من ناصر إلى السيسي.. العسكر ينهبون آثار مصر وواشنطن تعيد الفتات
في مشهد يتكرر منذ عقود، أعلنت السلطات المصرية استعادة 36 قطعة أثرية من الولايات المتحدة بعد تهريبها خارج البلاد بطريقة غير مشروعة، لتعود إلى المتحف المصري بالتحرير بعد جهود دبلوماسية بين القاهرة ومكتب المدعي العام الأمريكي في ولاية نيويورك.
ورغم الاحتفاء الرسمي بهذا الحدث، فإن خلفياته تعيد فتح ملف طويل ومظلم من تهريب كنوز مصر الأثرية، وهو ملف يرتبط تاريخياً بعهد العسكر منذ خمسينيات القرن الماضي، حين تحولت الآثار المصرية إلى مصدر ثراء غير مشروع لكبار المسؤولين والضباط النافذين، بدءاً من عهد جمال عبد الناصر، مروراً بالسادات ومبارك، وصولاً إلى عبد الفتاح السيسي الذي اتسع في زمنه النهب والبيع العلني باسم “المعارض الدولية” و”مشروعات التطوير”.
القطع المستردة — بحسب ما أعلنه شعبان عبد الجواد، مدير عام الإدارة العامة للآثار المستردة — تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسية، تضم 11 قطعة بينها قناع مومياء من العصر الروماني، وإناء ولوحة جنائزية من الحجر الجيري، إضافة إلى 24 مخطوطاً نادراً باللغتين القبطية والسريانية استعادتها القنصلية المصرية من متحف المتروبوليتان للفنون، فضلاً عن لوحة جصية من عصر الأسرة الثامنة عشرة صادرتها السلطات الأمريكية بعد التأكد من تهريبها.
لكن وراء هذه الأرقام رواية أكثر مرارة، إذ تُقدّر منظمات دولية أن ما لا يقل عن 70% من آثار مصر التي خرجت منذ منتصف القرن العشرين لم تُستعد حتى اليوم، وسط اتهامات لنظام الحكم العسكري بالتورط في عمليات البيع والتهريب المنظم، سواء عبر سفارات أو بعثات “علمية” مشبوهة، أو عبر صفقات سرية مع متاحف غربية.
ويشير مراقبون إلى أن استعادة بضع عشرات من القطع لا تمثل سوى “ذر رماد في العيون”، في وقت تُنهب فيه مئات أخرى من المقابر والمخازن الأثرية في صمت، بينما يواصل النظام العسكري التعامل مع تراث البلاد كما لو كان “ملكية خاصة” للنظام لا للشعب.
بينما تتباهى حكومة السيسي بإعادة بعض القطع المسروقة، يغيب عن المشهد السؤال الأهم: من الذي سمح بتهريبها أصلاً؟ الحقيقة أن نهب الآثار لم يكن يوماً فعلاً فردياً، بل سياسة مستمرة منذ سبعة عقود، حيث تحولت آثار مصر إلى “غنيمة” في يد سلطة ترى في التاريخ سلعة، وفي الوطن خزينة مفتوحة لخدمة مصالحها .