المفارقة المؤلمة أن من يُفترض أن يكون قدوة في الورع والإنصاف، وهو فنان ذو أغاني إسلامية وقارئ للقرآن، انزلق إلى التهجم على دعاة وعلماء من بلده الكويت بلا بينة أو حكم قضائي، مكتفيًا باتهامات مرسلة وتشويه للسمعة.
وبحسب مراقبين فإن هذا السلوك يضعه في تناقض صارخ مع ما يتلوه من آيات تدعو إلى التثبت والعدل، ويكشف أن حفظ القرآن شيء، والتخلق بأخلاقه شيء آخر.
وعرّض المطرب العفاسي بأسماء من الدعاء والرمز الكويتيين في تغريدة له قال فيها: "ما علاقة محمد العوضي ..وطارق السويدان.. وخالد المذكور
..وعجيل النشمي.. وحنان أحمد القطان.. وغيرهم ممن يتابعهم حساب وقف الأمة وينشر لهم وينشرون له ؟! هذا الوقف الذي تتهمه حماس بسرقة تبرعات غزة".
وأشار مراقبون إن أسلوب العفاسي كشفه من أن قضيته ليست إسلامية عاة بل هي خلاف شخصي، ما يتناقض مع القيم القرآنية التي يُفترض أن يتحلى بها وهو يعرف ب"قارئ للقرآن".
وأشار مراقبون إلى أن الكويت أنجبت مجموعة من الدعاة الذين جمعوا بين الخطاب الشرعي والمنهج العقلي المتزن، فكانوا نماذج في الدعوة إلى التثبت، والبعد عن الفُجر في الخصومة أو الانفعال غير المنضبط. هؤلاء الأسماء تمثل تيارًا إصلاحيًا يوازن بين النصوص الشرعية ومتطلبات الواقع.
ومن أمثلة هؤلاء الدعاة الكويتين:
د.طارق السويدان: داعية ومفكر إسلامي، عُرف ببرامجه الإعلامية التي تجمع بين الدعوة والفكر، ودعوته الدائمة إلى التثبت والاعتماد على العقل والمنهجية العلمية في فهم الدين.
الشيخ عبد الرحمن السميط: طبيب وداعية إنساني، كرّس حياته للعمل الخيري والدعوي في إفريقيا، وكان نموذجًا في الحكمة والرحمة، بعيدًا عن الانفعال أو التسرع في الأحكام.
د.محمد العوضي: أكاديمي وداعية، اهتم بقضايا الشباب والفكر المعاصر، وركز على الحوار العقلاني ومخاطبة العقول قبل العواطف.
الشيخ عبد الحميد البلالي: كاتب وداعية، له مؤلفات في التربية والدعوة، ويُعرف بطرحه المتزن الذي يدعو إلى التثبت والابتعاد عن الغلو.
اتهام فندته الجهات الرقابية
ويدور أخيرا اتهاما لـ " وقف الأمة " لا سند له ولم تقله حركة حماس من أن المبلغ المرصود الاستيلاء عليه هو 500 مليون دولار ضمن تبرعات باسم فلسطين وغزة !
وزعم الزاعمون بلا دليل أن بعض "الإخوان" في بلد شقيق اكتشفوا 30 مليون دينار ( ٤٥ مليون دولار ) التي تبين أن إخوان الأردن اشتروا بها شقق في اسطنبول وتقاسمها ما بين رواتب لا يحلم بها كبار موظفي الدولة ونفقات إعلامية لمزيد من جمع التبرعات …؟!
وصدر بيان رسمي من حركة حماس في 27 يناير 2024 أعلنت فيه حماس عن رفع الغطاء والتزكية عن ثلاث مؤسسات بشكل أساسي، وهي:
مؤسسة وقف الأمة.
مؤسسة منبر الأقصى.
مؤسسة كلنا مريم.
واتهمت حماس هذه المؤسسات – وبعض الشخصيات المرتبطة بها – بـ "الاستيلاء على التبرعات" أو "سرقة التبرعات" التي جُمعت باسم غزة والقدس، مشيرة إلى أنها باتت تعمل بعيداً عن توجيهات الحركة وتستخدم تزكيات قديمة بشكل يضر بأهل غزة.
تشير التقارير إلى أن مؤسسة "وقف الأمة" ومؤسسات أخرى كانت جزءاً من شبكة مالية واسعة، وأن الخلاف نشأ حول المبالغ الضخمة التي جمعتها هذه المؤسسات، والتي قُدرت في بعض الحملات بنحو نصف مليار دولار.
تفنيد من مقرب
الصحفي المصري المقيم بتركيا سمير العركي وقال: "بالنسبة للصراع الدائر بشأن "وقف الأمة" والاتهامات الموجهة إلى عدد من العلماء والدعاة باختلاس نصف مليار دولار "500 مليون دولار" وبعيدا عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الحملة فإن ما يهمني كصحفي هو ما هو وقف الأمة؟ وهل يمكن أن تتسرب من حساباته 500 مليون دولار.".
وأوضح مجموعة أسباب نافية للزعم المتدول من الذباب الخليجي وبعض اللجان في مصر بشأن الملف:
أولاً: تأسس وقف الأمة في نوفمبر 2013 "بتشجيع ودعم من علماء ومفكري المسلمين لخدمة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك" حسب ما يقول موقعه الرسمي، ومقرة مدينة إسطنبول في حي الفاتح، في منطقة أكشمستيين.
ويضم مجلس إدارته أسماء تركية وعربية، ويخضع للقانون التركي الذي ينظم عمل المؤسسات الخيرية والوقفية.
ثانيا: بالنسبة لتلقي التبرعات المادية فقد حصل الوقف على إذن لجمع المساعدات بموافقة بتاريخ 03/06/2021 برقم 56476، صادرة عن مديرية علاقات المجتمع المدني الإقليمية في ولاية إسطنبول، وفقًا للمادتين 7،و8 من قانون جمع التبرعات رقم 2860.ويتم تدقيق وتفتيش الحسابات من قبل وحدات مديرية علاقات المجتمع المدني الإقليمية في إسطنبول.
https://ummetvakfi.org/ar/pdf/docs3.pdf
وأضاف ".. الوقف ليس فلسطينيا أو عربيا خالصا بل خليط بين أتراك وعرب كمشروع خيري جامع لخدمة القدس الشريف وقضاياه، وأمين الوقف الشيخ أحمد العمري أيضا ليس فلسطينيا بل لبناني بيروتي وهو عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
وأوضح أن "تسريب 500 مليون دولار من حسابات الوقف أمر مستحيل، بل من غير المتصور أن يتلقى الوقف مثل هذا الرقم المهول من التبرعات، فالتدقيق الدوري الذي تخضع له هذه المؤسسات ليس سهلا، وقد يتم إغلاقها لأدنى شبهة، كما أن حركة الأموال داخل تركيا تخضع للمراقبة الدقيقة والكل تابع قضايا الفساد المالي المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول وأكثر من أربعمائة آخرينط.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=10239787830663302&set=a.10200250672979070
لماذا يفعل العفاسي ذلك؟
الناشط على (إكس) خالد صافي @KhaledSafi كتب مقال شبه العفاسي ب(أحقد من جمل) موضحا أن من يقصده خالد صافي في النص هو أن مشاري العفاسي حاول أن يمدّ أزمة "وقف الأمة" – التي هي في الأصل قضية إدارية داخل غزة – إلى الكويت، وذلك عبر:
وأضاف أن العفاسي أراج بتغريداته توسيع دائرة الاتهام حيث لم يكتفِ بالحديث عن المؤسسة الوقفية نفسها، بل بدأ يهاجم كل من ظهر في فعالياتها أو تعاون معها، حتى لو كان مجرد ضيف أو مشارك في عمل خيري.
كما استهدف دعاة كويتيين بارزين من مثل الدكتور طارق السويدان والقارئ أحمد النفيس وغيرهم، وكأن مجرد حضورهم أو ارتباطهم بالمؤسسة يجعلهم شركاء في الفساد.
وأضاف أنه استخدم منطق مغلوط: "إذا حضرت مؤتمرًا لمؤسسة شابتها لاحقًا شبهة إدارية، فأنت شريك في الفساد"، وهو منطق لا يستقيم شرعًا ولا عقلًا.
وأكد أن العفاسي واللجان وظفوا الأزمة سياسيًا مستغلين الحدث كذريعة لتصفية حسابات قديمة مع خصومه الفكريين في الكويت، محاولًا تحويل قضية محلية في غزة إلى معركة شخصية على الساحة الكويتية.
وخلص خالد صافي إلى أن العفاسي لم يكن يسعى إلى نصرة غزة أو كشف فساد حقيقي، بل إلى توسيع الأزمة لتشويه خصومه الكويتيين، مستغلًا معاناة أهل غزة كوقود لمعركة شخصية وانتقامية.
وقال: "..طوال عامين من حرب الإبادة على غزة، التزم العفاسي نمطًا شبه ثابت: صمتٌ مطبق لا يقطعه إلا النزر اليسير من المنشورات العامة لرفع العتب، مع استمرار روتينه اليومي في نشر تلاواته وإنجازاته الشخصية بمعدل منشور أو اثنين يوميًا.. كانت الأمة تنزف، وكان هو في برجه العاجي، وساعاته وعطوره الفاخرة.".
وأضاف ".. ما إن لاحت في الأفق قضية "وقف الأمة" – التي تمس خصومًا فكريين له – حتى دبت فيه حياة غير معهودة. تحول حسابه فجأة إلى منصة إخبارية صفراء، يضخ أكثر من عشرين منشورًا وتعليقًا يوميًا، ويعيد نشر تغريدات لآخرين، في حالة من "الهستيريا الرقمية" التي لا يمكن تفسيرها بالغيرة على الدين، بل بالرغبة في الانتقام، فخرج من مخبئه وانطلق كالغراب يملأ فضاء الشبكة نعيقًا؟".
استند العفاسي في حملته الشعواء على قرار إداري من حماس برفع الغطاء عن المؤسسة الوقفية لشبهة خلل إداري، وهنا تكمن المغالطة الكبرى التي تبناها وروج لها:
وأضاف الحقيقة: القرار كان إجرائيًا برفع الغطاء عن وقف الأمة للتدقيق في شبهات إدارية، ولم يصدر أي بيان رسمي يتهم أحدًا بسرقة "نصف مليار دولار".
التدليس: حوّر العفاسي ومن يدور في فلكه الشبهة الإدارية إلى جزم بالسرقة، وركز هو والذباب واللجان على رقم نصف مليار دولار الذي لم يرد في أي بيان إلا في منشوراتهم هم، واعتبر المبلغ تحت بند سرقة تبرعات، ضاربًا عرض الحائط بالآية التي يرتلها آناء الليل وأطراف النهار: ﴿.. فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾.
لعل السقوط الأخلاقي الأكبر في هذه الحملة هو اعتماد مبدأ الذنب بالتداعي، حيث لم يكتفِ العفاسي بمهاجمة إدارة الوقف، بل شن حملة اغتيال معنوي ضد كل من ظهرت صورته في فعاليات المؤسسة، حتى وإن كانوا ضيوفًا دُعوا لعمل خيري سامٍ.
طال هجومه قامات من بلده الكويت مثل الدكتور طارق السويدان والقارئ أحمد النفيس، وغيرهم من الدعاة.
الأكثر إيلامًا هو توظيفه لمعاناة أهل غزة كأداة للجلد، فبدلاً من توجيه السهام للعدو، راح يلمز الجامعين للتبرعات ويحملهم وزر المجاعة والفقر بناءً على فرية "سرقة المليارات" التي اختلقها وروّجها.
واعتبر أن "هذا السلوك لا يعكس فقط غياب المروءة، بل يكشف عن انتهازية سياسية تستخدم دماء الضحايا وقودًا لمعارك شخصية تافهة.. كيف لقارئ يقرأ القرآن بالقراءات العشر أن يغفل عن أبجديات الورع؟".
https://x.com/KhaledSafi/status/1990875237706313744/photo/1
وفي فبراير 2015 نال القارئ الكويتي مشاري العفاسي هجوما شديدا عليه عبر برنامج التواصل الاجتماعي تويتر بسبب انحيازه السياسي لقتلة المصريين من العسكر حاصرا المسألة في معاداة الإخوان فقط متناسيا دماء المصريين من غير الإخوان غير عابئ بحرق المساجد والمصاحف ولا باغتصاب 67 فتاة وامرأة من قبل عناصر الجيش.
وعاتب أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.فواز الجدعي، من حسابه عبر تويتر العفاسي قائلًا: "شيخ مشاري العفاسي بدلًا من أن تقوم بالتغريدات كان يجب أن يكون لك موقف من كلام وسيم يوسف الدحلاني من رجال الدين في الكويت والعمل الخيري فيها".
فيما قال النائب السابق المحامي أسامة عيسي الشاهين: "شكرًا لاهتمامك بدعوتنا الإسلامية، وستبقى من أجمل قراء القرآن الكريم وفقك الله وأصلح بالك وحالك أخي".
فيما قالت المحامية الكويتية إسراء المعتوق: "أتعجب من ناس حناجرهم تغرد بذكر الله ووجوههم تمتلئ باللحى وقلوبهم تحقد على إخوتهم، ألا يعلمون أن المسلم من سلم الآخرون من لسانه ويده".
وقال النائب السابق د. جمعان الحربش: "بئس حامل القرآن من يعادي الأول ويوالي الثاني".
وكان العفاسي قد وصف الإخوان المسلمين بالحاقدين والمنافقين، وأن الشيخ سيد قطب "قدوتهم كفر الصحابة من قبل"، متهمًا إياهم بالإساءة اليومية له لمجرد أنه يخالفهم الرأي، متابعًا: "الإخوان أحقد من جمل".
كما اعتبر في تغريدات سابقة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن ما يجري في مصر فتنة، وحمل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية مقتل عناصرها، عندما أمروا مناصريهم بالبقاء في ميدان رابعة، فيما لم يوجه أية إدانة للجيش الذي قام بعملية القتل ذاتها وحرق جثث المصابين أحياء، وقام بفض الاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
وقد وجه الكثير من محبي ومتابعي القارئ مشاري العفاسي اللوم له على هذا التوجه، معتبرين أنه كان يسعه السكوت وعدم التدخل على خط الأزمة والخوض فيها، مستغربين في الوقت نفسه من هجومه غير المبرر على جماعة الإخوان.
