أحمدي البنهاوي
يجهز الانقلاب مشروعا لتقنين انتهاك الأراضي الزراعية في مصر، من خلال قانون "التصالح فى مخالفات البناء على الأراضي الزراعية"، بعد أن وافقت عليه إحدى لجان "برلمان" العسكر، وطالبت بإحالته إلى لجنة أخرى مشتركة من لجنة الزراعة ولجنة الإدارة المحلية ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية.
يأتي المسعى الانقلابي للتصالح في ظل تحذيرات من علماء الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، بزيادة معدلات الزحف العمراني على الأراضي الزراعية بنسبة تصل إلى 23٪ سنويا.
ويتعامى الانقلابيون عن الآثار الكارثية لتناقص المياه أمام السد العالي في الظهور، فقد ذكرت صحيفة "المصري اليوم"، في 20 مايو الماضي، أن هناك عشرة آلاف فدان من الأراضي الزراعية بمنطقة حفير شهاب الدين بمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية تعرضت للبوار، و4 آلاف فدان بسوهاج، وآلاف الأفدنة الأخرى في بقية أنحاء الوطن؛ بسبب عدم وصول مياه الري لها.
وبحسب نقيب الفلاحين السابق عبد الرحمن شكري، فالكارثة أعمق من ذلك بكثير؛ لأن هناك 2 مليون فدان أصابها البوار بسبب عدم توفر مياه الري من أصل 8 ملايين فدان هي مساحة الرقعة الزراعية في مصر، بنسبة 25% من الأراضي المزروعة، ما يؤثر على توفر الغذاء وعلى التجارة والصناعة أيضا.
المشروع الحكومي
ويتضمن القانون الذي تدعمه حكومة الانقلاب عشرة مواد، تنص المادة الأولى على أن يتم التصالح على الأعمال التي ارتكبت بالمخالفة لأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، وقانون الزراعة وحماية الأراضي الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1996 على مبنى قائم، واتخذت بشأنه الإجراءات القانونية حيال ما أثبت بالمخالفة لقانون المباني والتعدي على الأراضي الزراعية قبل العمل بهذا القانون.
ويحدد القانون الغرامات على مخالفات البناء جغرافيا، على أن تكون قيمة الغرامة بالقرى مائة جنيه عن كل متر مسطح، ومدن المراكز خمسمائة جنيه للمتر المسطح، وبعواصم المحافظات ألف جنيه للمتر المسطح عن المخالفات المسجلة، واتخذت بشأنها الإجراءات القانونية والإدارية، كما تحدد مواد القانون الغرامات على مخالفات قانون الزراعة والبناء الواقع بشأنها حالات التعدى على الأرض الزراعية بالبناء، على أن يكون سعر المتر بالقرى ثلاثمائة جنيه للمتر المسطح، ومدن المراكز ألف جنيه للمتر، وعواصم المحافظات 2000 جنيه للمتر، وكافة المساحات المعتدى عليها، الواقعة على الطرق الرئيسية والفرعية بغرض إقامة منشأ تجارى سكنى، يكون سعر المتر 2000 جنيه، ويغرم كل من تعدى الرقعة الزراعية بغرض إنشاء تقسيم سكنى بقيمة مثل سعر المتر، حسب الموقع الجغرافي للمساحة، تحصل جميعها بالحساب الموحد، وتوجيه كافة المبالغ المحصلة لخزانة الدولة لمواجهة أعباء الدين العام للخزانة.
تبريرات انقلابية
من جانبه، أكد النائب ببرلمان العسكر أيمن عبد الله، مقدم الاقتراح بقانون، في تصريحات صحفية، أن "الحكومة عند عرض مواد القانون عليها قد أبدت موافقتها دون أى اعتراضات، وقال إن القانون سوف يستفيد منه على الأقل 1.5 مليون مواطن، منظورة ضدهم دعاوى قضائية أمام المحاكم، ينتظرون مصيرا مجهولا بالحبس وإزالة المنشآت التي أقاموها، وقال إن "القانون يستهدف أيضا التصالح على ما يقرب من 300 ألف فدان تقريبًا تم التعدي عليها".
غير أن وزير الزراعة السابق في ظل الانقلاب د. صلاح يوسف، قال إن "الأراضي الزراعية تفقد حاليا 20 ألف فدان بسبب التعدي بالبناء عليها، وأضاف أن التعديات على الأراضي الزراعية لا تتعدى 7 آلاف فدان منذ بداية الثورة، وليس كما يقال 40 ألف فدان في أول شهر للثورة، وأكد أنه تمت إزالة 10% من هذه التعديات".
فيما كشف تقرير رسمى صادر عن الإدارة المركزية لحماية الأراضى بوزارة الزراعة في 2014، يوضح ارتفاع التعديات على الأراضى الزراعية لـ2 مليون و274 ألف حالة على مساحة من الأراضى الخصبة بلغت 54 ألفا و432 فدانا منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، وأكد التقرير أنه تمت إزالة 166 ألفا و821 حالة على مساحة 9838 فدانا، بينما فشلت الأجهزة الأمنية فى إزالة مليون و79 ألف حالة تقدر بـ75% على مساحة 44 ألفا و594 فدانا.
تحذيرات صديقة
ومن تلك التحذيرات من التصالح على الأراضي الزراعية، ما كتبه الوفدي الانقلابي بهاء أبو شقة، في يونيو 2015، تحت عنوان "تراجع مساحة الأراضي الزراعية"، ضمن مقاله "كلمة عدل"، عندما نبه إلى أن أحدث الدراسات التي تمت باستخدام الأقمار الصناعية أثبتت وجود تغيرات في مساحة الأراضي الزراعية ببعض محافظات الجمهورية، حيث تراجعت مساحة الأراضي الزراعية في محافظة كفر الشيخ على سبيل المثال بنسبة 20٪ خلال العقدين الماضيين، وفقدت منطقة شرق الدلتا نحو 43٪ من مساحة أراضيها الزراعية.
وأضاف أن بعض العلماء توقعوا أنه مع حلول عام 2050 سوف تخسر مصر نحو 17٪ من مساحة الدلتا؛ نتيجة الزحف العمراني العشوائي على الأراضي الزراعية، كما توضح المتابعة التي يجريها علماء الهيئة على صور الأقمار الصناعية على فترات زمنية مختلفة، انتشار القرى والمراكز والمدن بصورة سرطانية وتلتهم الأراضى الزراعية.
وحذر من أن الزحف العمراني على الأراضي الزراعية يتمثل في استقطاع الآلاف من الأفدنة لبناء العديد من الأحياء السكنية، بالرغم من سن القوانين التي تجرم البناء على الأراضي الزراعية، وهناك تقارير عن زيادة معدلات الزحف العمراني على الأراضي الزراعية ما سيترتب عليه من نقصها، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات والمحاصيل الزراعية، وتدبير العملات الأجنبية لاستيراد وتوفير الغذاء للشعب المصري، إلى جانب زيادة معدلات البطالة؛ نتيجة لعدم توافر مجالات العمل أمام المزارعين العاملين بتلك الأراضي.