أثار قرار حكومة الانقلاب برفع أسعار إيجار الأجنحة بالدورة الـ57 من معرض القاهرة الدولي للكتاب التي تعقد في يناير المقبل، بما يتراوح بين 60% و250% مقارنة بالدورة السابقة انتقادات من جانب الناشرين والمثقفين وأصحاب المكتبات ودور النشر .
وحذر الناشرون من تداعيات القرار على تكاليف صناعة الكتب، وبالتالي أسعار بيعها للجمهور، في وقتٍ تواجه فيه صناعة النشر تحديات كبيرة ترتبط بتكاليف الإنتاج والظروف الاقتصادية التي أثرت بدورها على نسب مبيعات الكتب وسببت خسائر لدور النشر.
وهددوا حكومة الانقلاب بمقاطعة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وعدم المشاركة فيه في حال الإصرار على هذه الأسعار المرتفعة
الأسعار الجديدة
يشار إلى أن تكلفة الاشتراك وفق الأسعار الجديدة لمساحة 9 أمتار مربعة في الدورة الـ57 من معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2026، بلغت 24,300 جنيه، فيما تصل إلى 52,650 جنيه لمساحة 18 مترًا مربعًا، و85,050 جنيهًا لمساحة 27 مترًا مربعًا، و121,500 جنيها لمساحة 36 مترًا مربعًا، كما تم تحديد سعر 162,000 جنيه لمساحة 45 مترًا مربعًا، و206,550 جنيه لمساحة 54 مترًا مربعًا، و255,150 جنيهًا لمساحة 63 مترًا مربعًا.
فيما سجلت مساحة 72 مترًا مربعًا نحو 307,800 جنيه، و364,500 جنيه لمساحة 81 مترًا مربعًا، و425,250 جنيهًا لمساحة 90 مترًا مربعًا، و490,050 جنيهًا لمساحة 99 مترًا مربعًا، و558,900 جنيه لمساحة 108 مترًا مربعًا، و631,800 جنيه لمساحة 117 مترًا مربعًا.
ووفقًا للبيانات المعلنة، تُطبّق زيادة قدرها 100٪ على سعر المتر البالغ 5400 جنيه في حالة المساحات التي تتجاوز 117 مترًا مربعًا، كما حددت هيئة الكتاب سعر 6000 جنيه للمتر المربع في الأجنحة المميزة في المعرض المخصصة للناشرين المصريين أعضاء الاتحاد.
موقف صعب
حول هذه الزيادات قال وليد مصطفى، رئيس لجنة المعارض باتحاد الناشرين المصريين: إن "الزيادات الأخيرة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والتي تتراوح بين 50% و 60%، ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع أسعار الكتب بنسبة مماثلة؛ مؤكدا أن الناشر سيضطر لرفع الأسعار رغمًا عنه لتغطية الزيادة في الإيجارات إلى جانب أعباء التشغيل الأخرى مثل أجور الموظفين وتكاليف الطباعة والنقل .
وحذر مصطفى في تصريحات صحفية من أن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل سيضع صناعة النشر في موقف صعب، كون كل زيادة في التكلفة يتحملها في النهاية القارئ، مشيرا إلى أن الوضع الحالي لا يشبه ما يحدث في دول أخرى تدعم معارض الكتب وتخفف الأعباء المالية عن الناشرين؛ ففي معارض مثل الكويت أو ليبيا، لا تتجاوز تكلفة المتر 100 دولار، ومع ذلك تقدم الحكومات دعمًا للناشرين، بينما في مصر يتحمل الناشر التكلفة كاملة دون دعم من حكومة الانقلاب .
وأشار إلى أن المعرض يشهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا، لكن حجم المبيعات لا يعكس هذا الإقبال، إذ يذهب كثير من الزوار للتنزه أو الترفيه أكثر من شراء الكتب، كون القارئ اليوم لم يعد قادرًا على شراء أكثر من كتاب أو اثنين، بسبب الأسعار المرتفعة وغلاء المعيشة الذي جعل ميزانية القراءة محدودة جدًا .
القطاع الثقافي
وحول أسباب الزيادة المفاجئة التي تجاوزت توقعات الناشرين، كشف مصطفى أن الهيئة العامة للكتاب كانت قد بررت القرار بارتفاع التكاليف التشغيلية، وزيادة أجور العمال والموردين، وارتفاع تكلفة إيجار أرض المعرض نفسها، وهو ما انعكس على الأسعار النهائية للأجنحة، مشيرًا إلى أنه في السنوات الماضية كانت هناك تسهيلات في الدفع أو نظام أقساط، لكن هذا العام ألغيت تلك الترتيبات، وأصبح على الناشر دفع نصف المبلغ مقدمًا قبل استلام الجناح، والنصف الآخر خلال المعرض، عبر البطاقة الائتمانية فقط.
وأكد أن الأزمة لا تمس القارئ وحده، بل تمتد إلى الناشرين والمؤلفين أيضًا، كون ارتفاع الإيجارات وتكاليف الطباعة سيؤدي إلى تقليل عدد الإصدارات الجديدة لتقليل النفقات، وربما تؤدى إلى تراجع عدد المشاركين في المعرض، وهذا سيؤثر بدوره على المؤلفين وحركة النشر بشكل عام، كما أن بعض القراء قد يتجهون نحو البدائل الإلكترونية، لافتا إلى أن الخسارة الحقيقية ستقع على الناشرين والمبدعين الذين يعتمدون على المعارض في توزيع أعمالهم.
وشدد مصطفى على أن ارتفاع الأسعار يفرض واقعًا جديدًا يتطلب تدخلًا مباشرًا لتقليل الأعباء، مطالبا مؤسسات دولة العسكر بالمساهمة في دعم القطاع الثقافي وتخفيف تكاليف الإيجارات على الناشرين، موضحا أن اتحاد الناشرين يعمل حاليًا من خلال لجانه المختلفة على دراسة مقترحات لتقليل التكاليف أو الحصول على دعم مباشر في الدورات المقبلة، لكن هذه الحلول مؤقتة وغير كافية لمعالجة الأزمة من جذورها، وهناك حاجة ماسة إلى رؤية واضحة لإنقاذ صناعة النشر من التراجع
اتحاد الناشرين
وحذر فريد زهران، رئيس اتحاد الناشرين من أن أي زيادة في أسعار إيجارات معرض القاهرة الدولي للكتاب، تؤثر على حجم مشاركة الناشرين وأسعار الكتب، وبالتالي على رواد المعرض وحجم المبيعات، مؤكدا أن كل ناشر متضرر من تلك الزيادات للأسباب الواضحة المرتبطة بتكاليف العرض والإنتاج والتوزيع.
وقال زهران في تصريحات صحفية: إن "اتحاد الناشرين ليس الجهة المنظمة للمعرض، ولا يملك صلاحية تحديد أسعار الأجنحة، كما أن الهيئة العامة للكتاب ليست الجهة الوحيدة المسئولة عن تنظيم المعرض، بل هي جزء من منظومة أكبر تضم وزارة الثقافة بحكومة الانقلاب وجهات حكومية أخرى تشارك في اتخاذ القرارات الخاصة بتنظيمه، موضحا أن الاتحاد على تواصل دائم مع جميع الأطراف المعنية، بهدف الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة".
وأوضح أن تحديد الأسعار يخضع دائمًا لمعادلة تحسب وفق تكاليف التشغيل والإيجارات والخدمات، مثلما يحدث في المعارض الدولية والعربية الأخرى، وهيئة الكتاب تتحمل تكاليف تشغيل كبيرة تتعلق بالمكان والخدمات المقدمة، لكن جميع الأطراف يعملون على مناقشة سبل تقليل هذه التكاليف أو الحصول على دعم من رعاة لتخفيف الأعباء على الناشرين، والتسعير النهائي يعكس في النهاية حسابات التكلفة الفعلية للمعرض .
تصفية السوق
وقال جمال عبد الرحيم، مدير المكتبة العربية للنشر والتوزيع: إن "زيادات أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة للكتاب، ستؤثر على مشاركة الناشرين بالمعرض، وستدفع بعضهم إلى تقليص مساحة الأجنحة لتقليل النفقات، دون تحقيق أي أرباح، ما سيؤدي إلى ”تصفية السوق”، محذرا من أن صناعة النشر ستصبح حكرًا على عدد محدود من دور النشر التي تتلقى دعمًا مباشرًا، سواء عبر المشتريات الحكومية أو من خلال تعاملات خارجية تضمن لها نصيب الأسد من السوق.
وأوضح عبد الرحيم في تصريحات صحفية أن الزيادة في إيجار جناحه الذي تبلغ مساحته 18 مترًا وصلت إلى نحو 67%، إذ كان يبلغ سعر إيجاره العام الماضي 32 ألف جنيه، بينما ارتفع هذا العام إلى 52 ألف جنيه، مشيرًا إلى إنه يفكر جديًا في عدم المشاركة في المعرض أو الانسحاب منه، لأن تقليل عدد المطبوعات أو مساحة الجناح سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض المبيعات، وهو ما قد يسبب له ديونًا لدى هيئة الكتاب لا يستطيع التخلص منها.
وأكد أن أرباح الكتب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغطي تلك الزيادات الكبيرة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لافتا إلى أن الحديث عن وجود دعم للناشرين غير واقعي، في حين أن الأسعار مبالغ فيها جدًا، والأجنحة المميزة لا تتضمن أي مزايا حقيقية تبرر ارتفاع أسعارها، سوى موقعها في الصفوف الأمامية أو في بداية القاعات، وهو ما لا يستدعي زيادة تصل إلى 100%.
وكشف عبد الرحيم أن سوق النشر في زمن الانقلاب أصبح طاردًا لرؤوس الأموال، مشيرًا إلى أن العديد من دور النشر المصرية فتحت فروعًا في دول عربية أخرى مثل الإمارات، قطر، السعودية، العراق، عُمان، تونس، والمغرب، هربًا من الأوضاع الصعبة داخل مصر، وللمشاركة باسم تلك الدول في الفعاليات والحصول على جوائز تحت مظلتها.
هروب المكتبات
وأشار إلى أن الوضع في مجال النشر يشبه ما يحدث في مجالات أخرى حين يحصل اللاعبون الرياضيون على جنسيات أخرى هربًا من الواقع المحلي، مؤكدا أن ظاهرة انتقال دور النشر المصرية إلى الخارج دليل واضح على أن السوق المصري لم يعد جاذبًا للاستثمار الثقافي .
واقترح عبد الرحيم مجموعة من الإجراءات العاجلة لإنقاذ صناعة النشر، من بينها إلغاء الحظر المفروض على دخول القراء للمعرض وجعل الدخول مجانيًا، وتخصيص كوبونات بقيمة 200 جنيه لطلاب المدارس يمكن استخدامها لشراء الكتب داخل المعرض، بحيث تسترد دور النشر قيمتها من إدارة المعرض لاحقًا، على غرار ما هو معمول به في معارض عربية أخرى، دعيًا إلى أن تكون هناك مشتريات حكومية عادلة من دور النشر، وتخفيض لا يقل عن 50% في قيمة إيجارات الأجنحة، وتنظيم دورات تثقيفية وتدريبية للناشرين مع توفير لقاءات دورية تجمعهم بالمسئولين في الوزارات المختلفة.