كتب- أسامة حمدان:
أن تبدأ نشاطك النيابي بالاستثناء لنفسك.. فمعناها أنك غير أمين على أمانتك، وأن تعفى نفسك من الضرائب التي هي حق الشعب؛ فمعنى ذلك أنك غير أمين على أمانتك، وأن تخشى مناقشة بنود ميزانيتك فمعناها النية لارتكاب مخالفات، وأن تكون كل ذلك وأكثر فمعنى ذلك أنك عضو في برلمان الانقلاب، وقديماً قالوا: "اللي بيته من زجاج لن يجرؤ على رفع طوبة في وجه المفسدين".
"علشان كده شالوا جنينة"
"الجزاء من جنس العمل"، فكيف إذا كان العمل تفويض قاتل بدرجة وزير دفاع قام بانقلاب 3 يوليو، وشكل بعدها برلمانًا على شكل بيادة ومقاس قدمه، حيث عادت نبرة المجلس سيد قراره مع التهليل "موافقون" التي أرساها فتحي سرور أيام المخلوع مبارك، وهو ما ترجمه عمليًّا في اللائحة التنفيذية لمجلس "الدم" عددًا من البنود التي أثارت جدلاً، حول عدم عرض الموازنة الخاصة بالمجلس على الجهاز المركزي للمحاسبات؛ ما يعني أن فواتير "دلع" النواب وشفط أموال الشعب ستنضم للقوائم السرية!.
وهو ما يترجم بشكل عملي لماذا أقدم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، على إزاحة وعزل المستشار هشام جنينة، رئيس المركزي للمحاسبات، وتنص المادة رقم 402 في اللائحة، على أن المجلس مستقل بموازنته، ويعد رقم واحد في موازنة الدولة، وهي من ضمن المواد التي تحفظ عليها مجلس الدولة في توصياته أثناء مراجعة اللائحة؛ حيث أكد أن هناك عددًا من المواد تتعارض مع الدستور وبها شبه عوار.
وتجاهل "برلمان الدم" ملاحظات مجلس الدولة بشأن إدراج موازنته "رقم واحد"، ليكون "سيد قراره" في فواتيره ومصاريف النواب، فضلاً عن عدم إخضاعها لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات، وإعفاء مكافآت النواب من الضرائب؛ حيث أصر برلمان السيسي على الإبقاء على المادة "402" بلائحته التي تنص على أن "المجلس مستقل بموازنته وتدرج رقم واحد في موازنة الدولة".
حرامي رقم واحد!
وبحسب قانونيين هي مادة مخالفة للدستور الذي أقره الانقلاب العسكري، ولملاحظات مجلس الدولة، والذي أبدى اعتراضه في تقريره عن اللائحة، على أن إدراج موازنة البرلمان "رقم واحد"، مستندًا إلى أن الدستور حدد الجهات التي يتم إدراج موازناتها "رقم واحد" في الموازنة العامة للدولة، وهي الجهات القضائية والجيش، مؤكدًا أنه لا يجوز إدراج موازنة برلمان "الدم" "رقم واحد".
ويؤكد الدكتور صلاح فوزي، رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة المنصورة، وعضو لجنة إعداد دستور الانقلاب أن وضع موازنة نواب الدم "رقم واحد" فهي تتيح للبرلمان أن يتصرف كما يشاء، في أي باب وأي بند بدون حاجة لأي موافقة بقانون أو قرار من وزير المالية.
وأبدى "فوزي" دهشته من إصرار برلمان السيسي على مخالفة دستور الانقلاب في هذا الأمر، مشيرًا إلى أنه إذا تم الطعن بعدم الدستورية على اللائحة، في هذه المادة سيترتب عليه أن يعدل برلمان "الدم" وضع موازنته من جديد وتبوبيها.
ورغم أن جهاز المحاسبات طلب تعديل هذه المواد لمخالفتها للدستور، لكن برلمان "الدم" أصرَّ على ألا يراقب الجهاز المركزي للمحاسبات موازنته ولا حساباته الختامية، وهو ما يعني أن برلمان السيسي يريد ان يكون مثل جميع أذرع الانقلاب، التي لا تؤدي الضرائب المستحقة عليها، وترفض الخضوع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وتتمتع بحصانة بحجة حماية الأمن القومي
هكذا إذن وصل "الحزب الوطني" مرة أخرى لقبة البرلمان، تحت عباءة ائتلاف "دعم مصر"، وتغيير وصفه من "سيد قراره" إلى "شيد جداره"، وحيث قرر برلمان "الدم" إعفاء مكافآت أعضائه من الضرائب، فمن حق الشعب الامتناع عن تمويله من قوت أبنائهم أن نواب السيسي غلابة ومحتاجين المساعدة!.