تتواصل معاناة أطباء الاستعاضة السنية في مصر، لكن هذه المرة لم تقتصر على أزمة توحيد المسميات العلمية واشتراطات دول الخليج، بل تحولت إلى باب جديد لابتزازهم مالياً، فبدلاً من أن تقوم الجامعات بحل الأزمة، استغلت التعليمات الصادرة من المنقلب عبد الفتاح السيسي لفرض رسوم باهظة، بلغت في جامعة عين شمس وحدها 125 ألف جنيه بعدما كانت لا تتجاوز 15 ألفًا فقط، أي بزيادة تفوق 800%.
الأموال التي تُجبى من الطلاب لا أحد يعرف مصيرها الحقيقي: هل تذهب لتطوير العملية التعليمية، أم تصب في جيوب رؤساء الجامعات ونوابهم عبر مكافآت وحوافز؟ أم أن جزءًا كبيرًا منها يحوَّل إلى الصندوق السيادي التابع للسيسي، كضريبة غير معلنة مقابل المد لهم في المناصب؟ المؤكد أن منطق الابتزاز هو القاعدة الحاكمة، ومن دونها لا يضمن أي مسئول بقاءه في منصبه أو ترقيته، تمامًا كما جرى مع وزيري الكهرباء والأوقاف اللذين احتفظا بمواقعهما لسنوات طويلة لأنهما قدما ما يطلبه النظام من جباية وإفقار للشعب.
الأطباء المتضررون يواجهون وضعًا شائكًا: رسوم خيالية لا تشمل المواد أو الأدوات أو التدريب العملي، مقابل إلزامهم بخدمة المرضى في المستشفيات الجامعية على نفقتهم الخاصة، فضلًا عن عجز الجامعات عن استيعاب الأعداد الكبيرة، حيث لا يتجاوز القبول في بعض البرامج 40 طالبًا من بين نحو ألفي طبيب متضرر.
ورغم التماسات عديدة، تواصل الجامعات المماطلة، بينما نقابة أطباء الأسنان تخلت عن دورها، وأحالت الأزمة إلى وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات. في المقابل، يكتفي الأخير بالحديث عن "إنجاز" توحيد المسميات، متجاهلًا الكارثة المالية التي يدفع ثمنها الأطباء.
الأزمة لم تقف عند حد الداخل، بل عطلت مستقبل هؤلاء الأطباء خارجيًا، إذ إن دول الخليج باتت لا تعترف بالشهادات المصرية القديمة، مما أفقدهم فرص عمل وعقودًا مجزية، فضلاً عن تشويه سمعة الشهادات المصرية في الخارج.
في النهاية، تبقى القضية نموذجًا صارخًا على كيفية تحويل السيسي وأذرعه كل أزمة إلى فرصة للجباية، وابتزاز المواطنين عبر منظومة فساد ممنهجة، حيث تصبح الرسوم الباهظة شرطًا للبقاء في التعليم، كما هي الجبايات والضرائب شرطًا للبقاء على قيد الحياة.