العريش بين الإدارة الدولية والسيادة الوطنية.. هل تُباع سيناء بالتقسيط في صفقة ترامب؟

- ‎فيتقارير

 

في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، تلعب مدينة العريش المصرية دورًا محوريًا واستراتيجيًا، إذ تُطرح كمقر إداري ولوجستي للسلطة الانتقالية الدولية المقترحة لإدارة القطاع بعد توقف العمليات العسكرية.

ورحبت مصر، إلى جانب سبع دول عربية وإسلامية (الأردن، الإمارات، السعودية، تركيا، قطر، باكستان، إندونيسيا)، بالخطة الأميركية عبر بيان مشترك لوزراء الخارجية، تضمن موافقة ضمنية على إدراج العريش ضمن الخطة، ما اعتبره مراقبون موقفًا رسميًا يلامس جوهر السيادة المصرية على أراضيها.

وصدر البيان عن وزارة الخارجية المصرية، الجهة المخولة تمثيل الدولة في المحافل الدولية، متضمنًا صيغة ترحيب واضحة بالخطة، من دون إبداء تحفظات على بنودها، بما في ذلك البند المتعلق بالعريش.

كما رافقت البيان تصريحات لمسؤولين مصريين عن "ضرورة إنهاء الحرب" و"دعم إعادة الإعمار"، وهي مفردات تتطابق مع نصوص الخطة. بينما جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري، مستخدمًا لفظة "مناقشات"، أقرب إلى خطاب ملتبس لا ينفي صراحةً إمكانية إدخال العريش في ترتيبات دولية مؤقتة، بما يفتح الباب لتوظيفها إداريًا في إطار الصراع، من دون إعلان رسمي لشروط أو ضوابط.

ويرى مراقبون أن القبول باستخدام العريش في ترتيبات دولية من دون توضيح رسمي يضعف الموقف المصري تجاه سيناء، بالنظر إلى حساسيتها التاريخية والأمنية. وطالب هؤلاء بضرورة صدور بيان منفصل من القاهرة يوضح وضعية العريش كأرض خاضعة للسيادة المصرية الكاملة، وإلا فإن إدراجها كمقر إداري قد يفتح الباب أمام التزامات سياسية وأمنية خطيرة.

ومن جانب آخر، سلّمت مصر والدول المشاركة في الاجتماع نص الخطة إلى حركة حماس عبر وسطاء في الدوحة والقاهرة، وبعد أقل من ساعة صدر البيان المشترك المرحب بالخطة، وهو ما اعتُبر ضغطًا علنيًا على الحركة للقبول بها من دون مناقشة أو تعديل، وإطارًا لعزلها سياسيًا إذا رفضت، عبر إظهار توافق إسلامي–عربي واسع، في تكتيك دبلوماسي هدفه تسريع القبول قبل أن تتشكل معارضة داخلية أو شعبية.

العريش.. عاصمة شمال سيناء في قلب الخطة

تتضمن الخطة الأميركية إنشاء هيئة مؤقتة باسم "السلطة الانتقالية الدولية لغزة" (GITA)، تتولى إدارة القطاع لسنوات تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن يكون مقرها الإداري في العريش، عاصمة شمال سيناء، لقربها من غزة (40 كم فقط) وتوفر بنيتها التحتية.

وتحتوي العريش على ميناء بحري قيد التوسعة ليستوعب مواد الإعمار والوقود والمساعدات، ومطار دولي مهيأ لاستقبال الدبلوماسيين والطائرات الإغاثية، إضافة إلى منشآت أمنية ومخازن لوجستية ضخمة ومدينة جديدة قرب رفح. وتُستخدم المدينة أصلًا كبوابة رئيسية للمساعدات الإنسانية إلى غزة، ما يجعلها مؤهلة لمثل هذا الدور الدولي.

مراقبون: موضع العريش في خطة ترامب.. ميوعة في الموقف الرسمي المصري بشأن السيادة

الأكاديمي المصري مأمون فندي (جامعة جورج تاون) تساءل عبر حسابه على منصة إكس:
"تحت سيادة مَن ستكون العريش بعد خطة ترمب لغزة؟" مشيرًا إلى أن الخطة نصت على أن مقر السلطة سيكون في العريش، وهي مدينة مصرية خاضعة للسيادة الكاملة.

وأضاف: "هل سيكون هناك اتفاق مصري–أميركي يضمن أن وجود هذه السلطة لا يمسّ السيادة المصرية؟ أم أن الأمر يمهّد لربط رفح بالعريش وخلق وعي جديد بأن المسافة بينهما يمكن أن تُصبح غزة الجديدة، وفقًا لتصور كوشنر؟". محذرًا من أن ذلك "أمر بالغ الخطورة يستحق كل الانتباه والتحليل".

حدود السيادة على سيناء

سيناء بكاملها أرض مصرية خاضعة للدستور واتفاقية كامب ديفيد (1979). غير أن الاتفاقية قيّدت الوجود العسكري المصري، فقسمت المنطقة إلى:

  • المنطقة أ: تشمل العريش وتسمح بوجود قوات كاملة.

  • المنطقة ب: بوجود أمني محدود.

  • المنطقة ج: قرب الحدود مع إسرائيل، يقتصر على قوات شرطة خفيفة ومراقبين دوليين.

قانونيًا، لا يمكن لأي جهة دولية فرض سلطة على مدينة مصرية من دون موافقة الدولة. لكن إدراج العريش كمقر إداري للسلطة الدولية أثار مخاوف من تحويلها إلى مركز خارج السيطرة المباشرة، وتوسيع الدور المصري في غزة بما يتجاوز الدعم الإنساني.

جدل على منصات التواصل

طرح ناشطون عدة تساؤلات:

  • سمير الجندي تساءل عن وضعية موظفي السلطة: "هل سيكون وجودهم بفيزا عمل أم بتمثيل دبلوماسي؟ ومن سيؤمنهم: قوات مصرية أم أجنبية؟ الوضع أقرب لمنطقة محمية كالمنطقة الخضراء في بغداد".

  • غسان حسنات ذكّر بخطة أميركية قديمة تعود لعام 2000 حول "غزة الكبرى"، بضم أراضٍ من سيناء إلى غزة مقابل تبادل أراضٍ مع إسرائيل.

  • حسابات أخرى انتقدت السيسي بحدة، معتبرة أن من "باع النيل" يمكنه التنازل عن العريش.

أما الصحفية شيرين عرفة فأعادت التذكير بعمليات التهجير القسري في رفح والشيخ زويد والعريش منذ 2013 بذريعة "مكافحة الإرهاب"، معتبرة أن هذه الإخلاءات المبكرة كانت تهيئة للمدينة كي تصبح جاهزة لاحتضان إدارة دولية لقطاع غزة. وأشارت إلى أن السيسي أعلن عام 2017 من واشنطن دعمه لصفقة القرن، ثم أطلق حملة "سيناء 2018" التي رافقها تهجير واسع للسكان.