أثار ما يسمى جهاز (مستقبل مصر) الذي يقدم على أنه أحد أنجح الكيانات العسكرية في إدارة مشروعات اقتصادية واسعة، والقدرة على جذب القطاع الخاص وتقليص الفجوة الغذائية شهية الاستكشاف عند الباحث يزيد صايغ عبر مدونة (ديوان) التابعة لمركز مالكوم كير–كارنيجي للشرق الأوسط بمقال بعنوان (نجم السيسي الجديد)، فأكد أن الجهاز أثار أيضا لديه غياب الشفافية والمخاطر البيئية والمالية تساؤلات حول استدامة هذا النموذج، وحول ما إذا كان يمثل بالفعل نقلة نوعية في الاقتصاد المصري أم مجرد إعادة إنتاج لنمط الدولة العسكرية بواجهة جديدة.
وفي ديسمبر 2025 نشر الباحث يزيد صايغ مقاله متناولا جهاز (مستقبل مصر للتنمية المستدامة) والذي أُنشئ بقرار رئاسي عام 2022 ويتبع سلاح الجو المصري، مسلطا الضوء على توسع الجهاز السريع في محفظة مشروعاته، وعلى الدور المحوري الذي يلعبه العقيد الطيار بهاء الغنام في إدارة هذا الكيان، مع طرح تساؤلات جوهرية حول جدوى النموذج، استدامته، وغياب الشفافية في عمله.
خلفية جهاز مستقبل مصر
وصدر قرار رئاسي بإنشاء الجهاز عام 2022، ومنذ ذلك الحين توسع ليصبح أحد أبرز الكيانات التنموية في مصر، ويرتبط الجهاز بسلاح الجو المصري، وقد مُنح إدارة مساحات واسعة من الأراضي ضمن مشروع الدلتا الجديدة، بعد نجاحه في استصلاح 200 ألف فدان.
ويمتد نشاطه من الزراعة وتربية المواشي والدواجن، إلى الاستزراع السمكي، وإدارة البحيرات، وإنتاج الطاقة الشمسية، وصولًا إلى مشاريع عقارية كبرى مثل مدينة جريان الفاخرة.
والعقيد الطيار بهاء الغنام، يمثل عقلية مختلفة عن النمط التقليدي في الاقتصاد العسكري، فقد منح صلاحيات واسعة لمديرين مدنيين أكفاء، خلافًا للعادة التي تضع ضباطًا بلا خبرة في مواقع إشرافية شكلية، وهذا النهج ساعد على تجاوز إخفاقات سابقة مثل مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان الذي فشل تحت إدارة جهاز "تنمية الريف المصري الجديد".
وأعلن الجهاز عن إحلال واردات محاصيل استراتيجية وتصدير منتجات مثل القمح والشمندر السكري والذرة والبصل، بقيمة 4.3 مليارات دولار خلال ست سنوات حتى 2024.
وبحسب الغنام، وفر الجهاز 40 ألف فرصة عمل مباشرة ومليوني فرصة غير مباشرة في 2024، مع خطط لرفعها إلى 80 ألف مباشرة و3.5 ملايين غير مباشرة بحلول 2027.
إشكاليات وتحديات
وطرح صايغ عدة إشكاليات في الجهاز أبرزها؛ غياب الشفافية ابتداء من القرار الرئاسي الذي أنشئ به الجهاز لم يُنشر في الجريدة الرسمية، كما أن البيانات المالية غير متاحة للتحقق المستقل.
ثم علق أيضا على التكاليف الباهظة لاستصلاح مليون فدان من الأراضي الصحراوية، وكيف أنه يتطلب استثمارات تتراوح بين 200 و250 مليار جنيه، إضافة إلى تكاليف تشغيل وصيانة قنوات المياه ومحطات المعالجة.
وثالثا تناول المخاطر البيئية لاعتماد الجهاز على المياه الجوفية ونقل مياه النيل يثير مخاوف من الإفراط في الاستهلاك وتدهور التربة، فضلًا عن الاستخدام المكثف للأسمدة الصناعية.
وعلق على مهمة للجهاز اسندها له السيسي بإدارة الواردات وكانت تجربة الجهاز في شراء القمح التي أثارت توترًا مع الموردين العالميين بسبب التخلي عن المناقصات الرسمية، وتأخير المدفوعات، وإعادة التفاوض على العقود.
أما خامس التعليقات فكانت حول العلاقة مع القطاع الخاص، وغياب إطار قانوني واضح يجعل شروط الاستثمار غير شفافة، ويثير تساؤلات حول مدى جدية المستثمرين في الالتزام طويل الأمد.
ولفت (صايغ) إلى أن الجهاز لا يكتفي بالمشروعات الزراعية، بل بدأ بالاستحواذ على حصص في شركات خاصة وكيانات حكومية مدرجة في البورصة، ويخطط لطرح بعض أسهمه مستقبلًا، كما أطلق مشروع مدن مصر بالشراكة مع وزارة الإسكان لإدارة وتشغيل المدن الجديدة، إضافة إلى مشروع عقاري ضخم باسم «جريان» بتكلفة 1.5 تريليون جنيه (نحو 31 مليار دولار)، هذه الخطوات تعكس حجم الدعم الرئاسي الذي يحظى به الجهاز، وتؤكد أنه أصبح أداة مركزية في استراتيجية السيسي التنموية.
https://x.com/SayighYezid/status/1996944647151648906
ويزيد صايغ، الباحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، تناول في دراساته وتحليلاته دور المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد والسياسة، وتركيزه الأكبر كان على الجيش كمؤسسة اقتصادية وسياسية، وعلى وزارة الإنتاج الحربي والهيئات التابعة لها.
ويعد يزيد صايغ، من أبرز الأصوات العربية (أصول لبنانية) التي تناولت التحولات العميقة في بنية الدولة المصرية تحت حكم عبد الفتاح السيسي، في سلسلة من الدراسات، أبرزها "الجمهورية الثانية: إعادة تشكيل مصر في عهد عبد الفتاح السيسي" (مايو 2025)، قدّم صايغ رؤية نقدية لمستقبل مصر، معتبرًا أن النظام الحالي يعيد صياغة العقد الاجتماعي ويؤسس لرأسمالية دولة هجينة تُخضع القطاع الخاص لإرادة السلطة.
ووجد صايغ أن ملامح الجمهورية الثانية يتمثل في:
تقييد السياسة: يرى صايغ أن النظام الجديد يفرض وصاية عسكرية على المجال السياسي، ويقيد المشاركة الشعبية بشكل غير مسبوق.
إعادة تعريف العقد الاجتماعي: بعد أن كان القطاع العام قاعدة اجتماعية للسلطة منذ ثورة يوليو 1952، استبدل السيسي هذا الإرث بعقيدة «لا شيء مجانًا»، حيث تُرفع الدعم والخدمات تدريجيًا.
رأسمالية الدولة الهجينة: النظام يعزز سلطات الرئاسة ويُخضع القطاع الخاص لمصالح السلطة، ما يخلق بيئة اقتصادية غير متوازنة.
الجيش كعمود سياسي واقتصادي: الجيش لم يعد مجرد مؤسسة دفاعية، بل أصبح لاعبًا اقتصاديًا مباشرًا، يشارك في مشاريع البنية التحتية، التصنيع، وحتى إدارة قطاعات مدنية.
مستقبل مصر وفق رؤية صايغ
ويعتبر يزيد صايغ أن مستقبل مصر يتحدد وفق ثلاثة مسارات رئيسية وهي؛ استمرار الوصاية العسكرية، وبقاء الجيش في موقع الهيمنة سيُبقي الدولة في حالة جمهورية ضباط جديدة، حيث تُدار السياسة والاقتصاد من خلال مؤسسات عسكرية وشبه عسكرية.
المسار الثاني يتعلق بهشاشة النظام رغم القوة الظاهرية، حيث حذّر صايغ من أن النظام يبدو قويًا لكنه هش، إذ يعتمد على القمع وتوسيع نفوذ الجيش وسط تراجع الدعم الاجتماعي وغياب التوافق السياسي.
والمسار الثالث متعلق بالأولين، وهو إعادة إنتاج الأزمات الاقتصادية، مع استمرار سيطرة الجيش على الاقتصاد، ستظل مصر تواجه أزمة في جذب الاستثمارات الخاصة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتفاقم الفجوة بين السلطة والشعب.
ومن توابع المسارات أن تظل سيطرة الجيش على الاقتصاد مضعفة للقطاع الخاص واستمرار مصر في دائرة الاعتماد على القروض والدعم الخارجي.
ومن التوابع الأخرى، غياب التعددية السياسية سيُفاقم أزمة الشرعية، ويجعل أي انتقال سياسي مستقبلي محفوفًا بالمخاطر.
وعن التفاعل الخارجي أشار إلى أن اعتماد النظام على الغطاء العسكري والصفقات الاقتصادية سيُبقي مصر في موقع تفاوضي ضعيف أمام المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي.
ولكنه رأى أنه مع تراجع الأجور والخدمات، سيزداد الضغط الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى موجات احتجاجية أو اضطرابات.
