شكّل رحيل الفريق أول ركن محمد الحداد، الذي عُرف بـ"رجل طرابلس القوي"، ضربة موجعة للمؤسسة العسكرية الليبية وللمشهد السياسي في البلاد.
فالحادث الذي أودى بحياته وحياة كبار الضباط المرافقين له، سواء كان نتيجة خلل فني أو غير ذلك، ترك فراغًا كبيرًا في قيادة الجيش الليبي، وأثار مخاوف من اهتزاز التوازنات العسكرية والسياسية في طرابلس.
وبينما تستمر التحقيقات التركية في تحديد أسباب الحادث، يبقى السؤال الأهم: من سيملأ هذا الفراغ، وكيف ستتأثر ليبيا داخليًا وخارجيًا برحيل أحد أبرز رجالها العسكريين؟
و لم يكن مقتل محمد الحداد مجرد حادث طائرة في نظر كثير من المراقبين، بل حدث سياسي بامتياز قد يُستغل كأداة في حياكة الثورة المضادة داخل ليبيا.
وبينما تؤكد التحقيقات الرسمية على فرضية العطل الفني، فإن التوقيت والفراغ الذي تركه الرجل في المؤسسة العسكرية يجعلان من الحادث نقطة تحول خطيرة في المشهد الليبي.
ووصف إدريس بوفايد (عضو مجلس الدولة) سقوط الطائرة بأنه "عمل استخباراتي يستهدف استقرار ليبيا"، مؤكّدًا أن التعامل معه كحادث عرضي "يفتقر إلى الحكمة"، وأنه يخدم أطرافًا تسعى إلى إضعاف موازين القوى داخل ليبيا.
وأشار محللون سياسيون إلى أن الحادث جاء في توقيت حساس، بعد قرار البرلمان التركي تمديد وجود قواته في ليبيا لعامين إضافيين، ما يثير تساؤلات حول المستفيد من غياب شخصية عسكرية توافقية مثل الحداد.
ووُصف محمد الحداد بأنه قيادي ثوري ومهندس توحيد الجيش الليبي، إذ برز خلال ثورة 2011 ضد نظام القذافي، وقاد مجموعات مسلحة في مصراتة قبل أن يتولى منصب رئيس الأركان العامة عام 2020، ولعب دورًا محوريًا في اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 برعاية الأمم المتحدة، وسعى إلى إنهاء الانقسام بين قوات الشرق والغرب، كما عُرف بميله إلى الحلول السياسية، وحرص على بناء علاقات مع تركيا، إيطاليا، والولايات المتحدة لدعم المؤسسة العسكرية الموحدة، حيث كان حلقة وصل معهم، ورحيله قد يؤثر على مسار هذه العلاقات.
وعليه أكد المحللون أنه بوفاة القائد العسكري الرفيع محمد الحداد، فقدت طرابلس أهم شخصية عسكرية جامعة، ما يفتح الباب أمام صراعات جديدة على قيادة المؤسسة العسكرية. لافتين إلى أنه كان عنصرًا أساسيًا في التوازن بين المجموعات المسلحة في الغرب، ورحيله قد يعيد خلط الأوراق.
وربط بعضهم بين وفاته وتوقيت استمرار الانقسام بين الشرق والغرب، ما يجعل مستقبل المؤسسة العسكرية الليبية أكثر غموضًا.
الأكاديمي في العلوم السياسية والباحث د. عصام عبد الشافي اعتبر أن "فرضية أن الحادث متعمد قوية"، مشيرًا إلى أن التوقيت جاء بعد قرار البرلمان التركي تمديد نشر قواته في ليبيا لعامين إضافيين اعتبارًا من يناير 2026، ما يفتح باب التساؤل حول المستفيد من رحيل الحداد.
وعبر @essamashafy أضاف "عبد الشافي"، "تقدير الموقف الدقيق يقوم على رصد كل السيناريوهات المحتملة حتى لو كانت نسبة مصداقيتها 1% فقط".
ومن هذه السيناريوهات سيناريو الثورة المضادة حيث يرى بعض المراقبين أن الحادث قد يكون جزءًا من مخطط لإعادة تمكين قوى معادية للثورة الليبية، عبر إضعاف القيادات العسكرية التي دعمت التغيير.
كما أن هناك سيناريو الحادث الفني حيث أن التحقيقات التركية الرسمية ما تزال تشير إلى خلل تقني محتمل، لكن غياب الشفافية الكاملة يعزز الشكوك.
السيناريو الثالث أن قتل "الحداد" تهديد لإعادة الاصطفاف على الوضع الحالي بل ربما كان لفتح المجال أمام شخصيات أكثر تشددًا، ما يعيد إنتاج الانقسام بدلًا من التوحيد.
وكان لافتا أن رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، حسن رشاد، قدم تعازيه هاتفيا، لرئيس حكومة الوحدة المؤقتة في غرب ليبيا عبد الحميد الدبيبة، في ضحايا الحادث رئيس الأركان ومرافقيه، إثر سقوط الطائرة التي كانت تقلهم أثناء عودتهم من تركيا، فى مهمة رسمية.
وكان رئيس الحكومة الشرعية عبد الحميد الدبيبة @Dabaibahamid اعتبر أن ما حدث فاجعة ومصاب جلل ".. خسارة كبيرة للوطن وللمؤسسة العسكرية ولجميع أبناء الشعب إذ فقدنا رجالا خدموا بلادهم بإخلاص وتفانٍ وكانوا مثالاً في الانضباط والمسؤولية والالتزام الوطني.".
https://x.com/Dabaibahamid/status/2003557720985592168
أما السياسي الليبي أحمد قذاف الدم (فلول نظام القذافي) قال: "ندعو الله أن يلم شعث قواتنا المسلحة لتعود موحدة عزيزة ومهابة تحمي الوطن وتدافع عن الشعب".
وعبر @AHMEDGADDAFADAM تقدم ب"العزاء لأسر وعائلات الإخوة الضباط" وذكرهم برتبهم العسكرية كما ثني بالعزاء "كل رفاق السلاح العسكريين في كافة ربوع الوطن الحبيب ".
وكن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا أعلن أن الطائرة (طراز فالكون 50، مسجلة في مالطا وتملكها شركة "هارموني" الفرنسية، بحسب تقارير إعلامية) سقطت على بُعد 2 كم من قرية «كيسيك كافاك» بمنطقة هايمانا قرب أنقرة، بعد أن أطلقت نداء استغاثة إثر عطل كهربائي، قبل أن تختفي عن الرادار.
من هم ضحايا الحادث؟
الحادث أسفر عن وفاة ستة أشخاص، أبرزهم:
الفريق أول ركن محمد الحداد (رئيس الأركان العامة).
الفريق ركن الفيتوري غريبيل (رئيس أركان القوات البرية).
العميد محمود القطيوي (مدير جهاز التصنيع العسكري).
الأستاذ محمد العصاوي دياب (مستشار رئيس الأركان).
المصور محمد عمر محجوب (مكتب إعلام رئاسة الأركان).
من هو محمد الحداد؟
ووُلد الحداد عام 1966 في مدينة مصراتة، وتخرج من الكلية العسكرية بطرابلس عام 1985، وقاد المنطقة العسكرية الوسطى و"لواء الحلبوص"، أحد أكبر كتائب مصراتة.
عيّنه فائز السراج رئيسًا للأركان العامة في فبراير 2020، ليصبح أعلى سلطة عسكرية في الغرب الليبي، وعُرف بلقب "رجل طرابلس القوي"، إذ لعب دورًا محوريًا في إعادة تنظيم القوات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وفي التنسيق مع المجموعات المسلحة بالعاصمة.
وفي البعد الإنساني، فإن كثيرا من المقربين وصفوه بأنه رجل هادئ السمت، كريم الخلق، قريب من الناس، محافظ على صلاته، واصل لرحمه، يحمل المسؤولية بوقار، وعنه كتب علي الناجي: "بقي أثره شاهدًا، وبقي الذكر الطيب ميراثًا لا يسقط بسقوط الطائرات ولا يغيّبه الغياب".