داعمًا ضمنيًا للتحول الذي حدث في 2013، لكن دون أدلة رسمية على تورط مباشر حتى الآن.
ولكن الثابت أن السيسي كان أحد الضباط الذين خدموا تحت قيادة طنطاوي في أكثر من موقع، وبرز كضابط ملتزم ومنضبط، ما جعله يحظى بثقة طنطاوي وعندما اختار السيسي مديرًا للمخابرات الحربية (2010-2011)، كان ذلك في سياق إعداد جيل جديد من القيادات العسكرية، وهو ما اعتُبر خطوة استراتيجية من طنطاوي.
وبعد ثورة يناير 2011، تولى طنطاوي قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأدار المرحلة الانتقالية التي شهدت صعود السيسي داخل دوائر القرار.
ورغم أن مرسي هو من عيّن السيسي وزيرًا للدفاع، فإن كثيرين يرون أن طنطاوي كان وراء ترشيحه، باعتباره شخصية موثوقة داخل الجيش.
وبعد الانقلاب العسكري على د. محمد مرسي في 2013، ظهر طنطاوي إلى جانب السيسي في أكثر من مناسبة، أبرزها أثناء الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر، ما اعتُبر دعمًا رمزيًا قويًا.
كما أن الإعلام المصري ركّز على العلاقة بين الرجلين، واعتبر طنطاوي "الأب الروحي" للسيسي داخل المؤسسة العسكرية.
وحضر السيسي جنازة المشير طنطاوي عام 2021، العسكرية وأطلق اسمه على عدد من المنشآت العسكرية، منها قاعدة "طنطاوي العسكرية"، تكريمًا له وفي أكثر من خطاب، أشار السيسي إلى أن طنطاوي "أنقذ مصر من السقوط بعد 2011"، في إشارة إلى فترة ثورة يناير ودور طنطاوي في تكسير الثورة.
83 مليار دولار في عام ونصف
وفي نحو عام ونصف أنفق المشير محمد حسين طنطاوي نحو 83 مليار دولار وفقًا للموازنة العامة التي أقرها المجلس العسكري للعام المالي 2011/2012، حيث بلغ إجمالي الإنفاق العام حوالي 491 مليار جنيه مصري، وهو ما يعادل تقريبًا 83 مليار دولار في ذلك الوقت (باحتساب سعر صرف الدولار عند 5.95 جنيه).
وقال مراقبون إن الرقم الحقيقي للإنفاق خلال فترة حكم المجلس العسكري (من فبراير 2011 إلى يونيو 2012) يتجاوز بكثير 15 مليار دولار، ما يعني أن هذا الرقم أقل من الواقع وليس مبالغًا فيه.
ومصادر تمويل الموازنة العامة للدولة؛ الضرائب والرسوم الحكومية، وعوائد قناة السويس، وأرباح الشركات الحكومية، مثل البترول، الكهرباء، والاتصالات، والمساعدات الخارجية، والاقتراض الداخلي والخارجي.
وفي مايو 2011، أعلن المشير طنطاوي أن السعودية وعدت بمنح مصر نحو 4 مليارات دولار على شكل قروض ميسرة، وودائع بالبنك المركزي.
ورصد تقرير لموقع "الخليج الجديد" نقلا عن مصادر بالبنك المركزي المصري أن إجمالي الدعم الخليجي لمصر منذ 2011 بلغ نحو 92 مليار دولار، موزعًا بين منح، وقروض، وودائع، ومساعدات نفطية.
لم يُفصل التقرير ما إذا كانت هذه المساعدات بدأت في عهد طنطاوي أو بعده، لكنه أشار إلى أن السعودية والإمارات تصدرتا قائمة المانحين، خاصة بعد 2013.
انتقادات لطنطاوي وحل مجلس الشعب
وشهدت فترة إدارة طنطاوي للبلاد بعد ثورة يناير أحداثا حمله كثيرون مسئوليتها، منها مجازر ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية وملعب بورسعيد، التي راح ضحيتها عشرات القتلى وآلاف المصابين، وانتهاكات لحقوق الإنسان مثل إجراء القوات المسلحة كشف العذرية على الفتيات بالسجون ومقار الاحتجاز.
ووصف علاء الأسواني (الروائي والناشط السياسي) المجلس العسكري بقيادة طنطاوي بأنه "امتداد لنظام مبارك"، واتهمه بـ"إجهاض الثورة" عبر ممارسات قمعية ضد المتظاهرين.
وكتب في مقالاته أن "طنطاوي لم يكن رجلًا للمرحلة الثورية، بل رجل للمرحلة المحافظة على النظام القديم".
وانتقد حمدين صباحي (السياسي والمرشح الرئاسي السابق) أداء المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، خاصة في ما يتعلق بمحاكمة رموز النظام السابق، واعتبر أن "العدالة الانتقالية لم تتحقق".
وشن النائب زياد العليمي، عضو مجلس الشعب المصري في دورة 2012، هجومًا علنيًا على المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، مما تسبب في أزمة سياسية وإعلامية كبيرة داخل البرلمان وخارجه.
وفي مؤتمر جماهيري ببورسعيد يوم 17 فبراير 2012، تحت عنوان "يوم التضامن مع بورسعيد"، وصف زياد العليمي المجلس العسكري بأنه "يرتكب جرائم متزايدة"، ووجه سبابًا مباشرًا للمشير طنطاوي، مستخدمًا تعبيرًا شعبياً اعتُبر مهينًا، وقال إنه "مثل الحمار".
العليمي قدم اعتذارًا جزئيًا، قائلاً إنه استخدم "مثلًا شعبيًا" ولم يقصد الإهانة، لكنه أبدى أسفه إذا فُهم كلامه على أنه إساءة.
وفي نفس الوقت رفض لاعب كرة القدم ونجم النادي الأهلي المصري محمد أبو تريكة مصافحة طنطاوي بعد مذبحة الـ74 التي شارك فيها مجلس العسكر من ضحايا مشجعي الأهلي في بورسعيد.
وفي أبريل 2012، صرح الدكتور سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب المصري علنًا بأن الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء آنذاك، أخبره أن قرار حل البرلمان موجود في درج المحكمة الدستورية ويمكن إخراجه في أي وقت. هذا التصريح نُقل في أكثر من مناسبة صحفية، أبرزها في تصريحات الكتاتني للصحافة.
وقال "الكتاتني": "رد د. الجنزوري بشكل واضح قائلاً: إن الطعن المقدم لحل البرلمان موجود في أدراج المحكمة الدستورية ويمكن إخراجه في أي وقت" — سعد الكتاتني، في لقاء ثلاثي جمعه بالجنزوري والفريق سامي عنان".
ولم يصدر تأكيد رسمي من المحكمة الدستورية العليا حول وجود قرار جاهز مسبقًا، كما أن الفريق سامي عنان، الذي حضر اللقاء، لم يعلّق علنًا على هذه الجزئية، كما لم ينف كمال الجنزوري نفسه التصريح بشكل مباشر، لكنه لم يؤكده أيضًا، ما ترك الأمر في دائرة التلميح السياسي.
وفي ذلك الوقت كانت العلاقة بين البرلمان المنتخب والمجلس العسكري متوترة واستخدم "الكتاتني" هذا التصريح ليُظهر أن الحكومة لا تحترم إرادة البرلمان، وأن هناك تهديدًا ضمنيًا بحلّه.
وأثبتت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الانتقادات التي وجهت لتعامل المجلس العسكري مع أحداث ماسبيرو ومحمد محمود، واعتبرت أن القيادة العسكرية آنذاك مسئولة عن "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".·
طنطاوي ومناصبه
ووُلد في حي عابدين بالقاهرة عام 1935، لكن أصوله تعود إلى النوبة، وهو ما لم يكن يُسلط عليه الضوء كثيرًا في الإعلام الرسمي.
وهو قائد المزرعة الصينية: خلال حرب أكتوبر 1973، قاد الكتيبة 16 مشاة ميكانيكا في معركة المزرعة الصينية، وهي من أعنف المعارك التي خاضها الجيش المصري ضد القوات "الإسرائيلية".
وكتب عنها الباحث عادل الشريف:" كتب الصهاينة كتابا عن بطولة قائد كتيبة المزرعة الصينية ليسوغوا له بطولة زائفة لتقديمه للناس زعيما بعد عزل مبارك ولما استهجن الناس نزوله إلى وسط البلد بملابسه المدنية لترسيمه رئيسا مؤقتا كما نصح هيكل، فتراجع ليقوم بمكر جديد يكون تلميذه السيسي هو "الريس حنتيرة" الجديد بعد ملاعبة الثوار وقلبهم على مرسي تسويغا للانقلاب..".
وكان ملحقا عسكريا في باكستان وأفغانستان بعد الحرب، كما عمل ملحقًا عسكريًا في دول ذات أهمية استراتيجية، ما أكسبه خبرة في العلاقات العسكرية الدولية.
وله دور في حرب تحرير الكويت 1991، حيث كان رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة خلال حرب الخليج الثانية، وهو دور نادرًا ما يُذكر في سيرته الإعلامية.
وتولى عدة مناصب بالقوات المسلحة أبرزها قيادة الجيش الثاني الميداني والحرس الجمهوري، ثم رقاه مبارك إلى رتبة مشير ووزير للدفاع والإنتاج الحربي في أكتوبر 1993 إلى أن أعفاه الرئيس الشهيد د.محمد مرسي في أغسطس 2012.
وكلف مبارك المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي بإدارة شئون البلاد بعد ثورة 25 يناير، ما جعله حاكم البلاد الفعلي بعد الثورة خاصة بعد تخلخل قوى الشرطة، وزار ميدان التحرير في 4 فبراير 2011، وظل حاكما حتى أداء الرئيس مرسي اليمين الدستورية في يوليو 2012.
وتوفي المشير طنطاوي بعد صراع مع المرض، ونعاه السيسي الذي كانت تربطه به علاقة وثيقة وادعى براءته من الأحداث الدموية التي شهدتها البلاد، وأعلن الحداد الرسمي عليه 3 أيام.