كتب- سيد توكل:
"قيامة أرطغرل" مسلسل تاريخي تركي ذو رائحة ثورية أصبح حديث كل بيت في مصر الآن، يتداوله أنصار الشرعية ويتحاشاه مؤيدو قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، له لإسقاطات على الواقع لا تخطئها العين، فمن قمة هرم التضحية والفداء والحق والشجاعة إلى أقصى قاع سحيق من الخيانة والعمالة والجاسوسية، وهو ما قد يلخص في رأي بعض المراقبين الحالة التي تعيشها مصر وثورات الربيع العربي.
أدرك الإسلاميون -الترك- التأثير الحقيقي للدراما ببعديها الفكري والمجتمعي في صناعة الوعي وقولبة الفكر، وتعاملوا معها بالقوة والاقتدار، في المقابل لا زال الإسلاميون -العرب- متأخرين عن الركب، يعيشون حالة مزمنة من التشظي الفكري والعجز الفني والسبات الشتوي، وبرأي مراقبين ما يحتاجه الإسلاميون -العرب- لتجاوز أزمتهم الإعلامية الحالية هو أمر بسيط جداً، وهو الارتشاف قليلاً من جسارة "الشيطان" والاغتراف كثيراً من وعي "السلطان".
المسلسل الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها والذي تفوق على كل الاعمال الدرامية التركية يقدم دراما سياسية إسلامية تمجد صناع الامبراطورية العثمانية منذ ما قبل تأسيسها أي منذ سليمان شاه والد أرطغرل الذي أنجب أول سلطان للدولة العثمانية التي أسسها الابن الأول لأرطغرل وهو عثمان الأول.
يقول أحد المراقبين:"بعد متابعة دقيقة لكامل تفاصيل المسلسل بجزأيه الأول الثاني -61 حلقة- تملكّني شعور عميق بذلك الجهد العظيم المبني على رؤية عميقة ونظرة ثاقبة وبُعد استشرافي غاية في الحدة و الذكاء سعى القائمون من خلاله إلى استخدام أكثر الأدوات الناعمة فتكاً، بغية التوغل وإعادة الانتشار وفقاً لقواعد اللغة السينمائية المبهرة صوتاً وصورة، كل ذلك لاستلاب ما يمكن استلابه من منابت الخير في قلوب وعقول الأتراك من جهة، واجتثاث يبقى من قلاع الإرث الأتاتوركي العلماني من جهة أخر ى المسلسل شبيه إلى حد ما بالعملية التقنية المعروف "إعادة ضبط إعدادات المصنع" لذاكرة إسلامية تركية عتيقة، يعتقد أحفادها أنها سطّرت للعالم أجمع حقيقة الزعامة وسّنت معاني الانتصار وأرست قوانين العدالة".
"حريم السلطان" اشتباك علماني
لم يسبق أن واجه مسلسل تركي لغطاً وجدلاً أكثر مما أثاره المسلسل التاريخي الشهير "القرن العظيم" المعروف عربياً بـ "حريم السلطان" والذي استقُبل بـ 70 ألف شكوى أرسلت ضده إلى المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي، وذلك لتقديمه صورة درامية -مُختلقة- لحياة السلطان العثماني سليمان القانوني كزير للنساء وشخص غارق في ملذاته وشهواته.
عُرض المسلسل في أربعة مواسم في الفترة ما بين 2011-2014 وحاز على نسب مشاهدة وعوائد تجارية عالية جداً، سِيقت أحداث المسلسل من خيال كاتبة -علمانية التوجه- سارعت بعض القنوات العربية الشهيرة إلى عرض المسلسل متفانية في تقديم السلطان العثماني- الذي ملك البحار وجال في الديار- لمشاهديها عبر لقطات تسويقية مبتذلة اخُتيرت بعناية كدعاية مشوقة في اتساق فكري بيّن المنتج والمرسل لا يخلوا من دلالة!
نتقلت ساحة المناكفة بين أردوغان ومناوئوه من قبة البرلمان إلى إطار الشاشة، ذلك بعد أن عجزوا من النيل منه سياسياً، قرروا كبح جماح تمدده شعبياً، وتشويه رموزه إعلامياً عبر سياسة شكك ثم فتت رجب طيب أردوغان -أيقونة الإسلام السياسي في تركيا والعالم- كان أبرز المنتقدين لمسلسل حريم السلطان قال في أحد خطاباته للشعب التركي "نحن لا نعرف السلطان القانوني بالشخصية التي يظهر بها في المسلسل، واصفاً ما حدث بأنه تلاعب في الحقائق التاريخية" مهدداً في الوقت نفسه بمقاضاة المتسببين.
"قيامة أرطغرل".. أردوغان يرد
عنونت أحد الصحف التركية عن المسلسل التاريخي "قيامة أرطغرل" بأنه "ضربة في كبد علمنة تركيا وأتاتورك"، المسلسل عبارة عن دراما تاريخية إسلامية سينمائية -مضادة- تمجّد الغازي "أرطغرل" الذي أنجب "عثمان الأول" أول سلاطين الإمبراطورية العثمانية، كما تُعلي من شأن والده "سليمان شاه "زعيم قبيلة "القايى" إحدى أهم القبائل التركية التي تنتمي لشعوب "الأوغوز" بادية الترك.
أبدع مخرج المسلسل الساحر بتقديم "قيامة أرطغرل" كتحفة فنية تصّدرت حديث المجالس التركية والعربية، بدء عرض المسلسل في ديسمبر2015 على الشاشة التركية"TRT1"، تروِي أحداث المسلسل قصة انتصار الحق على الباطل والعدل على الطغيان بمعالجة درامية نوعية، وإخراج فني متفّرد، تخللته أحداث مكثفة وعُقد درامية، تزيد من ارتفاع نبضات القلب، وتحضّر الجسم لحالات من الكر والفر.
استطاع كاتب المسلسل أن يرسي بناءه على ثلاثة قواعد متينة "القرآن، الراية، السيف"، تمكّن بذكاء إبراز عظمة الإسلام، ووحدة المسلمين وشجاعة الترك، في سياق درامي لم يخلوا من المبالغة وبعض التجاوزات التاريخية. حقق المسلسل نجاحاً كبيراً منذ الأسابيع الأولى لانطلاقته، ومازال حتى الساعة يواصل تحطيم الأرقام القياسية من حيث معدلات المشاهدة التي ترتفع تدريجياً مع عرض كل حلقة جديدة "يجري حالياً إنتاج وعرض حلقات الموسم الثالث".
"لسنوات ماضية لم نتمكن من التعريف بأنفسنا. كنا ضعفاء، لكننا الآن أتينا، أصبحنا أقوياء وبدأنا في تقديم أنفسنا بأنفسنا للعالم، تعالوا تعرفوا علينا الآن"، هذا الكلام ليس لسياسي يخاطب أنصاره، ولا لعسكري يُلقي كلمةً أمام جنوده لشحذ هممهم بينما العدو يتربص بهم، بل هو لبطل المسلسل التركي يتذكر أيام ضعف البلاد سينمائياً وفهم جيداً ما يعنيه أن تملك السلطة في هذا المجال.
العمل الدرامي الذي يعرض الآن يلقى رعاية وعناية قصوى من "حزب العدالة والتنمية" الحاكم وقد يكون تمويل الانتاج من نفس الجهة رغم أن لا معلومات تؤكد ذلك، لكن وبعد متابعة دقيقة لأحداث المسلسل يتضح بأن الحزب الحاكم ذاهب باتجاه تعبئة شعبية لأعادة قوانين الإسلام إلى تركيا وضرب العلمنة وكل ما حققه أتاتورك.
من جانبه قدم الرئيس التركي رجب طيب أرودغان ما يشبه الاعتذار والتكريم في نفس الوقت لطاقم عمل مسلسل "قيامة أرطغرل"، بعد أن أُثير جدل حول المسلسل خلال الأيام الماضية، رغم حصده جوائز مهرجان "الفراشة الذهبية" السنوي للدراما التلفزيونية التركية.
وقال أردوغان، خلال كلمة ألقاها في مؤتمر الترويج لقناة TRT World، موجها حديثه لمنتج وفريق عمل المسلسل، الذي كان حاضرا، ألا يهتموا للتعليقات التي صدرت خلال الحفل، مضيفا: "ليس مهما طريقة إعطائكم الجائزة، إنما المهم أنكم كسبتم قلوب الناس، وهذه هي الجائزة الحقيقية". ثم قام بالتصفيق لفريق العمل قائلا: "لأجل ذلك نصفق لكم".
وعقب اعتذار وتصفيق الرئيس التركي، أشار إلى أن أحفاده لا يفوتون حلقة من المسلسل، وأنهم يقومون بمشاهدة الإعادة، وأن "هذا المسلسل فتح الطريق لقلوبنا".
وقال أردوغان بما يشبه السخرية من مقدم الحفل الذي قال إنه لم يشاهد المسلسل: "هذا السيد لم يجد الوقت ليشاهد المسلسل.. وإنه إن وجد فرصة سيشاهده حتما".
وفي خبر سار لعشاق الدراما التركية، أعلن الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، عبد الرحمن بن حمد، عبر حسابه على تويتر، أن التلفزيون القطري سيبدأ ببث المسلسل التركي الشهير "قيامة أرطغرل" باللغة العربية أمس الاثنين 16 يناير 2017 في تمام الساعة التاسعة مساءً بتوقيت الدوحة.
يذكر أن المسلسل يتناول تاريخ تركيا، ويحكي عن والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، وقائد قبيلة قايى من أتراك الأوغوز، الذي مهد لوضع الأساس للإمبراطورية العثمانية، سليمان شاه، كان زعيم قبيلة (كايي)، إحدى قبائل الأتراك الأوغوز الـ24 الذين عرفوا تاريخياً باسم التركمان، وهو جد مؤسس الدولة العثمانية، عثمان بن أرطُغرل، توفي عام 1219 للميلاد مع اثنين من جنده، أثناء محاولتهم عبور نهر الفرات.