أثار إصدار النيابة العامة بسلطة الانقلاب بياناً، أمس الاثنين، أعلنت فيه إخلاء سبيل 38 متهماً، محبوسين احتياطياً على ذمة تحقيقات تُجريها نيابة أمن الدولة العليا، الجدل بعدما عبّر محامون وحقوقيون عن غضبهم مما وصفوه "تعتيماً" على أسماء المفرج عنهم، وحرمان المحامين من أداء دورهم القانوني في متابعة موكليهم.
ورغم أن القرار بدا للوهلة الأولى بادرة إيجابية من المؤسسة القضائية، التي أكدت في بيانها أن القرار يأتي تنفيذاً لتوجيهات النائب العام المستشار محمد شوقي بمراجعة أوضاع المحبوسين احتياطياً دورياً حرصاً على العدالة التي "لا تقتصر على محاسبة مرتكبي الجرائم، بل تمتد لتشمل إعادة تأهيل المفرج عنهم ودمجهم في المجتمع"، وعلق المحامي الحقوقي مختار منير علق على البيان في حسابه على فيسبوك: "مع الوضع في الاعتبار أن منع المحامين من الوقوف على أسماء من جرى إخلاء سبيلهم من موكليهم يقوض حق الدفاع ويعصف بالوكالة القانونية"، وأضاف منير أنه يطالب النائب العام بإصدار بيان رسمي يتضمن أسماء من شملهم القرار "حتى يتمكن محاموهم من معرفة من صدر قرار بإخلاء سبيله من موكليهم، تيسيراً عليهم، وتأكيداً لحقهم في معرفة الموقف القانوني لعملائهم".
أما المحامي الحقوقي محمد عبد العزيز، فاختار نبرة أكثر توازناً في تعليقه وقال: "نرحب ببيان النيابة العامة الصادر اليوم، وما جاء فيه من قرار السيد المستشار المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا بمراجعة ملفات المحبوسين احتياطياً على ذمة التحقيقات التي تُجريها نيابة أمن الدولة، وآخرها قراره اليوم بمناسبة احتفالات السادس من أكتوبر بإخلاء سبيل عدد 38 من المحبوسين احتياطياً". غير أن عبد العزيز أضاف مطالب محددة، إذ دعا النيابة إلى "الاستمرار في مراجعة ملفات المحبوسين احتياطياً في القضايا التي تفتقر لأدلة كافية لاستمرار حبسهم، طبقاً لنص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية"، كما طالب بـ"إعلان أسماء المفرج عنهم في القضايا التي يصدر فيها قرار من النيابة العامة بعد فحص ومراجعة ملفاتهم، خاصةً أن المحامين وأسر المحبوسين في حيرة لعدم معرفة الأسماء".
بدوره، عبّر المحامي خالد المصري عن استيائه الشديد من الوضع الحالي قائلاً: "للأسف لا نعرف أسماء من جرى إخلاء سبيلهم، والمعلومة أصبحت غير متاحة بالنسبة لنا. وحتى لو معنا الأسماء، نحن ممنوعون أصلاً من النشر"، وأضاف: "أرجوكم لا أحد يسألني على الخاص أو الواتس أو بالاتصال، والله لا نعرف الأسماء. ألف مليون مبروك لمن جرى إخلاء سبيلهم اليوم وأمس والأسبوع الماضي، وعقبال الجميع يا رب". وفي منشور آخر، أشار المصري إلى أن "المعلومة التي كان يقدمها المحامي على الفيس بوك أصبحت غير متاحة الآن، سواء كانت تخص أخبار القضايا في النيابة أو مواعيد الجلسات أو أسماء المختفين الذين ظهروا أو قرارات إخلاء السبيل".
هذه الأزمة التي يعيشها المحامون مع النيابة العامة، التي تتعلق أساساً بشفافية المعلومات وسهولة الوصول إليها، تتقاطع مباشرة مع أزمة أكبر تختمر منذ أشهر بين نقابة المحامين والحكومة، على خلفية مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية. وترى النقابة أن بعض المواد الواردة في المشروع الجديد "تنتقص من حق الدفاع وتُقوّض استقلال المحاماة". ومن أبرز المواد التي أثارت غضب النقابة المادة 105 التي تنظم حضور المحامي مع المتهم أثناء الاستجواب أو المواجهة، إذ كانت الصيغة القديمة تنص بوضوح على وجوب حضور المحامي، تأكيداً للمادة 54 من الدستور التي تضمن هذا الحق، غير أن التعديل المقترح ألغى الإلزام الصريح، ما اعتبرته النقابة "مخالفة صريحة للنص الدستوري".