كتب سيد توكل:
الصحفيون في مصر ليسوا أولئك الذين يحملون "كارنيهات" عضوية نقابة الصحفيين فحسب، بل هم يتخطى التعريف سلالم النقابة ويضم كل من يمارس عملاً صحفيًا، وتراجعت مصر منذ الانقلاب العسكري في 30 يونيو 2013 إلى المركز 159 من أصل 173 دولة عالميًا في تقرير المؤشر العالمي لحرية الصحافة والإعلام لعام 2016.
وحسب نقيب الصحفيين المصريين، يحيى قلاش، هناك 27 صحفيا (مقيدا بالنقابة) محبوس في قضايا متنوعة، منهم حوالي 20 صحفيا اعتقلهم عبدالفتاح السيسي في قضايا تتعلق بالمهنة بخلاف صدور أحكام غيابية وأوّلية بالحبس في مواجهة 7 صحفيين.
ويرتفع العدد كثيرًا حسب تقديرات المرصد العربي لحرية الإعلام، الذي وثق حبس 97 صحافيًا وإعلاميًا في السجون وأماكن الاحتجاز الرسمية.
"العقرب مقبرة الأحياء"
«تنكيل.. تعذيب.. منع العلاج»، هذا هو حال الصحفيين المصريين في سجون العسكر حالياً، بحسب شهادات ذويهم، إلى جانب الإهمال الطبي الجسيم.
97 صحافياً داخل المعتقلات على ذمة قضايا سياسية وممارسة المهنة، بحسب منظمات حقوقية، إيمان محروس، زوجة الصحفي أحمد سبيع، المعتقل في سجن العقرب، تؤكد أن زوجها يقبع في إحدى زنازين "h2"، المخصصة لأعضاء جماعة الإخوان أو من له علاقة بهم، وهي ضيقة انفرادية وليس فيها تهوئة، بخلاف فتحة «النضارة» في الباب، التي تغلق غالباً، كنوع من أنواع التأديب باستمرار، ولا يدخل الزنزانة نور شمس ولا هواء.
وتابعت مؤكدةً أن سجن العقرب يختلف عن بقية السجون، ويطلق عليه «مقبرة الأحياء». يقبع سبيع، الذي كان مديراً لمكتب قناة الأقصى في القاهرة، في المعتقل من 4 أكتوبر عام 2013، على خلفية اتهامه في القضية المعروفة إعلامياً باسم «غرفة عمليات رابعة»، والمتهم فيها قادة من الإخوان بتعذيب وقتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية.
وأضافت إيمان: "ينام أحمد على مصطبة خرسانية داخل زنزانة طولها متر ونصف وعرضها متران، فيها حشرات ورائحتها عفنة بسبب عدم وجود تهوئة، وداخلها حمام بلدي. لا يسمح له بالخروج سوى بضع دقائق في الرواق، أمام باب الزنزانة، بالإضافة إلى أنه في الأعياد يظل داخل الزنزانة، عكس بقية السجون".
وأكدت إيمان أن زوجها يعاني كثيراً من مشاكل صحية، خصوصاً المتعلقة بضيق التنفس والتهاب المعدة. ولكن "لا أحد ينظر إليه". وهي لا ترى زوجها إلا نادراً، لأن الزيارة لا تتعدى بضع دقائق كل شهر، بالرغم من أن اللائحة الداخلية للسجن تؤكد أن الزيارة مرة واحدة أسبوعياً للمحبوس احتياطياً وكل 15 يوماً للمحكوم عليه، وكل شهر للمحكوم بالإعدام.
وقالت: "في موعد الزيارة المزعومة، ننطلق من منازلنا الساعة 3 قبل الفجر، لنجد أنفسنا أمام الباب الرئيسي للسجن في الساعة الرابعة في طابور طويل ويستمر الانتظار إلى الساعة 6، ليسمح لك بركوب الطفطف، وهو وسيلة مواصلات إلى داخل السجن. لأصل عند زوجي الساعة 9 صباحاً، وبعد كل ذلك نراه من خلف زجاج عازل لمدة دقيقتين أو ثلاث».
تغلق الزنزانة في الساعة 4 عصراً
روت آية علاء، زوجة الصحفي المعتقل حسن القباني، أن زوجها يقبع في زنزانة انفرادية، فيها حمام بلدي، وبطانية، ولا يسمح له الاحتفاظ بأي متعلقات شخصية، بخلاف الفترة الماضية التي سمحوا بوجود فرشاة أسنان وملابس داخلية.
واعتقلت قوات الانقلاب حسن القباني، الذي كان صحافياً في جريدة الكرامة، وهو متخصص في الشأن القضائي وعضو نقابة الصحفيين، من منزله مساء 22 يناير 2015.
وتابعت: "الفطور يبدأ الساعة 9 صباحاً سواء من أكل السجن، رغيف وفول وجبنة، أو من الكانتين، ثم يبدأ وقت التريض بمعدل 3 ساعات في الشمس أمام أروقة الزنازين، في حال كانت إدارة السجن راضية على النزلاء. وتغلق الزنزانة في الساعة 4 عصراً".
وأشارت آية علاء إلى أن زيارة وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان في مارس الماضي أحدث تغييراً، فسمحت إدارة السجن بدخول فرشة وبطانية في الشتاء للنزلاء، ولكن تم تجريدهم منهما بعد ذلك.
ولفتت إلى أنهم كثيراً ما يقومون بالوقوف أمام "النضارة" بباب الزنزانة ويتكلم بعضهم مع بعض بصوت مرتفع عن الأخبار في الخارج، ويطلق النزلاء على هذا اللقاء الصوتي "نشرة أخبار الزيارة"، أو أحياناً ينشغلون بقراءة القرآن، أو إلقاء شعر.
"قلب مفتوح"
لا تحبس أمنية مجدي دموعها وهي تتكلم عن الصحفي عمر عبد المقصود، وهو مصور في موقع "مصر العربية"، قبض عليه قبل موعد زفافه بـ15 يوماً.
تقول: "عمر متهم في قضية حرق سيارات في مدينة ميت غمر بالمنصورة، تحديداً في أحد مراكز محافظة القليوبية، رغم أن هناك ما يثبت عدم وجوده في مكان الواقعة محل الاتهام وقت حدوثها".
وأكدت أنه مر على اعتقاله أكثر من 900 يوم، ومعه شقيقاه إبراهيم وأنس (طالب ثانوي)، وذلك منذ أبريل 2014، وتُعاد حالياً محاكمة الثلاثة، بعد أن أصدرت المحكمة حكماً سابقاً بالمؤبد في القضية.
وأضافت: "عمر أجرى عملية قلب مفتوح قبل دخوله السجن، ورغم هذا تعرض لشتى أنواع التعذيب فى الفترة الأولى لاعتقاله في قسم شرطة ميت غمر، ويقبع حالياً في سجن جمصة الشديد الحراسة، ويعاني من التهاب في فقرات الظهر والكتف بسبب البرد والنوم على الأرض".
وأوضحت أن زوجها يعيش داخل زنزانة لا تتعدى مساحتها «3 في 3» مع عدد من المساجين، ويروي لها كيف يقضي وقته داخل السجن. مشيرةً إلى أنه أحياناً يكون مقبلاً على الحياة ويتحدث عن أنه يسعى لإكمال دراسته للغة الألمانية، ويتمنى دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، وأحياناً يكون يائساً.
ولفتت إلى أنه أبلغها في آخر زيارة أنه حصل على إجازة في قراءة القرآن الكريم، لوجود مسجون حافظ له، إلى جانب أنه يتعلم الألمانية من مدرّس معه، وأحياناً يقوم بتجميع الأخبار من الجرائد المسموح بها في السجن، أو من الراديو، ويعيد صياغة الخبر وكتابته، ثم يقرأه على زملائه، وكأنه لا يزال مذيعاً لنشرة الأخبار في الراديو كما كان في الخارج.
"دواء للصرع"
محمد صابر البطاوي، الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم، يندرج من أسرة صحفية، أثناء اعتقاله في 2015، كان والده يشغل منصب نائب رئيس تحرير أخبار اليوم القومية، ويعمل في الصحافة منذ 10 أعوام، وعضو بنقابة الصحفيين المصرية.
اعتقل من منزله في 17/6/2015، على خلفية كتابة مقال ساخر انتقد فيه قتل عدد من العمال بمصنع اسمنت في العريش، واختفى قسرياً في مقر الأمن الوطني في شبرا الخيمة لمدة خمسة أيام.
تقول زوجته رفيدة الصفتي: "علمنا بعد ذلك أنه نُقل لسجن استقبال طرة يوم 21 يوينو 2015 مساءً، عقب بلاغ للنائب العام، مُقدم من نقيب الصحفيين، يحيى قلاش، اتهم فيه وزارة الداخلية رسمياً باختطاف زوجي".
تروي الصفتي كيف يعيش زوجها داخل حبسه: "يقبع محمد في زنزانة صغيرة، مع 7 أشخاص، فيها دورة مياه. ممنوع من الخروج سوى ساعتين في اليوم في الأيام العادية، ونهائياً أيام الإجازات والأعياد".
وتابعت: "كل شيء ممنوع داخل السجن حتى الكتب والجرائد والفاكهة والعصائر، ما يسمح بدخوله فقط هو أكل منزلي مطبوخ يصلح لوجبة واحدة فقط". وأكدت أنه في حالة مرض سجين يصرخ المساجين بأعلى صوتهم ويطرقون على الباب كثيراً حتى يأتي إليهم أحد، وفي معظم الأوقات لا يُرد عليهم، وهناك أشخاص ماتوا على هذه الحالة، كما تقول وسائل الإعلام، حتى الرسمية منها».
وأضافت: "أصيب زوجي بتقرحات جلدية وحساسية على صدره، الأمر الذي دفعنا ونقابة الصحفيين، للمطالبة بعرضه على طبيب، وبعد شهر ونصف من المطالبات زاره طبيب، وأمر بإعطائه دواء للصرع رغم عدم معاناته من ذلك المرض". وأشارت إلى أن زوجها مر على سجنه 480 يوماً بدون ذنب، وكأن الدولة تعاقبه على عمله الصحفي".
العقرب أمر من السرطان
قالت الدكتورة منار طنطاوي، زوجة الصحافي هشام جعفر، الذي كان مدير تحرير مؤسسة مدى الإعلامية، إن زوجها اعتقل في 21 أكتوبر 2015، بتهم ملفقة بحسب وصفها، حين اقتحمت قوات الأمن مؤسسة مدى، وتم إخفائه قسرياً لمدة 48 ساعة. وأضافت: "علمنا بعد ذلك أن صحة زوجي تتدهور تحت أعين ومسمع الجميع، خصوصاً أنه يعاني من تضخم بالبروستات وضمور بالعصب البصري".
وتابعت: "بعد تدخل نقيب الصحفيين السابق ضياء رشوان، ومجلس النقابة الحالي، تم نقله إلى مستشفى القصر العيني، عنبر السجناء، واستمر في تلقي العلاج لمدة شهر واحد، وأعيد بتقارير طبية غير صحيحة، لسجن طرة، برغم تحديد موعد العملية أكثر من ثلاث مرات دون أن يتم إجراؤها».
وأكدت أن زوجها مثل أمام القاضي في اليوم الثاني، يحمل في يده قسطرة البول، ما أكد للجميع أن حياته في خطر، خصوصاً أن جسده ضعف وأصبح نحيلاً لدرجة مخيفة.
وأوضحت: "كان لا بد من أخذ عينة منه لنعلم هل تضخم البروستات حميد أم خبيث، ولكن بدون فائدة، وبعد نقله إلى عنبر السجناء في مستشفى القصر العيني، تم إهماله، ولم يتم تقديم علاج له، وبعد إضرابه عن الطعام احتجاجاً على عدم تلقي العلاج، زوّر الدكتور المتابع لحالته، تقريراً طبياً لإعادته إلى سجن العقرب، حتى ينهي الإضراب".
ولفتت إلى أنها طالبت زوجها بتقديم شكوى لكنه رفض قائلاً: "الشكوى معناها أرجع العقرب… هستحمل حتى لو سرطان… العقرب أمر من السرطان".
وختمت: "كيف يعقل أن يتم قتل الصحفيين تحت مرأى ومسمع الجميع؟ زوجي أصبح هيكلاً عظمياً، ولا يسمح بدخول الأدوية".
محاولة اغتصابها أمام زوجها
كشفت زوجة المعتقل في سجون الانقلاب حسن أنور حسن، عن قيام عدد من ضباط الداخلية في أحد أقسام الشرطة بمحافظة القاهرة، بمحاولة اغتصابها أمام زوجها لإجباره على الاعتراف والإقرار بما سيتم كتابته من تهم موجهة إليه.
وقالت زوجة المعتقل، إن مجموعة أخرى من الضباط قامت بتعذيب زوجها من خلال تعليقه على أحد أبواب قسم الشرطة وتجريده من جميع ملابسه وضربه في جميع أنحاء جسده.
وكانت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، ونشطاء أطلقوا حملة تحت عنوان "الحرية للقلم"، للتعريف بأوضاع الصحفيين المعتقلين، وللمطالبة بإطلاق سراحهم، بالإضافة لحملة تدوين كل أسبوع عن صحفي معتقل، التي بدأت بخالد سحلوب ومحمد البطاوي.