كتب إسلام محمد:
لم يكن خروج المصريين من بيوتهم إلى الميادين للمطالبة بالحرية والعيش في أمان وكرامة في يناير 2015، هو الأول من نوعه، بل كان استمرارا لتاريخ طويل من الكفاح السلمي ضد السلطة التي انتهكت حقوق المواطن المصري وتسببت في إفقاره وإهانة الوطن وضياع النفوذ والمكانة التي كانت تميز مصر على مدى تاريخها.
خرج الشباب في يناير ليواصلوا ما بدؤوه قبل ذلك بسنوات طويلة في مواجهة الملك فاروق وعبدالناصر والسادات ثم مبارك الذي كان يواجه كافة الاحتجاجات بالقمع تارة وبالسياسة التي عبر عنها قبيل خلعه، حين قال "خليهم يتسلوا".
وعلى الرغم من أن إسقاط النظام لم يكن على أجندة الثوار في يناير إلا أن التجاهل التام لمطالبهم الرئيسة أدى إلى الوصول إلى تلك النقطة الساخنة التي لم يكن أحد يتوقع أن تصل إليها، وهي المطالبة برحيل النظام العسكري الذي جثم على أنفاس المصريين نحو 60 عاما كانت الأكثر فقرا وسوءا وترديا على كافة المستويات.
وفي السطور التالية نستعرض المطالب التي رفعا الثوار منذ البداية وحتى الرحيل، والتي تحققت بعضها، واعتقد الثوار أن بعضها الآخر قد تحقق، فيما لم يتمكنوا من تحقيق باقي المطالب حتى الآن.
في البداية تجب الإشارة إلى ذلك الشعار الذي تم نحته خلال أيام الثورة، والذي يتلخص في كلمتي "الشعب يريد"، والذي تمكن من تلخيص هدف الثورة التي قامت لتنفيذ مطالب الشعب المصري، باعتباره المعنى الأول بتحسن الأوضاع في مصر، وإزاحة كافة أشكال الظلم والقهر التي انتشرت لدرجة أنها تحولت إلى "مباديء حاكمة" يصعب تصور البلاد من دونها.
ولا شك أن السلطة لم تطبق تلك المطالب إلا حين أدركت أن هؤلاء الشباب لم يوافقوا على العودة إلى منازلهم سوى بعد أن تتحقق مطالبهم، بعد أن دأبت تلك السلطات على تسفيه المطالب وأصحابها حينا وتجاهلها في باقي الأحيان.
إقالة حبيب العادلي
حين الثورة ؛ كانت جرائم وزارة الداخلية وصلت إلى المدى الذي لا عودة منه، بعد أن ترك لها الرئيس المخلوع إدارة كافة الملفات، وبعد أن تحول التعذيب من ممارسات لجهاز أمن الدولة إلى منهج يتبع في كافة القطاعات، وكانت حادثتا تعذيب سيد بلال وخالد سعيد هما الأبرز في هذا الإطار. الأمر الذي طالب معه المتظاهرون بضرورة إقالة وزير الداخلية حبيب العادلي الذي كان يحتفل في ذلك اليوم، 25 يناير 2011، بأعياد الشرطة.
وعلى الرغم من أن المطلب مشروع؛ إلا أن رد فعل "العادلي" لم يكن مشروعا على الإطلاق، حيث بدأ في إعلان الحرب على المتظاهرين، رافعا شعار "ياقاتل يا مقتول" بعد أن شعر بكثافة المظاهرات وتنوعها وتناميها، للدرجة التي يمكن معها أن تؤدي إلى الضغط على مبارك لإقالته بالفعل.
عزل الحكومة
تطور الأمر، فمع رفض الرئيس المخلوع إقالة حبيب العادلي بدأ المتظاهرون في رفع سقف مطالبهم، فبدأت المطالبة بتغيير الحكومة، باعتبار أنها المسؤولة عن القمع، وعن اليأس الذي ساد في أوساط الشباب من تحسن أوضاعهم. وبالفعل تم إقالة حكومة أحمد نظيف وتعيين الفريق أحمد شفيق رئيسا للوزارة.
ولم يتجاوز عمر وزارة شفيق بكل تعديلاتها وتغيير مسماها 33 يومًا، بداية من تعيين رئيسها في يوم 29 يناير 2011 بعد إقالة حكومة أحمد أحمد نظيف، وحتى الاستقالة التي قدمتها للمجلس العسكري في 3 مارس 2011 من نفس العام.
وفي اليوم نفسه تم تكليف الدكتور عصام شرف بتشكيل الوزارة، وهو الاسم الذي تم ترشيحه من جانب ميدان التحرير.
تغيير النظام
لم يكن اختيار شفيق للوزارة هو طموح ثوار مصر ؛ حيث إنه أحد أركان النظام السابق في مصر، فضلا عن أنه أحد قادة العسكر، لذلك لم يدم وجوده كثيرا، وتزامن رفضه مع المطالبة بضرورة تنحي مبارك وأركان نظامه، مع ما صاحب ذلك من تعليقات طريفة من الشباب الذين أعلن أحدهم أنه يريد رحيل النظام حتى تتسنى له العودة إلى المنزل للاستحمام، وآخر رهن زواجه بالرحيل، وثالث يريد أن يقص شعره، أو "البردان" الذي يريد أن يعود للمنزل ليشعر بالدفء.
كما أعلن باقي الثوار أنهم لن يعودوا إلى منازلهم إلا بعد أن يغيب مبارك ونظامه عن المشهد "مش هنمشي.. هو يمشي"، وهو الشعار الذي جاء ردا على خطاب المخلوع الذي أعلن خلاله أنه سيرحل بعد انتهاء مدته، وأنه لن يترشح مجددا، معلنا عبر صوت خفيض ذليل بأنه يتمنى أن يدفن في تراب بلده. وهو الخطاب العاطفي الذي جلب تعاطفا شديدا من جانب مجموعة من الإعلاميين الذين ذرفت دموعهم حين علقوا عليه "وعلى رأسهم الإعلامية منى الشاذلي"، والتي طالبت مع غيرها بضرورة منحه الفرصة الأخيرة.
وفي النهاية كان تنحي مبارك يوم 11 فبراير 2011، والذي تم بطريقة تمثيلية بواسطة عمر سليمان، الذي أعلن تكليف المخلوع للمجلس العسكري بإدارة البلاد.
العيش والحرية والعدالة الاجتماعية
كان الشعار الأبرز والأقوى طوال أيام الثورة المجيدة، ولخص عددا من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطنون في بلادهم دون طلب.
وكان العيش "أي الطعام" هو أول الأقسام، حيث وصلت المعاناة إلى حد تعذر معه على عدد كبير من المصريين أن يجدوا ما يسد قوت الأبناء، أما الحرية فظلت الهدف الذي دأب الثوار على طلبه بنفس القوة التي دأب بها النظام على حجبها. وعزز من ذلك حالة القمع التي سببها قانون الطواريء، وتوسيع دائرة الاشتباه، والتضييق الشديد على إصدار الصحف وحرية التعبير وردع المظاهرات.
ودائما ما يشكو المصريون من غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والمناصب، حيث تركز المال في أيدي نسبة محدودة من رجال الأعمال وأصحاب السلطة، كما أصبح توريث الوظائف الجيدة واقعا لا يقبل التغيير؛ مما تسبب في زيادة نسبة البطالة بين الشباب لدرجة كبيرة، كما ارتفعت معدلات الفقر على نطاق واسع.
وعلى الرغم من أن تلك المطالب كانت على رأس هتافات الثوار ومطالبهم؛ إلا أن عددا آخر من المطالب كان مرفوعا مثل: محاكمة الفاسدين، والإفراج عن المعتقلين وحل البرلمان الذي تم تزويره في 2010 على يد أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم، في ذلك الوقت.