في ظل استمرار حملات الوهم التي ينشرها إعلام الانقلاب حول ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 44 مليارَ دولار لأول مرة في تاريخ مصر، لابد وأن تذكر معه سلطات الانقلاب أنًّه ولأول مرة أيضا منذ عام 1990 البنك المركزي المصري يقرر تأجيل سداد أقساط وفوائد ديون خارجية مستحقة للحفاظ على مستوى الاحتياطي النقدي.
ليؤكد أنَّ جزء كبير من الاحتياطي النقدي لمصر مُستَحَق أصلاً لسداد الديون الخارجية ، وما يقال عن ارتفاع الاحتياطي النقدي واعتباره من إنجازات عبد الفتاح السيسي ما هو إلا خداع مالي ونقدي ومصرفي ؛ لإخفاء الصورة الحقيقية للوضع الاقتصادي المصري .
ففي الوقت الذي اعتمد فيه نظام السيسي على رفع الاحتياطي من خلال اقتراض 24 مليارَ دولارٍ في عامين، ما يعني أنَّ نصف هذا الاحتياطي هو وهم وقروض، فضلاً عن ارتفاع الدين الخارجي لأكثر من مائة مليار دولار، كان هناك 4 مليارات دولار تستحق سدادها للكويت، إلا أنَّه تم تأجيلها ورفع سعر فوائدها.
مؤشر خطر
واعتبر محللون اقتصاديون الإعلان عن تأجيل مصر تسديد ديون خارجية مُستَحَقة السداد خلال الأشهر الأخيرة من 2017 والعام الحالي ، مؤشرا واضحا على وجود أزمة في السيولة الدولارية لدى البنك المركزي، في وقت تزيد الدولة من وتيرة الاقتراض.
وقال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر في تصريحات صحفية ، إنَّ السعودية والإمارات وافقتا على تأجيل تحصيل ودائعهما المستحقة في العام الحالي والبالغة – حسب بيانات سابقة – أربعة مليارات دولار (مليارا دولار لكل منهما)، في حين تحدث في وقت سابق عن إرجاء سداد قرابة أربعة مليارات دولار أخرى مستحقة للصين.
وإلى جانب هذه الودائع المؤجلة، تتضمن ديون مصر الخارجية وفوائدها المستحقة السداد خلال 2018 ملياري دولار للكويت، ومليارين آخرين لليبيا، في وقت ارتفعت فيه ديون مصر الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة حيث بلغت مائة مليار دولار، مقابل 55.8 مليارا قبل سنة ونصف من هذا التوقيت.
ويرى مراقبون وخبراء أن الحديث عن تأجيل سداد ديون مستحقة دليل واضح على فشل الحكومة في توفير السيولة اللازمة لسداد ما بذمتها، واستمرار حالة الخطورة التي تسيطر على الوضع الاقتصادي للبلاد، بجانب المضي في تطبيق سياسة ترقيع الديون المتبعة من قبل النظام المصري.
وقال المحلل الاقتصادي مصطفى عبد السلام، في تصريحات صحفية، إنَّ تأجيل هذه الديون يعد أول تأخر لمصر منذ أكثر من ثلاثين عامًا في سداد ديون مستحقة عليها، وهو ما قد يؤثر سلبا على القروض الجديدة التي ستحصل عليها البلاد والمقدرة بنحو عشرة مليارات دولار.
ويرى عبد السلام أنَّ هذا التأجيل أعطى رسالة سلبية لأسواق المال الدولية بعدم قدرة الحكومة والجهات الدائنة – وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي – على تحسن إيرادات النقد الأجنبي في البلاد بالشكل المأمول .
واعتبر أنَّ هذا الأمر ألجأ الحكومة إلى الاقتراض الخارجي لتغطية العجز المستمر في الموازنة العامة والفجوة التمويلية .
ورأى عبد السلام أنَّ حرص السلطات المصرية على الإبقاء على الاحتياطي الأجنبي عند مستواه الحالي، وعدم استخدامه في سداد ديون خارجية مُستَحَقة أمر له انعكاسات خطيرة على سوق الصرف الأجنبي وتصنيف البلاد الائتماني وتمويل التجارة الخارجية.
فيما أكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي هذا التأجيل مؤشرًا واضحًا على نقص السيولة الدولارية، كما أنه يقدم رسالة سلبية للخارج سيظهر أثرها في ارتفاع الفائدة على السندات التي تعتزم وزارة المالية إصدارها خلال الربع الأول من العام المقبل.
وأشار الولي إلى أنه رغم الإجراءات التي تمت لتقليل الواردات السلعية والخدمية لتخفيض الطلب على الدولار محليًا ما زالت حصيلة الصادرات السلعية تمثل ثلث تكلفة الواردات، حيث إن هناك احتياجات حتمية لا بد من تدبيرها، مثل استيراد السكر والزيت والقمح.
واعتبر قبول السعودية والإمارات تأجيل سداد مصر ديونها في الوقت الذي أقدمت فيه على الاقتراض قرارًا سياسيًا يتغاضى عن الآثار السلبية له كون البلدين يعتبران مساندة النظام المصري مسألة حيوية لهما.
في حين يرى الصحفي الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن تأجيل سداد تلك الديون دليل واضح على عجز الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ويحمل تكذيبا لتصريحات المسؤولين الحكوميين “العنترية” التي أكدت قدرة مصر على السداد وبشرت بوجود تحسن في مؤشرات الاقتصاد بأرقام وهمية واحتياطي نقدي لا يملك البنك المركزي المصري منه أكثر من 10%.
قال البنك المركزى المصرى، أمس الخميس، إن حجم أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى، ارتفع إلى نحو 44.03 مليار دولار فى نهاية أبريل 2018، وهو أعلى مستوى فى تاريخ الاحتياطى مقارنة بنحو 42.6 مليار دولار فى نهاية مارس 2018 بزيادة نحو 1.4 مليار دولار.
وتستورد مصر بما يعادل متوسط 5 مليارات دولار شهريًا من السلع والمنتجات من الخارج، بإجمالى سنوى يقدر بأكثر من 60 مليار دولار، وبالتالى فإن المتوسط الحالى للاحتياطى من النقد الأجنبى يغطى نحو 7.6 شهر من الواردات السلعية لمصر.