حوّل الإعلام المحلي زيارة (النيابة العامة) لسجني وادي النطرون وأبو زعبل بشكل دعائي إيجابي، مبرزًا نظافة العنابر، وغياب الشكاوى، وتوفير الرعاية الطبية، مع التركيز على أن النزلاء يتمتعون بحقوقهم الدستورية والقانونية.
ومنذ سنوات، دأبت وزارة الداخلية المصرية على إنتاج مشاهد دعائية لزيارات السجون، تُظهرها وكأنها منتجعات سياحية: مشاوي، ومزارع، وبيض ونعام، وملاعب رياضية، وصالات جيم حديثة.
والتقط الإعلام المحلي هذه الصور وأعاد تدويرها في تقارير متشابهة، تزعم أن النزلاء "يتمتعون بكامل حقوقهم الدستورية والقانونية".!
وخلف هذه الصورة البراقة، تكمن حقيقة مرة، وثقتها تقارير حقوقية محلية ودولية، تكشف عن انتهاكات جسيمة وظروف احتجاز قاسية، تصل إلى حد الإهمال الطبي والتعذيب.
دعاية محلية
(اليوم السابع): أبرزت نظافة العنابر وغياب الشكاوى، مؤكدة أن النزلاء يعيشون في ظروف ملائمة.
(صدى البلد): ركزت على الرعاية الطبية، وزيارات النيابة العامة للفرق الصحية داخل السجون.
(المصري اليوم): تحدثت عن الالتزام بالمعايير القانونية والإنسانية، ونشرت صورًا توثق الجولة.
(مصطفى بكري): وصف السجون بأنها "5 نجوم"، وشكر وزارة الداخلية على "المعاملة الآدمية".
وتشترك التغطية الإعلامية لزيارة النيابة العامة (المستقلة اسما والتابعة واقعا لسلطة الانقلاب) لسجني وادي النطرون وأبو زعبل في سمات واضحة: إبراز الجانب الإنساني، وتأكيد غياب الشكاوى، والتركيز على الرعاية الطبية. لكنها تتجاهل شهادات السجناء وأهاليهم، وتتغاضى عن تقارير حقوقية موثقة.
الحقيقة المرة
منظمة العفو الدولية (مارس 2025): سجناء سجن العاشر من رمضان دخلوا في إضراب عن الطعام احتجاجًا على ظروف الاحتجاز القاسية، وحرمانهم من التريض والزيارات. الإدارة ردت بعقوبات وانتقام، منها النقل إلى سجون سيئة السمعة ومصادرة المتعلقات.
المفوضية المصرية للحقوق والحريات (نوفمبر 2025): نزلاء سجن بدر 3 أضربوا عن الطعام بسبب سوء المعاملة والتعنت مع ذويهم.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (سبتمبر 2025): أكدت أن سجناء بدر محرومون من أبسط حقوقهم مثل التريض والقراءة والزيارة، وهي حقوق لا تحتاج إلى إنفاق إضافي بل إلى قرار إداري.
المجلس القومي لحقوق الإنسان (ديسمبر 2025): تلقى 190 شكوى عن التعذيب وإساءة المعاملة خلال عام واحد، معظمها من مراكز الإصلاح والتأهيل. أشار إلى التباين بين ما يثار وما تنتهي إليه التحقيقات، وطالب بضمانات لتحقيق مستقل وشفاف.
قضية محمود ميكا (أبريل 2025): وفاة شاب داخل قسم شرطة الخليفة وسط شهادات عن تعرضه للتعذيب، بينما نفت الداخلية ذلك. تقارير حقوقية أكدت وجود آثار ضرب وتعذيب على جسده.
منظمات حقوقية (مايو 2025): وثقت وفاة سجناء بسبب الإهمال الطبي، وحرمانهم من الرعاية الصحية الملائمة، مع تنامي محاولات الانتحار داخل سجن بدر 3.
الأمم المتحدة (أكتوبر 2025): المفوضية السامية لحقوق الإنسان أعربت عن مخاوف بشأن الاختفاء القسري واستمرار التعذيب وسوء المعاملة، وطالبت بفتح السجون أمام مراقبين مستقلين.
https://x.com/SaheehMasr/status/2002708999834140938
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1191286006525615&set=a.103872331933660
وبحسب @grok فإن "سجن أبو زعبل مجمع سجون أمنية شديدة الحراسة شمال القاهرة، يحتجز آلاف السجناء الجنائيين والسياسيين، خاصة من الإسلاميين بعد 2013، وشهد حوادث مثل وفاة 37 شخصًا بالاختناق في 2014 حسب تقارير حقوقية. سقف الحرية في مصر محدود بقوانين صارمة ضد الإرهاب والتجمعات، حيث يُقمع النقد الحاد للحكومة بالاعتقالات، رغم التركيز الرسمي على الاستقرار. التقارير الدولية تُشير إلى انخفاض في حرية التعبير، لكنها قد تكون متحيزة ضد النظام.".
الدعاية والواقع
وتركز الدعاية الرسمية على صورة مثالية، تُظهر السجون كأماكن نظيفة، مزودة بملاعب وصالات رياضية، حيث يتمتع النزلاء بحقوقهم كاملة.
أما الحقيقة المرة فاستعرضتها تقارير حقوقية تكشف عن حرمان السجناء من التريض والزيارات، والإهمال الطبي، والتعذيب، والوفاة داخل مقار الاحتجاز.
ويرى حقوقيون أن الهدف من الدعاية هو؛ إقناع الرأي العام المحلي والدولي بأن السجون المصرية مطابقة للمعايير، وتبرير القبضة الأمنية في حين تستمر الانتهاكات، وتتصاعد الإضرابات، وتوثيق حالات وفاة بالإهمال الطبي ولتعذيب، ما يفضح التناقض بين الصورة الرسمية والواقع.
موقع النيابة العامة في بنية الدولة
والإطار الدستوري والقانوني للنيابة العامة في النصوص الرسمية أنها جزء من السلطة القضائية، وهي "شعبة من شعب القضاء" وفقًا لقانون السلطة القضائية المصري وفي الممارسة العملية: كثير من الباحثين والحقوقيين يرون أن النيابة العامة تعمل فعليًا كذراع للسلطة التنفيذية، نظرًا لارتباطها المباشر بوزير العدل ورئيس الجمهورية، ولأنها لا تتمتع باستقلال مالي وإداري كامل.
وتتبع النيابة العامة هيكليا النظام: فالنائب العام يُعيَّن بقرار من رئيس الجمهورية، ما يجعل موقعه مرتبطًا بالسلطة التنفيذية.
وفي القضايا السياسية وملفات السجون، يُنظر إلى النيابة العامة باعتبارها أداة لتبرير مواقف الدولة، أكثر من كونها جهة رقابية مستقلة.
كما تغيب عن اجراءات النيابة العامة الرقابة الخارجية فلا توجد آلية مستقلة تسمح بمراجعة قرارات النيابة العامة أو مساءلتها أمام البرلمان أو هيئة قضائية منفصلة.
انعكاسات الدعاية
وعندما تعلن النيابة العامة أن السجناء "يتمتعون بكامل حقوقهم"، يُنظر إلى هذه التصريحات باعتبارها جزءًا من خطاب السلطة التنفيذية، لا تقييمًا قضائيًا محايدًا بل إعادة لفيلم البرئ الشهير للفنان أحمد زكي.
وهذا الوضع يضعف ثقة المواطنين في استقلال القضاء، ويجعل النيابة العامة تُرى كأداة سياسية أكثر من كونها مؤسسة عدلية بحسب محامين وحقوقيين.
وفي أنظمة ديمقراطية، النيابة العامة غالبًا ما تكون مستقلة تمامًا عن السلطة التنفيذية، أو تخضع لرقابة برلمانية، لضمان عدم استخدامها في تصفية الخصوم السياسيين.
جريمة النظام
ويعتقد مراقبون أن الجريمة ليست فقط في الانتهاكات نفسها، بل في التغطية عليها بالدعاية الكاذبة. فالنظام يوظف الإعلام المحلي والنخب الموالية لتسويق صورة زائفة، بينما يقمع أي صوت مستقل يحاول كشف الحقيقة. هذه الاستراتيجية تجعل من المثقف والإعلامي جزءًا من ماكينة التبرير، بدل أن يكونوا ضميرًا ناقدًا.
ويؤكد المراقبون أن الزيارات الدعائية للسجون ليست سوى ستار يخفي وراءه واقعًا مظلمًا. بينما تُعرض صور الملاعب والمشويات، هناك سجناء محرومون من الشمس والهواء، وآخرون يموتون بسبب الإهمال الطبي، وغيرهم يتعرضون للتعذيب. الفارق بين التناول الإعلامي والدعاية الرسمية والحقيقة المرة هو الفارق بين صورة مُصطنعة وواقع موثق بالدماء والآلام.
ويعتبر حقوقيون أن كشف هذه الجريمة واجب أخلاقي، ليس فقط دفاعًا عن حقوق السجناء، بل عن حق المجتمع في معرفة الحقيقة، ومحاسبة من يحوّل السجون إلى مقابر صامتة، بينما يبيعها للإعلام كمنتجعات خمس نجوم.