تواصل أسعار الألبان ومنتجاتها فى الأسواق المصرية الارتفاع، حيث شهدت ارتفاعا جديدا عقب قرار حكومة الانقلاب بزيادة أسعار الوقود، فارتفع سعر الألبان ومشتقاتها كاشفا عن أزمة أعمق من مجرد تقلبات فى السوق. فخلف كوب اللبن الذى يصل إلى مائدة المستهلك، تمتد سلسلة طويلة من الحلقات غير المتوازنة تبدأ من المربين مروراً بالوسطاء والمصانع وحتى منافذ البيع.
ورغم انخفاض أسعار الأعلاف الفترة الماضية، حيث كان التجار يزعمون أنها السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار اللحوم والألبان ومنتجاتها، إلا أن الواقع يشير إلى خلل واضح فى منظومة الإنتاج والتوزيع، حيث تضيع القيمة المضافة بين أطراف متعددة، ويبقى المستهلك هو الخاسر الأكبر.
يُشار إلى أن أسعار الألبان ارتفعت خلال الفترة الماضية ليتخطى سعر اللبن المعلب 50 جنيهاً، ويتراوح سعر اللبن السائب بين 38 و40 جنيها ، بينما وصل كيلو الجبن الأبيض الطبيعى لـ 180 و200 جنيه بينما زادت أسعار الأجبان المطبوخة والرومى وكافة الأصناف الأخرى، ما زاد من أعباء الأسر المصرية التى تعانى من ارتفاع أسعار كل السلع والمنتجات، حيث لا تستطيع الاستغناء عن الألبان ومنتجاتها لأنها ضرورية لنمو الأطفال.
الأعلاف
عن ارتفاع أسعار الألبان ومنتجاتها قال الدكتور على ابراهيم أستاذ الاقتصاد الزراعى المتفرغ بجامعة الزقازيق: إن أزمة ارتفاع أسعار الألبان لا يمكن فصلها عن خلل كبير فيما يسمى بسلسلة القيمة لمنتجات الألبان، موضحاً أن هذه السلسلة تبدأ من الأعلاف وتنتهى عند المستهلك مروراً بالمربين والوسطاء والمصانع.
وأوضح «إبراهيم» فى تصريحات صحفية أن أولى الحلقات تتمثل فى الأعلاف الخضراء، مثل البرسيم والدراوة والبرسيم الحجازى، التى تعتمد عليها «الأبقار الحلابّة» بالدرجة الأولى، حيث توجد علاقة طردية مباشرة بين كمية العلف الأخضر ونسبة إنتاج اللبن. أما الأعلاف المصنعة أو المركزة فهى تؤدى دوراً مساعداً، لكنها لا تُعد المصدر الأساسى لإنتاج اللبن.
وأضاف : هناك حلقة ثانية تضم المربين وصغار المنتجين الذين يمثلون نحو 85% من إنتاج الألبان فى مصر، وغالبيتهم من المزارعين فى الريف والمناطق القروية يليهم الوسطاء أو ما يعرف بـ«جامعى الألبان»، الذين يقومون بجمع اللبن من صغار المربين ونقله إلى المصانع أو التجار، ثم تأتى مرحلة المصانع الكبرى التى تقوم بتصنيع منتجات الألبان المختلفة، وفى النهاية مرحلة البيع للمستهلك سواء فى الأسواق أو محال التجزئة.
وأكد «إبراهيم» أن المشكلة الأساسية تكمن فى غياب التنسيق بين هذه الحلقات، ما يؤدى إلى عدم التناسب بين حجم القيمة المضافة التى تقدمها كل حلقة والربح الذى تحصل عليه. فمثلاً، المربون الذين يبذلون الجهد الأكبر فى التربية والإنتاج يحققون قيمة مضافة عالية لكن أرباحهم محدودة، بينما الوسطاء الذين يضيفون قيمة بسيطة من خلال النقل أو التبريد يحصلون على أرباح مرتفعة للغاية.
جشع التجار
وأشار إلى أن انخفاض أسعار الأعلاف خلال الفترة الأخيرة كان جزئياً، واقتصر على بعض مكونات الأعلاف المصنعة، فى حين أن الأعلاف الخضراء التى يعتمد عليها إنتاج اللبن لم تنخفض أسعارها، مؤكدا أن المساحات المزروعة بالبرسيم أو الأعلاف الصيفية، مثل الدراوة والبرسيم الحجازى محدودة، وهو ما جعل تكلفتها ثابتة أو مرتفعة.
وأوضح «إبراهيم» أن انخفاض الأعلاف المركزة انعكس بشكل طفيف فقط على أسعار اللحوم، لأنها تعتمد أكثر على العلف الجاف والمركز، بينما ظل تأثيره ضعيفاً على الألبان.
وأضاف أن اللبن يعد سلعة سريعة التلف، مما يجعل المربين تحت ضغط دائم لتسويقه بسرعة قبل فساده، وبالتالى يخضعون لجشع بعض التجار الذين يشترون منهم بأسعار منخفضة، خصوصاً فى فصل الصيف، مؤكدا أن بعض التجار يلجأون إلى إضافة مواد غير صحية لإطالة عمر اللبن خلال النقل أو التخزين، وهو ما يمثل خطراً مباشراً على صحة المستهلك.
وشدد «إبراهيم» على ضرورة تحسين سلسلة القيمة وضبط العلاقة بين الحلقات المختلفة لضمان عدالة توزيع الأرباح وحماية كلٍّ من المنتج والمستهلك فى أن واحد.
أسعار مرتفعة
وأكد خبير الإنتاج الحيوانى، الدكتور حمدى الحبشى أن ارتفاع أسعار الألبان ومنتجاتها رغم انخفاض أسعار بعض الأعلاف ليست أزمة عابرة، بل هى مشكلة أصيلة فى السوق المصرى منذ عشرات السنين.
وقال «الحبشى» فى تصريحات صحفية إن الانخفاض الذى شهدته بعض خامات الأعلاف مؤخراً لا يمثل قاعدة عامة، بل يقتصر على أنواع محدودة مثل كسب العباد وكسب الصويا والجلوتين، بنسبة تتراوح بين 7 و16% فقط. بينما يتراوح سعر طن علف الماشية بين 14.700 و16.900 جنيه للعلف تركيز 14-16% بروتين، بخلاف تكاليف النقل، وهى أسعار لا تزال مرتفعة بالنسبة للمربين.
وأشار إلى أن الأعلاف الخضراء والمالئة شهدت زيادات كبيرة، إذ وصل سعر قيراط البرسيم فى الموسم الماضى إلى 1100 جنيه، وقفز سعر حمل التبن (250 كجم) إلى 1500 جنيه، بينما بلغ سعر طن قش الأرز 1900 جنيه، وسعر طن البرسيم الحجازى 7500 جنيه. وهو ما يعكس أن انخفاض بعض الخامات لا يمثل مؤشراً كافياً لانخفاض أسعار الأعلاف ككل.
وكشف «الحبشى» أن هذه الزيادات انعكست على قطاع الإنتاج الحيوانى، حيث ارتفعت أسعار العجول الحية بنسبة تتراوح بين 7% و11% مقارنة بالعام الماضى، فى حين زادت أسعار الخراف بنسبة 22%، وهو ما ساهم بدوره فى استمرار موجة الغلاء.
طرق بدائية
فيما يتعلق بمنتجات الألبان، أوضح أن الشركات والتجار رفعت الأسعار مؤخراً بنسبة 12.5% نتيجة تراجع إنتاج الألبان مع ارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب غياب سلالات عالية الإنتاج وضعف برامج الرعاية البيطرية، وسوء تداول الألبان بالأسواق، حيث ما زالت تجمع وتنقل بطرق بدائية كالحلب اليدوى والتعبئة فى عبوات ألومنيوم غير صحية، أو نقلها فى سيارات مكشوفة بدلاً من المبردة.
وأشار «الحبشى» إلى أن هذه العوامل انعكست مباشرة على الأسعار، حيث يتراوح سعر كيلو اللبن السائب البقرى بين 38 و40 جنيهاً، والجاموسى بين 40 و45 جنيهاً، بينما اللبن المعبأ يباع بين 49 و59 جنيهاً. أما الجبن الأبيض فسعره يتراوح بين 120 و135 جنيهاً، والجبن الرومى بين 250 و290 جنيهاً، فيما يصل سعر السمن البلدى إلى 360 جنيهاً للكيلو.
وارجع استمرار هذه الأزمة إلى غياب آليات ضبط السوق أو وجود تسعيرة استرشادية عادلة كما هو الحال فى الدول الأوروبية، ما يجعل المواطن هو الضحية الأولى لغياب الرقابة وترك الأسعار بلا ضوابط للمضاربة والاحتكار.
