تشهد الساحة القضائية في مصر تصعيداً غير مسبوق في الطعون الدستورية ضد قانون الإيجار القديم رقم 164 لسنة 2025، في مؤشر واضح على عمق الأزمة الاجتماعية والقانونية التي فجّرها التشريع الجديد منذ صدوره، فمع قيد سادس دعوى دستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، يتزايد الرهان الشعبي على القضاء باعتباره طوق النجاة الأخير لملايين الأسر المهددة بفقدان مساكنها، خاصة كبار السن الذين أمضوا أعمارهم داخل بيوت تحولت فجأة إلى مصدر قلق وجودي.
الدعوى الأحدث، المقيدة برقم 43 لسنة 47 قضائية "دستورية"، أقامها المستشار السابق يحيى وفا، وتميّزت بكونها أول طعن يطالب بعدم دستورية القانون كاملاً، وليس الاكتفاء بالطعن في مواد بعينها، ما يضفي عليها وزناً قانونياً خاصاً قد يفتح الباب أمام إعادة النظر في فلسفة القانون برمته.
وبهذه الدعوى، يصبح قانون الإيجار القديم محل نظر دستوري في ست دعاوى متزامنة، ما يعكس حجم الاعتراض القانوني والمجتمعي المتنامي، ويكشف عن اتساع الفجوة بين المشرّع وواقع ملايين المستأجرين الذين يرون في القانون تهديداً مباشراً لاستقرارهم السكني والاجتماعي.
لماذا تزايدت الدعاوى الدستورية؟
يرى خبراء قانونيون أن موجة الطعون الحالية ليست مجرد تحرك قانوني معزول، بل تعبير عن رفض واسع لتشريع مسّ مراكز قانونية مستقرة، وأعاد صياغة العلاقة الإيجارية بصورة اعتبرها كثيرون مختلة لصالح طرف واحد، فالقانون، بحسب معارضيه، تجاهل البعد الاجتماعي للسكن، وتعامل مع المسألة بمنطق اقتصادي جامد، دون مراعاة أوضاع الفئات الهشة، وفي مقدمتها كبار السن وأصحاب المعاشات.
كما يثير القانون تساؤلات دستورية جوهرية تتعلق بمبادئ العدالة الاجتماعية، وحماية الحق في السكن، وعدم جواز الإخلال بالحقوق المكتسبة، وهي مبادئ نص عليها الدستور المصري وأكدتها سوابق قضائية سابقة للمحكمة الدستورية العليا.
القضاء بين النص والعدالة الاجتماعية
في ظل انسداد الأفق السياسي والتشريعي، بات القضاء بالنسبة للمستأجرين هو الملاذ الأخير لوقف ما يصفونه بـ"الطرد القانوني الجماعي" من منازلهم. ويعلّق ملايين المواطنين آمالهم على المحكمة الدستورية العليا لإعادة ضبط التوازن بين حق الملكية وحق السكن، بما يحفظ كرامة الإنسان ويمنع تحوّل الشيخوخة إلى رحلة قسرية للبحث عن مأوى.
ويرى مختصون أن قبول المحكمة الطعن شكلاً وموضوعاً قد يفضي إلى أحد سيناريوهين: إما إسقاط مواد جوهرية في القانون، أو الحكم بعدم دستوريته كلياً، ما سيجبر السلطة التشريعية على إعادة صياغة قانون جديد أكثر توازناً، يراعي البعد الاجتماعي إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية.
قلق اجتماعي وترقب شعبي
يتزامن هذا المسار القضائي مع حالة ترقب وقلق غير مسبوقة في أوساط المستأجرين، الذين باتوا ينظرون إلى هذه الدعاوى باعتبارها المعركة القانونية الأخيرة للدفاع عن حقهم في البقاء داخل منازلهم، كما تمثل الدعوى الأخيرة أول تحرك منظم لفريق "حكايات الإيجار القديم"، في إطار مسار قانوني يسعى إلى نقل الصراع من الشارع إلى منصة القضاء الدستوري.
وبينما تتكدس الملفات أمام المحكمة الدستورية، يبقى السؤال مفتوحاً:
هل ينقذ القضاء ملايين الأسر من شبح الطرد في نهاية العمر، أم يمر القانون باعتباره أمراً واقعاً؟
الإجابة باتت معلّقة على أحكام قادمة، قد تعيد رسم خريطة السكن في مصر لسنوات طويلة مقبلة.