رغم تسويقه كـ"رجل السلام في غزة".. السيسي يواصل قمع المتضامنين مع فلسطين داخل سجونه
في الوقت الذي ظهر فيه المنقلب عبد الفتاح السيسي على الساحة الدولية باعتباره “رجل السلام” وصاحب الدور المحوري في اتفاق وقف الحرب على غزة، تحوّلت مدينة شرم الشيخ إلى مجرد قاعة اجتماعات تحمل اللوجو الأميركي، تجمع ممثلي القوى الكبرى لبحث مستقبل القطاع ومشروعات إعادة الإعمار.
لكن بينما يسعى النظام المصري للحصول على نصيب من كعكة إعمار غزة، تواصل الأجهزة الأمنية احتجاز العشرات من المتضامنين المصريين مع الشعب الفلسطيني، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، فقط لأنهم عبّروا عن رفضهم للعدوان الإسرائيلي أو دعمهم لغزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
منظمات حقوقية: "سلام مزيف وقمع حقيقي"
أدانت منظمات حقوقية مصرية استمرار حبس 131 مواطنًا على ذمة 14 قضية أمن دولة، على خلفية مشاركتهم أو دعوتهم لتظاهرات سلمية تضامناً مع غزة.
وقالت منظمة عدالة لحقوق الإنسان في بيانها: إن "السلطات المصرية تتعامل مع كل صوت حر كتهديد للأمن القومي، في الوقت الذي ترفع فيه شعارات “السلام والاستقرار في المنطقة”، مؤكدة أن تلك القضايا تفتقر إلى أي أدلة جنائية، وأن المتهمين يُجدد حبسهم عبر الفيديو كونفرانس دون محاكمة عادلة أو حضور فعلي لمحاميهم."
أطفال في السجون بتهمة "التضامن مع غزة"
وفي تقرير موازٍ، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن استمرار احتجاز ثلاثة طلاب بالمرحلة الثانوية في محافظة الفيوم منذ أكثر من عام، بعد نشرهم عبارات تضامن مع غزة على مواقع التواصل.
وبحسب الشبكة، فقد تعرّض الأطفال الثلاثة – أحمد صلاح عويس، وأسامة هشام فرج، وعبد الرحمن رجب – لتعذيب نفسي وبدني داخل مقار الأمن الوطني، قبل أن تُوجّه إليهم اتهامات بـ"الانضمام لجماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة عن حرب الإبادة في غزة".
ازدواجية الخطاب المصري
المفارقة، بحسب المنظمات، أن هذه الممارسات القمعية تتزامن مع إعلان القاهرة نجاح جهودها في وقف الحرب خلال مؤتمر شرم الشيخ الذي لم يتجاوز كونه "قاعة مفاوضات أمريكية الطابع"، غابت عنها الإرادة المصرية الحقيقية، وحضرها ممثلو الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة.
ورغم الضجيج الإعلامي حول "دور مصر المحوري"، فإن الواقع الداخلي يكشف أن الدولة التي تسجن مواطنيها لدعمهم غزة لا يمكن أن تكون وسيطًا نزيهًا للسلام.
انفراجة سياسية على الورق فقط
تأتي هذه الاعتقالات رغم وعود النظام بما سماه “انفراجة سياسية” عبر الحوار الوطني والعفو الرئاسي، وهي إجراءات يرى حقوقيون أنها مجرد ديكور سياسي لتجميل صورة النظام في الخارج، بينما تتسع دائرة القمع لتشمل حتى الأطفال والطلاب الجامعيين.
ووفق محامين وأسر المعتقلين، فإن أكثر من 27 قضية مفتوحة تتعلق بمظاهرات دعم غزة في نحو 20 محافظة، معظم المتهمين فيها من فئة الشباب والطلبة الذين حُرموا من دراستهم ومستقبلهم.
تناقض صارخ
وبينما تسعى القاهرة لتأمين دور اقتصادي في إعادة إعمار غزة، تتجاهل الدولة المأساة الحقوقية داخل حدودها، حيث يُعاقب التضامن الإنساني وتُجرَّم الكلمة الحرة. ويرى مراقبون أن هذا التناقض بين "خطاب السلام الخارجي" و"القمع الداخلي" يكشف طبيعة النهج الذي يتعامل به النظام مع القضية الفلسطينية: دعم لفظي في المؤتمرات، واعتقال فعلي في الشوارع والسجون.