التحوّل الرقمي في مصر… أداة للسيطرة المالية والأمنية أكثر منه مشروعاً للتنمية؟

- ‎فيتقارير

يتصاعد الجدل في مصر حول حقيقة أهداف ما يسمى “التحول الرقمي”، الذي تُروّج له السلطة باعتباره مشروعاً قومياً، بينما يرى خبراء وتقارير مستقلة أنه أقرب إلى رقمنة للسيطرة والجباية منه إلى رقمنة للخدمات أو الاقتصاد.

 

وفي خطابه الأخير بأكاديمية الشرطة، عاد المنقلب عبد الفتاح السيسي لأسطوانة “تسلم البلاد وهي شبه دولة”، قبل أن ينتقل للحديث عن مستقبل “الرواد الرقميين” الذين –بحسب تقديره– يتكلف إعداد الواحد منهم مليون جنيه، ويمكنه تحقيق 30 ألف دولار شهرياً، أرقام أثارت موجة واسعة من السخرية، واعتبرها متخصصون نموذجاً جديداً من “هبد السيسي” الذي لا يسنده واقع ولا بيانات.

 

انتقائية سردية “التأخر التقني”

 

طرح السيسي بدا كأنه يتجاهل تاريخ قطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر، الذي حقق إنجازات بارزة قبل 2011 بدعم حكومي ومناخ أكثر انفتاحاً. لذلك سارع خبراء لتفنيد ادعاء أن مصر لم تدخل مجال التكنولوجيا إلا قبل عشر سنوات، مؤكدين بالأرقام أن العقد الأخير –تحديداً منذ 2014– شهد تراجعاً حاداً أعاد البلاد إلى ذيل مؤشرات “التعهيد” وخدمات مراكز الاتصال.

 

وتزامن الجدل مع انعقاد معرض “كايرو آي سي تي”، الذي حوّله النظام إلى ساحة للتبرير والدفاع، بينما رأى مشاركون أن ضعف التنسيق الرسمي وإهمال الحدث متعمد لإتاحة المجال لشركة إماراتية تستعد لإطلاق معرض منافس في مجال الذكاء الاصطناعي، في مشهد يرسّخ استمرار مسار إضعاف الصناعة المحلية.

 

رقمنة بلا حريات… وخبراء: لا اقتصاد رقمياً في مناخ قمعي

 

الكاتب المتخصص في تكنولوجيا المعلومات جمال غطاس، أكد أن الحديث عن إنتاج “مليون شاب براتب 30 ألف دولار” خيال سياسي لا يستقيم دون مناخ ديمقراطي يسمح بالابتكار والنقد والمحاسبة، وقال صراحة:

“لا إبداع تحت الديكتاتورية… ولا اقتصاداً رقمياً في مناخ العبيد.”

 

غيطاس فنّد أيضاً زعم أن مصر بدأت متأخرة، مستشهداً بمؤشر “كيرني” الذي وضع مصر في مراكز متقدمة حتى 2011 (المركز 7)، ثم تراجعت من 2014 حتى 2017 إلى مراكز 13 و15 و17، قبل أن تتحسن جزئياً دون العودة لمستويات ما قبل الثورة.

 

رقابة إلكترونية لا خدمات رقمية

 

ورغم ادعاءات الحكومة بأن “مصر الرقمية” حققت طفرة، يشكو المواطنون من أن المؤسسات ما زالت أسيرة الورقيات، وترفض اعتماد المستندات الإلكترونية، بينما تتوسع الدولة في رقمنة ما يتعلق بالجباية والضرائب والرسوم والغرامات، لا في رقمنة الخدمات.

 

ويرى خبراء أن ما يُبنى اليوم ليس اقتصاداً رقمياً، بل منظومة رقمية للرقابة تسمح بتحكم غير مسبوق في حركة الأموال والمعلومات، وربط قواعد البيانات لإحكام الملاحقة والجباية وفرض السيطرة الأمنية، في ظل بيئة سياسية مغلقة.

 

نجاحات محدودة… ومشكلات أعمق

 

خبير تكنولوجيا المعلومات روماني رزق الله أشار إلى وجود تطورات في الألياف الضوئية وتدريب الكوادر، لكنه أكد وجود مشكلات هيكلية أبرزها:

 

استمرار تغوّل الورقيات في الضرائب والجمارك

 

مقاومة الوزارات لنظام “الشباك الواحد”

 

غياب التنسيق الحكومي

 

ضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف الإنترنت

 

أما خبير الأمن السيبراني تامر جمعة فأكد أن منصة “مصر الرقمية” جذبت ملايين المستخدمين، لكنها غير كافية لخلق اقتصاد رقمي حقيقي في ظل غياب الحوكمة وإصرار الوزارات على التعامل الورقي.

 

وفي السياق ذاته، شدد خبير التحول الرقمي محمد نجم على أن ضعف البنية التحتية وارتفاع تكلفة الإنترنت وتدني سرعته –مع أقل من 15 مليون اشتراك منزلي في بلد يتجاوز 110 ملايين– تعكس فجوة ضخمة بين الخطاب الرسمي والواقع.

 

إلى أداة للسيطرة المالية والأمنية

التحول الرقمي في مصر –كما يراه خبراء ومراقبون– تحوّل إلى أداة للسيطرة المالية والأمنية أكثر منه مشروعاً للتنمية.

 

 وبينما يواصل السيسي إطلاق أرقام غير منطقية عن تكلفة “الرائد الرقمي” وعائداته، يغيب عن المشهد الأساس الحقيقي لأي اقتصاد رقمي: حرية، شفافية، وبنية تحتية قوية.

 

تحولت الرقمنة من فرصة للتقدم إلى رافعة جديدة للجباية والمراقبة، في دولة تُدار بمنطق أمني لا تنموي.