مزاعم الرئيس الأمريكي الإرهابي دونالد ترامب بأنه أوقف حربا بين مصر وإثيوبيا على خلفية سد النهضة أثارت انتقادات الخبراء، خاصة أن ترامب يزعم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي موّلت السد الأثيوبي، وفي نفس الوقت يقول إنه نجح في منع اندلاع الحرب بين البلدين .
واعتبر الخبراء أن تصريحات ترامب عن سد النهضة هي مجرد مناورة للالتفاف على قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي، وتحقيق أهداف أخرى تتعلق بحرب الإبادة في قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين.
ورغم أن أثيوبيا نفسها ردت على مزاعم ترامب وأكدت أن تمويل سد النهضة هو من داخل أثيوبيا وليس من خارجها، إلا أن السد الأثيوبي سوف يثير الكثير من الأزمات، خاصة في حالة استمرار الرفض الأثيوبي للتنسيق مع دولتي المصب مصر والسودان عبر إنشاء مفوضية ثلاثية لإدارة وتشغيل السد حتى لا يلحق أضرارا بهما .
مفوضية ثلاثية
في هذا السياق قال الدكتور رمضان قرني، نائب رئيس الجمعية العلمية للشؤون الإفريقية: إن "أثيوبيا ردت على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تحدث عن التمويل الأمريكي لسد النهضة، ومشاركة شركات عالمية في تمويله، وزعمت أن السد بني بتمويل أثيوبي، كما زعمت أنها لا تستخدم المياه لإيذاء الآخرين" .
وشدد «قرني» في تصريحات صحفية على ضرورة وجود مفوضية مشتركة لإدارة سد النهضة، مؤكدا أن دولتي المصب لم تعترضا على سد النهضة، وحق أثيوبيا ودول حوض النيل في مشروعات التنمية المائية، لكن مشروع سد النهضة بهذا الحجم الضخم من المياه، وهذه المواصفات الفنية غير الطبيعية، يحتاج إلى إدارة ثلاثية أو مفوضية خاصة بعملية تشغيله.
وأكد أن وجود المفوضية الثلاثية كانت أحد النقاط الرئيسية في اتفاق المبادئ الموقع مع الطرف الإثيوبي والسوداني عام 2015، موضحا أن الاتفاق تحدث عن مفوضية لإدارة السد، تتعلق بالإخطار المسبق وتنسيق وتبادل المعلومات وأي تطورات جغرافية خاصة بموارد المياه، ولكن الطرف الإثيوبي تملص من كافة هذه الاتفاقيات .
وأشار «قرني» إلى أنه في مرحلة معينة من تصريف المياه في سد النهضة تعرضت السدود السودانية ومدن سودانية إلى ما يشبه السيول، وبالتالي الخطورة هنا تتعلق بأمرين، هما تصريف المياه أو حجب المياه للتخزين، حيث إن هذه العمليات ترتبط ارتباطا وثيقا بتنسيق وتبادل المعلومات مع الجانب المصري والسوداني، موضحا أن هناك رغبة إثيوبية في الانفراد بالقرارات، وهذا هو السيناريو الخطير الذي يواجه أي تعاون مشترك مستقبلي بين مصر وإثيوبيا، ويحول دون إنشاء مفوضية لإدارة وتشغيل السد خاصة فيما يتعلق بالتخزين أو التصريف وهي مسألة ذات أهمية كبيرة جدًا في المرحلة المقبلة.
مشاكل فنية
وشكك الدكتور نصر الدين علام وزير الري الأسبق ، في قدرة إثيوبيا على تشغيل السد الضخم متسائلا إذا كان لدي الأثيوبيين مشاكل تشغيل توربينات، ومشاكل نقل الكهرباء، فلماذا استعجلوا في ملء السد بالكامل، واضطروا إلى تشغيل مفيض الطوارئ؟ .
ودعا علام خلال تدوينة له على "فيسبوك" إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق لتنسيق شامل بين إثيوبيا ودولتي المصب لملء وتشغيل السد بما يحقق الفائدة للجميع (لا ضرر ولا ضرار)، محذرا من أن أي خطأ في الملء والتشغيل (المنفرد) سيكون له تداعيات ضارة بدولتي المصب، وقد يؤدي إلى مشاكل يصعب تفاديها .
وأكد أن مشاكل الأمن المائي، أمن الشرب والغذاء، لدولة صحراوية مثل مصر ستكون لها عواقب سيئة بالمنطقة، لا نحب أن نراها وعلينا جميعا تجنبها، متسائلا هل لدى إثيوبيا مشاكل فنية في تشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء!؟ وهل المشكلة الأثيوبية تتمثل في نقص خطوط نقل الكهرباء للداخل الأثيوبي أو للتصدير للخارج!؟
سياسة الأمر الواقع
وقال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة: إن "أثيوبيا مستمرة في فرض سياسة الأمر الواقع واتخاذ القرارات الأحادية، وهو ما ترفضه دولتا المصب، مشيرا إلى أن نظام الانقلاب أرسل الخطاب الخامس لمجلس الأمن، اعتراضا على ما تتخذه أثيوبيا من خطوات وإجراءات بخصوص سد النهضة" .
وكشف «شراقي»، في تصريحات صحفية أن التأثير المائي في السنوات الخمس الماضية كان الأشد خطرًا على مصر، لأنه في كل عام كان يتم تخزين جزء من المياه في البحيرة، وإمرار المتبقي من مياه الأمطار، وبالتالي كان يصل لمصر جزء من المياه، وليست الكمية كاملة من النيل الأزرق، موضحًا أن النيل يمد مصر بنحو 60%، لكن هذه النسبة من المياه المارة من سد النهضة، كان يصل جزء منها في الخمس سنوات الماضية وتخزن أثيوبيا الجزء الأخر، واكتمل السد والتخزين وتم ملء البحيرة، فلا يوجد تخزين إضافي .
وأوضح أنه في حالة استخدام أثيوبيا 30 مليار متر مكعب من مياه البحيرة لتشغيل التوربينات، هذه المياه تمر لمصر، هذا يعنى أنه في موسم الأمطار القادم سيتم تخزين 30 مليار متر مكعب مرة أخرى، مؤكدًا أن تشغيل سد النهضة في السنوات القادمة يكون تشغيل وتفريغ التوربينات ثم إعادة ملء المياه المفرغة مرة أخرى، ويظل تشغيل السد يحتاج إلى تنسيق، لأن فتح البوابات وغلقها وتشغيل التوربينات وغلقها يتطلب التنسيق وتبادل المعلومات مع مصر والسودان، لأننا نعمل على المياه الخارجة من السد، وخاصةً السودان لأنها المتضرر الأكبر في الفترة الحالية وتتأثر بشدة في حالة فتح البوابات مرة واحدة أو غلقها تمامًا .
وأشار «شراقي»، إلى أنه بالنسبة لمصر فإن الأمر أقل ضررًا، وإن كان يسبب بعض الغموض لوزارة ري الانقلاب، ومخزون السد العالي يجعلنا نستخدم ما نريد يوميًا من المياه، ولكن من المهم أن تأتي حصة مصر سنويًا كاملة من النيل ويتم تخزينها في السد العالي، وستكون الأمور المائية أكثر انتظامًا ولكن يظل الاعتراض على عدم التنسيق والاتفاق لتشغيل سد النهضة.
تبرير لأحادية الإجراءات
وأكدت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام، أن أثيوبيا تتعامل مع قضية سد النهضة من منظور مصالحها، وليس مصالح المتضرر، معتبرة حديث المسئولين الاثيوبيين عن عدم تشكيل السد خطر على مصر والسودان هو مبرر للإجراءات الأحادية خلال السنوات الماضية، وعدم قدرتهم على التوصل لاتفاقات على المستوى الفني لضمان تدفق مائي يصل للجميع، حيث أن منظومة التشغيل لكافة السدود على نهر النيل يتم التفاهم حولها وضمان عدم الإضرار.
وقالت أماني الطويل في تصريحات صحفية: إن "التصرفات الأحادية الإثيوبية التي أسفرت عن ملء بحيرة سد النهضة بالكامل لم تسفر عن أي استفادة اقتصادية أو تنموية لأثيوبيا ، بل حدث احتجاز للمياه دون ضخ، وهذه مسألة ملفتة للسياقين الإقليمي والدولي، ومقلقة لمصر والسودان، موضحة أن هذه المسألة تجعل مصداقية إثيوبيا في مجمل موقفها بشأن سد النهضة متآكلة".
وأشارت إلى، أن التأثيرات لا تتعلق بالتخزين فقط، ولكن بالتصريفات المائية من بحيرة السد في أوقات الجفاف، والجفاف الممتد، وكذلك إتجاه إثيوبيا لبناء سدود جديدة بما يعني احتجاز كلً مياه نهر النيل وتعطيش مصر والسودان .
وشددت أماني الطويل على ضرورة ممارسة ضغوط على أثيوبيا من أجل تصحيح الأوضاع، وعدم بناء سدود جديدة على نهر النيل، بالإضافة إلى توقيع اتفاق يتضمن التعاون الفني والتعهد بعدم الإضرار، محذرة من أن استمرار إثيوبيا في أدائها الأحادي سيؤدى في النهاية إلى رد فعل مصري.