كتب: إسلام محمد
لم يكن عمره قد تجاوز الثانية والأربعين حين رحل عن الدنيا، بعد أن وضع البذرة لأكبر جماعة في مصر وأحد أهم التجمعات البشرية المنظمة في العالم.
خلال تلك السنوات القليلة، تمكن الشاب حسن البنا من أن يكون محور الاهتمام وأحد أهم الشخصيات في مصر والعالم العربي في فترة وجيزة منذ بداية تأسيسه للجماعة، وحتى أُطلق عليه الرصاص أمام مبنى الشبان المسلمين بشارع رمسيس بالقاهرة يوم 12 فبراير من العام 1942، لتتحول قصة حياته إلى نموذج في الصبر والمثابرة والتفاني في سبيل غايته، وكانت حياته هي الثمن الذي دفعه في سبيل الفكرة التي عاش لها بمنتهى الإخلاص والحب والتفاني، محولا كلماته إلى واقع ملموس، ما تسبب في استمرار تردد اسمه باعتباره من الشخصيات الأكثر تأثيرا رغم مرور 68 عاما على الجنازة التي سار فيها عدد محدود للغاية من المشيعين، ليصبح أتباعه بالملايين في أنحاء العالم، ولتكون كلماته ورسائله هي الأهم في مناهج مئات الجماعات التي أسست منذ ذلك الحين وحتى الآن في أنحاء المعمورة.
لم يكن حسن البنا مجرد داعية إسلامي أراد إحياء الإسلام في نفوس المسلمين، بل كان زعيما سياسيا سعى إلى تغيير المجتمع بالطريق الديمقراطي، ومصلحا اجتماعيا أراد تخليص البلاد من الأمراض التي كانت تنخر كالسوس في بنيانه، والمفسر الذي استنبط الكثير من المعاني الجديدة من القرآن، كما كان التربوي الذي عرف الداء وكتب الدواء، ما دعا القائد المغربي عبدالكريم الخطابي إلى القول: "يا ويح مصر والمصريين، مما سيأتيهم من قتل البنا، قتلوا وليًّا من أولياء الله، وإن لم يكن البنا وليًّا فليس لله ولي".
رحيل مختلف
بعد استهدافه بتوصية من الملك فاروق، وتركه ينزف في قصر العيني حتى فاضت روحه، لم تسمح السلطات المصرية في ذلك الحين لأحد بأن يشارك في جنازة الرجل الذي كان الملايين يأتمرون بأمره، وينفذون توصياته بمزيد من الحب والتقدير.
أُجبرت أسرته على دفنه في العاشرة صباحا دون جنازة، بعد أن أحضروا جثته قبيل الفجر حتى لا يراهم أحد، وتم فرض حصار مشدد على جثمانه وبيته، واضطر والده إلى تغسيله وتكفينه بنفسه، وكانت المشكلة فيمن يحمل الجثمان من البيت إلى مثواه الأخير، ما دفع النساء إلى حملها، رغم أن آلاف الرجال كانوا يتمنون أن يقوموا بمهمة توديع مرشدهم إلى قبره.
وتم إخلاء جامع "قيسون" من المصلين إلى أن تمت الصلاة على الفقيد، وبعد الصلاة انهمرت الدموع من عيني والده غزيرة على الطريقة التي تم بها إنهاء حياة ابنه، وانطلق النعش إلى مدافن الإمام حيث ووري الثرى. وفي المساء مُنع المعزون من تقديم واجب العزاء ومواساة أسرته. أما الذين استطاعوا الوصول للعزاء، فلم يستطيعوا العودة إلى بيوتهم، فقد قبض عليهم إلا مكرم عبيد باشا.
حياة مثيرة
عكست طريقة توديع الإمام الشهيد مسيرة حياته التي كانت سلسلة من الكفاح والمثابرة، حيث يروي معاصروه أنه زار 4 آلاف قرية في ربوع مصر، وكان يصلي كل فرض في محافظة، كما كان حافظا جيدا للأسماء والأحداث، بالإضافة إلى بلاغته التي جذبت إليه الأفئدة والعقول.
وربما كان الإمام الشهيد حسن البنا أحد القلائل في تاريخ الشخصيات المصرية المؤثرة الذي لم يختلف حول شخصيته أحد، رغم اختلافهم حول أفكاره ودعوته ونشاطه الدعوي، حيث أقر له الجميع بقوة البيان وجزالة الحديث وعبقرية الأداء وحسن التخطيط.
جماعة قوية
في عام 1928، أسس حسن البنا في مدينة الإسماعيلية جماعة الإخوان المسلمين، التي وضعت تطبيق الشريعة على رأس أولوياتها، ووضعت شعارا لها "الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا". كما سعت إلى تطبيق عقيدتها في أن "الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف"، كما وضعت طرد الاحتلال من دول العالم الإسلامي نصب عينيها، ودعا مؤسسها المسلمين إلى العودة إلى الإسلام ونشر مبادئه في جميع أنحاء مصر، إلا أن فكرته سرعان ما انتقلت إلى العالم.
صانع الرجال
ومن المعروف عن "البنا" أنه لم يهتم بتأليف الكتب كثيرا؛ فيما وجه اهتمامه إلى تأليف الرجال، كما كان يقول دائما. إلا أنه ترك عددا من المؤلفات المهمة، ومنها: مذكرات الدعوة والداعية، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا. ويشير ابنه الراحل أحمد سيف الإسلام إلى أنه كان أفضل كثيرا مما يراه الناس، حيث قال: "إن ما يعلمه الناس من أمر حسن البنا أقل بكثير مـن حقيقته، وباطنه أفضل آلاف المرات من ظاهره، هو شخصية واحدة داخل بيته وخارجه، قدوة حسنة لكل أفراد أسرته ولكل إخوانه في جماعة الإخوان المسلمين".
وكان للإمام الراحل ست بنات هن وفاء، سناء، رجاء، صفاء، هالة، استشهاد، وولدان أحمد سيف الإسلام ومحمد حسام الدين.