مستشفى أحمد ماهر التعليمى تحول إلى خرابة فى زمن الانقلاب رغم أنه يُعتبر أقدم وأكبر المستشفيات الحكومية فى القاهرة، لكنه يواجه الكثير من التحديات التى تُلقى بظلالها على المرضى وتُفاقم معاناتهم .
الإهمال وسوء المعاملة من أبرز شكاوى المرضى، فهناك مُسنون يتم إلقاؤهم على الرصيف أمام المستشفى لعدم قدرتهم على دفع تكاليف العلاج، ومطالبتهم بإجراء التحاليل والأشعة فى الخارج بسبب نقص الأجهزة بالمستشفى.
كما يوضع المرضى فى عنابر ذات روائح كريهة لا تتوافر فيها أبسط معايير النظافة، بجانب وجود حشرات فى الغرف، مما يجعلها بيئة غير مناسبة للشفاء، ويُضاف إلى ذلك أخطاء طبية جسيمة تتسبب فى مضاعفات خطيرة لبعض المرضى.
المستشفى لا تتوافر فيه أدنى معايير النظافة، فالقمامة ملقاة فى الممرات، ودورات المياه حالتها يرقى لها، مما يجعلها بيئة مناسبة لانتشار العدوى والأمراض، كما تؤثر فوضى الباعة الجائلين، على أداء المستشفى، حيث تتجمع أعداد كبيرة من الباعة الجائلين أمام البوابات مما يؤدى إلى فوضى عارمة تعيق حركة سيارات الإسعاف ودخول وخروج المرضى، بجانب اندلاع المشاجرات بين أهالى المرضى والعاملين فى المستشفى، مما يخلق حالة من انعدام الأمان للمريض.
طوابير الانتظار
طوابير التسجيل الطويلة أول ما يواجه المريض فقد يستغرق ساعات طويلة للحصول على تذكرة الدخول أو تسجيل بياناته، ثم ينتقل إلى طابور آخر لانتظار دوره فى العيادة الخارجية. وفى كثير من الأحيان، يضطر المرضى للعودة فى يوم آخر بسبب انتهاء ساعات العمل أو كثرة الحالات.
فى العيادات الخارجية، يُضطر المرضى للانتظار والجلوس على مقاعد متهالكة وسط ضجيج وصخب لا ينتهى، حيث تتداخل شكاوى المرضى مع صوت الأطباء والممرضين. وقد يضطر المريض إلى الانتظار ساعات طويلة، ليكتشف فى النهاية أن الطبيب قد غادر أو أن موعده قد تأجل.
فى غرف الأشعة والتحاليل، لا يختلف الوضع كثيرًا، فبسبب نقص الأجهزة أو تعطلها المتكرر، قد يُطلب من المريض العودة فى يوم آخر أو الذهاب إلى مركز خارجى لإجراء الفحوصات، مما يضيف عبئًا ماليًا ووقتًا ضائعًا على المريض وأسرته.
نقص الإمكانيات
يعانى المستشفى من نقص الإمكانيات والأجهزة الطبية، فبعض الأجهزة الحيوية مثل أجهزة الأشعة والتحاليل تتعرض لأعطال متكررة بسبب عدم توافر قطع الغيار، مما يؤثر على دقة التشخيص وسرعة العلاج، كما يوجد نقص فى عدد الأطباء والتمريض، ويواجه المرضى صعوبة فى الحصول على الرعاية اللازمة، حيث يُترك بعضهم ساعات طويلة دون متابعة، ويُضطر البعض إلى دفع «إكراميات» للممرضين للحصول على اهتمامهم.
أما عن نقص المستلزمات، فقد يُطلب من المريض أو ذويه شراء بعض الأدوية أو المستلزمات الطبية من الخارج، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الأسر محدودة الدخل.
قصص الألم
داخل المستشفى، تتكشف قصصٌ الألم والصبر والمرارة، قصة محمد.خ. ووالدته واحدة من تلك القصص التى تروى تفاصيل رحلة علاج فى مستشفى أحمد ماهر التعليمى، رحلة لم تكن مجرد علاج لجسد مريض، بل كانت اختبارًا قاسيًا لإنسانية المكان وخدماته.
كانت البداية سيارة إسعاف تنطلق إلى المستشفى، وما أن وصل محمد ووالدته إلى بوابة الطوارئ، حتى وجدا أن المعركة الأولى ليست مع المرض، بل مع الزحام.
قال محمد : كان هناك تزاحم كبير على شباك التذاكر، وعلى بوابة الاستقبال ، مشيرا إلى أن كثرة عدد المرضى كان من أكبر التحديات فى أول خطوة لهم بالمستشفى .
وأضاف : ساعاتٌ من الانتظار فى طوابير لا تنتهى، للحصول على مجرد تذكرة دخول.
أخطاء طبية
وأوضح محمد أنه بمجرد تمكنهم من الدخول، بدأت المعاناة تأخذ شكلًا آخر، مؤكدا أن معظم الأطباء والممرضين كانوا تحت التمرين ، مما أثر بشكل مباشر على جودة الخدمة.
وأشار إلى وقوع الكثير من الأطباء والممرضات فى أخطاء أثناء سحب العينات، مؤكدا أنهم كانوا يحقنون والدته فى الشريان بدلًا من الوريد، وهذا كان يتسبب لها فى تورم وألم شديد ومضاعفات خطيرة .
وتابع محمد : تلك الأخطاء كانت تزيد من آلام والدتي الجسدية والنفسية، وتزيد من قلقي عليها مؤكدا أن كل خطوة نحو العلاج كانت مصحوبة بعبء نفسى ثقيل، فكيف يطمئن المرء على من يحب وهو يرى مثل هذه الأخطاء المتكررة؟
فواتير لا تنتهي
وقال : بعد كل هذا العناء، تمكنا من فتح ملف والبحث عن سرير، لنُفاجئ بمشكلة أخرى. تمثلت فى أن الطبيب المختص كتب لوالدتي روشتة تحاليل وأشعة ، ووجههم لإجرائها خارج المستشفى. لأن «المستشفى ما فيهاش الأجهزة دي»، مؤكدا أنه اكتشف أن تكلفة الأشعة المقطعية وحدها تزيد على 5000 جنيه، بالإضافة إلى تكلفة التحاليل التى تراوحت بين 2000 و3000 جنيه بجانب بعض العلاجات والمحاليل اللى كنا نشتريها من الصيدليات الخارجية .
وأكد محمد أن رحلة العلاج المجانى تحولت إلى عبء مالى لا يطاق مشيرا إلى أنه اضطر ووالدته لمغادرة مستشفى أحمد ماهر، حاملين آلامًا جسدية جديدة، وعبئًا نفسيًا وماليًا ثقيلًا ودون أى علاج .
نزيف فى المخ
وكشف ياسر عن تفاصيل رحلته لإدخال أخيه الذى كان يعانى من نزيف فى المخ مستشفى أحمد ماهر مؤكدا أن ساعاتٌ طويلة ضاعت فى طوابير تسجيل البيانات وحجز السرير، ليتمكن أخيرًا من إدخاله إلى العناية المركزة.
وأكد ياسر أن أخاه لم يستطع تحمل الخدمة المتدنية المقدمة داخل المستشفى لأن « الإهمال كان سيد الموقف»، مشيرا إلى أن أخاه كان يحاول باستمرار الهروب من سريره، بحثًا عن بيئة أفضل لاستكمال رحلة علاجه.
وأشار إلى أنه حاول تهدئة أخيه وإقناعه بالبقاء، لكنه كان يشعر بالخوف والقلق، ووصل الأمر إلى حد رؤية أخيه يدخل فى مشادات مع بعض المرضى.
القرار الصعب
وقال ياسر : أخى دفعته الأوضاع المأساوية إلى الهروب من المستشفى، وهو يرتدى روب العناية المركزة، حافيًا وبدون حذاء لافتا إلى أنه كان يعانى من نزيف فى المخ، ومع ذلك، لم يجد فى المستشفى مكانًا آمنًا لراحته. واضاف : حاول أفراد الأمن منعه من الخروج، لكن إصراره على الهروب كان أقوى من كل المحاولات.