كتب: أسامة حمدان
قال المذيع الأمنجي أحمد موسى -في رسالة تم تكليفه بها لتهديد رافضي الانقلاب العسكري الذين يفكّرون في النزول للتظاهر يوم 25 يناير المقبل في الذكرى الخامسة للثورة-: "نزولك معناه.. السجن أو القتل"، وألمح لإعدام الرئيس محمد مرسي قائلاً: "مرسي مش راجع وهيروح عند ربنا"!
وتوعد الأمنجي -في برنامج "على مسئوليتي" عبر شاشة "صدى البلد"، مساء الأحد 17 يناير 2016- أن أيَّ شخص سينزل للتظاهر "يعتبر مجرمًا، يجب أن ينال عقابه بشكل فوري وياخد على دماغه".
وتابع الجنرال -صاحب الرسالة على لسان الأمنجي-: "أيّ حد ينزل يوم 25 مكانه السجن.. مرسي مش راجع وهو دلوقت لابس البدلة الحمرا وهيروح عند ربنا"، لافتاً إلى أن "عناصر الإخوان لا يهتمون سوى بحسن مالك وخيرت الشاطر لأنهما يمتلكان أموال الجماعة"، حسب تعبيره.
وزاد الأمنجي في حدثيه أن "يوم 25 يناير هو عيد الشرطة اللي عايز ينزل يحتفل بعيد الشرطة أهلاً وسهلاً، لكن اللي هينزل علشان يخرّب ويتظاهر يبقى مكانك السجن، ولو ماسك سلاح هتتقتل".
ورغم استقبال قائد الانقلاب "السيسي" أمس الأحد 17 يناير لمدير المخابرات الأمريكية، الذي طمأن الجنرال بأن "مصر شريكٌ مهمٌّ للولايات المتحدة"، إلا ان الأمنجي قال في برنامجه "إن واشنطن تفكّر الآن في إعادة الفوضى للبلاد وتحرّض على الأعمال الإرهابية يوم 25 يناير الجاري".
شباب الربيع قادمون!
ورغم تهديدات المنجي موسى، التي لا تختلف كثيرا عن تهديدات انطلقت مع بداية الربيع العربي، الذي انطلقت شرارته في تونس في يناير من عام 2011، ووصلت إلى مصر في نفس الشهر، قبل أن تمتد إلى اليمن وليبيا وسوريا خلال أسابيع، يتذكر الشباب في هذه الدول أنهم الذين بدأوا تلك الثورات، باحثين عن حرية تضمن حقوقهم الأساسية، بما فيها رغيف الخبز والمسكن، والأهم حقهم في الحياة في مواجهة ديكتاتوريات عسكرية هرمت في السنّ.
ويحاكي الأمنجي موسى دور كلب الراعي العسكري، الذي يطلقه خلف قطيع الثوار ينبح عليهم لتخويفهم، ويتجاهل أنه حين يقضي الشباب أجمل سنوات عمرهم في المعتقلات، او في بيوتهم خائفين من الأجهزة الأمنية، وحين يتضاءل أملهم في الحصول على لقمة العيش، فإن الناتج يكون مزيجاً من انعدام الأمل والشعور بالإهانة، وهي تركيبة شديدة الانفجار في وجه اي حاكم ديكتاتوري ولو جاء بالانقلاب.
وقبل سنواتٍ من ثورات الربيع العربي، كان بمقدور المصريين رؤية ثورة قادمة على الطرق، كان الإمكان أن تشم نذرها في الجو، إذ وصل الفقر إلى مستوياتٍ غير مسبوقة تجاوزت 70% وأصبح مألوفاً أن ترى بشرا يبحثون في حاويات القمامة عن أي شيء صالحٍ للأكل. الغالبية استشعروا بأنها ستكون ثورةَ جياع مدمرةً لن تُبقي على شيء.
خليهم يتسلوا!
قبل الخامس والعشرين من يناير من عام 2011، أشعل العديدُ من الشباب مواقعَ التواصل الاجتماعي بدعواتٍ للثورة، وهى الدعوات التي لم يأخذها الغالبية بجدية، وخاصةً النظام الحاكم، حيث سخر المخلوع مبارك من الشباب في خطابٍ عامٍ موجَّهٍ إلى أنصاره في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل من هذه الدعوات ومن دعوات أخرى من المعارضة التى حرمت بالتزوير من دخول البرلمان بعقد برلمان مواز، بقوله: "خليهم يتسلوا"، وهي المقولة التي انفجر بسببها جمهور الحضور من سياسيين ورجال أعمال ضحكا ساخرين من بؤس الشعب.
وجاء الخامس والعشرون من يناير ، وقد بدا يوماً ككل الأيام الأخرى، كان البؤس المعتاد يعتلي وجوه المارة، وكانت الساعة حوالي الثامنة مساءً، وتجمع بعض الشباب في ميدان التحرير، وعلى عكس توقعات الغالبية بأن الطبقات الاجتماعية الدنيا هي التي ستثور، صدم المشهد نظام مبارك:
• جميع المتظاهرين كانوا شباباً في العشرينات وبعضهم فقط كان في الثلاثينات من العمر.
• معظم المتظاهرين كانوا من طبقة النخبة الغنية، شبابٌ ذهبوا إلى أرقى الجامعات ويقودون أغلى السيارات الفارهة، والمدهش أنك كنت تراهم يواجهون الديكتاتوريةَ التي حكمت مصر ثلاثين عاماً غير خائفين.
كيف تأتَّى لهم هذا الإيمان الراسخ الذي دفعهم للتخلي عن رفاهيتهم وأن يجازفوا بحياتهم؟ أحد الشباب الذي شارك في ثورة يناير يقول:"صحيحٌ أننا ننتمي إلى عائلات غنية ونتمتع بالكثير من الرفاهية، وبفرص للتعليم في أرقى وأغلى الجامعات سواء في مصر أو في الخارج، إلا إننا نشعر باحتياجات الفقراء والمحرومين"، هكذا رد علي خريجٌ الجامعة الأميركية في القاهرة.
أما ذلك الشابٌ الذي بدا متأنقا، فقد أكد: "أخلاقيا ينبغي علينا أن نحارب من أجل أولئك المعدمين، لكن هذا ليس السبب الوحيد. فمن الناحية البراغماتية، إن غضضنا الطَّرفَ الآن عن المظالم الواقعة على بسطاء المصريين ضحايا النظام الاستبدادي الفاسد، فإن هذا سيعرِّض حياتنا للخطر إن آجلاً أو عاجلاً. إننا إن أشحنا بوجوهنا عن بؤس هؤلاء الذين يشكِّلون الأغلبية، فإن الأمر لن يكون مجرد أنانية وإنما غباء، إذ إن ثورتهم ستكون مدمرة لنا أيضاً، وسيكون الأمر جحيماً".
كان مدهشاً أن يتشارك مئاتٌ من الشباب في مواقف متشابهة تخطت بكثير في نضجها ونبلها مواقف سياسيين ذوي أفكار فاسدة ضيقة الأفق، على الفور، حوصر هؤلاء الشباب، حوصروا بمئاتٍ من الجنود وعناصر الأجهزة الأمنية، استشعرت خوفا عليهم، وتوقعت رضوخهم خلال ساعات قليلة، لكنهم لم يفعلوا، فقد كانوا مستعدين للموت من أجل العيش والحرية والعدالة الإجتماعية.
الموجة قادمة
بعد مرور يومين، وبعد قتل عدد من المتظاهرين يوم 27 يناير، بدأ الشباب في ميدان التحرير يدافعون عن أنفسهم بإلقاء الحجارة على القوات المهاجمة، وبعد صراع مدة يومين، بدأت مجموعاتٌ أخرى تفد إلى الميدان، دفاعاً عن إخوانهم الشباب والقيم النبيلة التي يدافعون عنها، في غضون ثلاثة أيام انضم الآلاف إليهم في ميدان التحرير، تضاعفوا لعشرات الآلاف في غضون أيام، وبعد فترة وجيزة، بدأ كل من الجيش والشرطة بالاعتداء على المتظاهرين.
في الثالث من فبراير 2011 وعندما شعر نظام مبارك بالحرج أمام العالم كله، بدأ يمد يده للتفاوض مع ممثلي عن الشباب، وخلافاً للقصة الشائعة من أن أول لقاء بين النظام والشباب كان مع الرئيس السابق للمخابرات، اللواء عمر سليمان، فإن أول لقاء كان مع أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق والصديق المقرب للمخلوع مبارك.
كان ممثلو الشباب الثوري في منتهى الجرأة في مواجهة مطالب رئيس الوزراء بإنهاء اعتصامهم، كان موقفهم حازما وموحدا على الاستمرار في اعتصامهم حتى تنحى مبارك، جنباً إلى جنب مع إقالة جميع المسؤولين الفاسدين.
وبعد مرور 18 يوماً كان على جنرالات المجلس العسكري، أن يفرضوا على المخلوع أن يتنحى عن السلطة، حفاظاً على النظام نفسه الذي يتوارى خلفه، وتنحى مبارك لعدة أسباب منها ما يلي:
• سلمية الثوار التي تزاوجت مع الحزم والعزم على إسقاط ديكتاتورٍ حكم بالفساد والخداع على مدى ثلاثة عقود.
• على الرغم من أن قوات الشرطة والبلطجية -الذين قام أزلام الديكتاتور الأسبق باستخدامهم- قتلوا الآلاف وشوهوا عشرات الآلاف، فإن الثوار لم يتخلَّوا مطلقا عن ثورتهم، كما لم يتخلوا عن سلميّتها، بل على العكس، فقد هددوا بالمسير من ميدان التحرير والميادين الأخرى في جميع أنحاء البلاد للوصول إلى القصر الرئاسي، وهو التهديد الذي عجل بإسقاط الديكتاتور.
• النبل، والرومانسية ومثالية الثوار، والشباب في مقدمتهم، في محاولتهم تحقيق تطلعاتهم المشروعة لإعادة صياغة ليس فقط مستقبلهم، وإنما أيضاً مستقبل وطنهم، وقد كانت الحملة الضخمة التي أطلقها شباب الثوار عبر البلاد لتنظيف وتزيين الشوارع رغم محدودية مواردهم مجرد مثال ليقولوا للشعب إن "مصر باتت ملكا لهم جميعا وليس لحفنة من جنرالات العسكر".
ومع ذلك، فقد أخطأ الثوار عندما ظنوا أنهم هزموا آلة الديكتاتورية، فقد خلطوا بين الشخص (الديكتاتور) والنظام (الديكتاتورية) معتقدين أنهما كيانٌ واحد، فهل يأتي 25 يناير القادم ويصحح الثوار خطأهم؟!
شاهد أحمد موسى يهدد الثوار: