يسري مصطفى
فى الثورة المصرية التى ما زالت فى الشارع حتى الآن علامات فارقة ، من أهمها تنحي المخلوع مبارك التى تحل ذكراها اليوم – الثلاثاء- والتى تفتح الباب للتساؤل : هل تنحى مبارك بالفعل ؟ أم أن هذا التنحى كان جزءا من المسلسل الذى وضعه المجلس العسكرى للالتفاف على الثورة المصرية ، ومحاولة وأدها وامتصاص غضب الثائرين ؟
فى ذلك مثل هذا اليوم منذ 3 سنوات فرح المصريون كما لم يفرحوا من قبل ، وأنشدوا أغانى الانتصار على رئيس ظل جاثما على صدورهم ثلاثة عقود كاملة ، وكان ينوى الاستمرار ، وتسليم مفاتيح البلاد إلى ابنه من بعده .
تحتفظ ذكرى التنحى بخصوصية ، هى أنها تمثل شعور المصريين بأنهم تمكنوا أخيرا من تحريك الأحداث وصناعتها ، وفرض إرادتهم على الجميع عقب 18 يوما من المرابطة فى ميدان التحرير وكافة ميادين الثورة فى ربوع مصر .
واعتقد المصريون فى ذلك اليوم أنهم تمكنوا من تطبيق الشعار الذى رفعوه "الشعب يريد إسقاط النظام " ، وهو الأمر الذى كاد أن يتحقق لولا الاكتفاء مؤقتا بإسقاط رأس النظام باعتباره الخطوة الأولى والأهم ، والاستعداد لتنفيذ باقى الخطوات على التوالى .
عقب الكلمة الموجزة التى ألقاها عمر سلميان – نائب المخلوع – فى تلك الليلة انفجرت براكين الفرح فى شوارع مصر من أقصاها إلى أقصاها ، وجرب المصريون الفرحة الحقيقية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة ، وينشر العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى الآن ذكرياتهم مع ذلك اليوم المشهود ، وتركزت شهاداتهم على وصف مشاعر السعادة التى سيطرت على الجميع عقب الاستماع إلى ما قاله سليمان ، كما ذاقوا مشاعر الحب التى حرص مبارك على حرمانهم منها على مدى سنوات حكمه ، فكان دفء المشاعر والوطنية الجارفة هى المسيطرة على الجميع فى تلك الليلة المشهودة .
وكانت اللحظة إيذانا بانقضاء حقبة سوداء من تاريخ الوطن ، انتشرت فيها مظاهر الفساد فى كافة المؤسسات والهيئات ، وأصبحت الرشوة هى وسيلة التعامل ، والمحسوبية جواز المرور ، وتحولت الديكتاتورية إلى منهج حياة ، كما تفشى خلالها المرض والجهل والفقر ، وهو الثالوث القادر على إفساد أى مجتمع ، والقضاء على أعظم دولة .
ومنذ تلك اللحظة بدأ المصريون – والثوار فى القلب منهم –فى الانطلاق بأحلامهم إلى تكوين دولة ديمقراطية قوية ناشئة ، تمتلك كافة مقومات التقدم ، وتستحق أن تكون فى مصاف دول العالم الأول . ولكن يبدو أن الشعب المصرى أصبح على موعد دائم مع القهر ومحاولة سرقة إنجازاته وفرحته . وهو ما تحقق بعد ذلك ؛ حينما انقض العسكر على السلطة مرة أخرى ، وحين توالت تحالفات العسكر مع الإعلام تارة ومع القضاء أخرى ومع مؤسسات الدولة العميقة تارة ثالثة لإفشال كل منتخب فى البلاد ، حتى وصل الأمر إلى ذروته بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب . ويحاولون منذ ذلك الحين الاستقرار فى المقعد الذى سلبوه من الشعب بعد أن اقتنصه منهم المصريون .
وبعد 3 سنوات من تنحى مبارك ما زالت المعركة دائرة بين أعوان الرجل الذى ظل فى كرسى الحكم لمدة 30 عاما ، ويحاول رجاله إعادة نظامه إلى الصدارة ، عقب محاولات الإفشال التى تمت للرئيس المنتخب الذى اختاره المصريون عقب ثورة مجيدة أريقت خلالها دماء مئات المصريين . إلا أن الشعب المصرى الذى ذاق الحرية ، رفض عودة هذا النظام منذ بيان 3 يوليو الانقلابى ، وقرر ضرورة عودة الشرعية إلى مسارها الصحيح … وقرر تنحية مبارك بشكل حقيقى . حيث انتفض الشعب المصري للدفاع عن ثورته التي يراد لها أن تموت وأن تتحول إلى مؤامرة يمنع الحديث عنها ؛ فخرج المصريون في الشوارع والميادين يطالبون بعودة شرعيتهم الثورية والدستورية ، وما زال الثوار يواجهون رصاصات العسكر وداخلية الانقلاب بصدور العارية ، ويؤكدون استمرار ثورتهم لحين إسقاط الانقلاب الدموي ومحاسبة القتلة والقصاص لدماء الشهداء .
الجديد أن ميدان التحرير الذى كان أيقونة الثورة وملتقى الثوار تحول إلى ثكنة عسكرية ، لا يسمح للثوار بدخوله ؛ بينما يتم الترحيب فيه بالفلول والانقلابيين الذين ثار عليهم الشعب المصرى .. وما يزال .