تقرير تحليلي: أزمة طيران مُركّبة… بين إنفاق رئاسي مثير للجدل وتعثر الصيانة وارتباك الأسطول المدني
تتفاقم التحدّيات داخل قطاع الطيران بزمن الانقلاب في وقت يتصاعد فيه الجدل حول أولويات الإنفاق الحكومي، خصوصاً بعد توسع الرئاسة في شراء طائرات جديدة وذات تكلفة مرتفعة، من بينها طائرة عريضة البدن تُلقّب عالمياً بـ “ملكة السماء”، إضافة إلى طائرات فرنسية مخصصة للعروض الجوية. ويرى منتقدون أن هذا النوع من الطائرات ذو طبيعة استعراضية وفنية ولا يدخل في نطاق الاحتياجات الدفاعية أو التشغيلية المباشرة، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى جدوى هذه الصفقات في ظل الضغوط المالية المتنامية على الدولة.
في المقابل، يواجه الأسطول المدني—وعلى رأسه شركة "مصر للطيران"—صعوبات كبيرة تتصل بالصيانة والتجديد وتمويل تحديث الأسطول. وكانت الشركة تُعدّ لسنوات طويلة واحدة من أكبر الناقلات الجوية في الشرق الأوسط، إلا أنها تجد نفسها اليوم في مراتب متأخرة، بحسب خبراء في القطاع، الذين يعزون ذلك إلى تراجع الاستثمار في الصيانة وتحديث الطائرات، إضافة إلى تحديات مالية وإدارية متراكمة.
خلل برمجي عالمي يعمّق الضغوط داخلياً
الأزمة الأخيرة المتعلقة بتحديثات طائرات إيرباص A320 أظهرت جانباً آخر من هشاشة الوضع التشغيلي. فبعد إعلان “مصر للطيران” بدء تنفيذ تعليمات “إيرباص” والهيئات الأوروبية بإجراء تعديلات عاجلة على نظام ELAC المسؤول عن التحكم في الجنيحات والمصاعد، سارعت الشركة إلى طمأنة المسافرين بأن التحديثات تمت "دون تأثير على جدول الرحلات". غير أن الارتدادات الفعلية بدت أوضح في شركات أخرى داخل السوق المصري.
شركة "أير كايرو"—المملوكة لمصر للطيران وتعتمد كلياً تقريباً على طائرات A320—شهدت تباطؤاً في التشغيل وإعادة جدولة لعدد من الرحلات، نتيجة الحاجة إلى إيقاف الطائرات لساعات داخل الورش الفنية. مصادر فنية أكدت لـ"العربي الجديد" أن الشركات ذات الأساطيل الصغيرة تتأثر بشكل أكبر بمثل هذه التحديثات الإلزامية، لغياب البدائل التشغيلية.
تداعيات أزمة عالمية
تأتي هذه الإجراءات ضمن استجابة دولية واسعة عقب حادث خطير تعرضت له طائرة تابعة لشركة "جيت بلو" الأميركية أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أدى خلل ناجم عن تحديث برمجي سابق إلى هبوط غير مقصود ألحق إصابات بالركاب. دفعت الحادثة "إيرباص" ووكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA) إلى إصدار توجيه عاجل يشمل نحو ستة آلاف طائرة من عائلة A320، ما أحدث اضطرابات واسعة في أوروبا وآسيا وإلغاء عشرات الرحلات في شركات كبرى.
هذه التطورات تأتي بينما تعاني "إيرباص" من نقص حاد في قطع الغيار والمحركات، وهو ما ينعكس مباشرة على الشركات التي تحتاج إلى عمليات صيانة سريعة أو تحديثات عاجلة.
ضغوط مالية على “مصر للطيران”… وصندوق النقد حاضر
بالتوازي مع الأزمة الفنية، تواجه "مصر للطيران" عقبة مالية كبيرة بعد رفض وزارة المالية منح الشركة الضمانات اللازمة لاستكمال صفقة شراء 16 طائرة من طراز A350–900. وجاء الرفض استجابة لشروط صندوق النقد الدولي التي تطالب بتقليص الضمانات السيادية وتعزيز الانضباط المالي قبل المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الإصلاح.
إزاء ذلك، لجأت الشركة إلى آلية البيع وإعادة الاستئجار عبر شركة "BOC Aviation" السنغافورية، التي ستشتري الطائرات من "إيرباص" ثم تعيد تأجيرها للشركة المصرية بنظامي التأجير التشغيلي والتمويلي. ومن المتوقع وصول الدفعة الأولى في ديسمبر المقبل، فيما تمتد عمليات التسليم حتى عام 2026.
صورة شاملة لقطاع مضغوط
تجمع التطورات الأخيرة بين عناصر سياسية واقتصادية وفنية، في مشهد يعكس حجم التعقيدات التي تحاصر قطاع الطيران المصري. فبينما يرى منتقدون أن الإنفاق على طائرات رئاسية باهظة يعكس غياب الأولويات، يشير متخصصون إلى أن العجز في تحديث الأسطول المدني وتحديات الصيانة وسوء الهيكلة المالية عوامل أساسية في تراجع تنافسية "مصر للطيران".
وفي ظل الضغوط العالمية على سلاسل التوريد وشروط المؤسسات الدولية، يبدو أن القطاع مقبل على مرحلة تتطلب إعادة تقييم شاملة، تشمل الإدارة، التمويل، والأولويات الاستراتيجية، لضمان استعادة الدور التاريخي الذي لعبه الطيران المصري في المنطقة.