قرار الائتلاف الحكومي بتبكير انتخابات الكنيست في أبريل المقبل يحمل في طياته رسائل داخلية وأخرى خارجية، ولعل أبرزها هيمنة معسكر اليمين على المشهد السياسي الإسرائيلي، وتحكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بخيوط اللعبة السياسية في البلاد.
جاء القرار في ظل تحديات تواجه الائتلاف، سواء على الصعيد الأمني والتوتر على جبهتي غزة وسوريا والعمليات المسلحة بالضفة الغربية، أو حتى ملفات وأزمات داخلية مثل تهديد أحزاب الحريديم بتفكيك الحكومة على خلفية قانون التجنيد، وكذلك بذور حراك “السترات الصفراء” احتجاجا على غلاء المعيشة ورفع الأسعار.
ووفقا للمحللين الإسرائيليين، حاول نتنياهو تصدير أزماته الداخلية بإطلاق قطار التطبيع مع دول عربية وإسلامية، في خطوة تستبق مشروع الإدارة الأميركية المتعلق بتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والسلام بالشرق الأوسط من خلال صفقة القرن، في ظل توصيات الشرطة بتقديمه للمحاكمة بشبهات الفساد وتلقي الرشى وخيانة الأمانة.
ويجمع محللون على أن نتنياهو أيقن بأن حكومته لن تصمد طويلا عقب استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بسبب وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة، ومع بدء المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت عقد جلسات استماع بشأن ملفات فساده، فأراد استباق التطورات والذهاب لانتخابات مبكرة بقرار سيادي هو صاحبه كي لا يكون مضطرا لذلك بفعل الضغوط.
أسباب تقديم الانتخابات
وتساءلت صحيفة “هآرتس” العبرية، في تقرير نشرته للكاتب ألوف بن: “ما الذي دفع نتنياهو لتقديم الانتخابات؟”، منوهة أن هناك “ستة أسباب للحملة الخاطفة التي أعلن عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية”.
بحسب “هآرتس” فإن السبب الأول هو الانتخابات “عبارة عن استفتاء عام، فمنذ أن عاد للسلطة قبل عقد، يحظى نتنياهو بشعبية مميزة لدى الجمهور الإسرائيلي الذي لا يرى أي بديل أو وريث له”. وأوضحت أن “نتنياهو يريد في حملة الانتخابات الحالية، أن يجري النقاش حول زعامته وليس حول الاعتقادات، الأفكار والسياسات، وهذا هو ملعبه وفيه يتمتع بأفضلية التجربة على كل خصم محتمل”.
أما السبب الثاني حسب الصحيفة فهو أن “المعارضة محطمة؛ وأي انتخابات سريعة ستمنع أو ستصعب بشكل كبير على أحزاب المعارضة أن تتحد حول حملة ومرشح متفق عليه أمام نتنياهو وحزب الليكود”. ولفتت إلى أن “نتنياهو يريد أن يكون في المعسكر المضاد له، أكبر عدد من الأحزاب الصغيرة التي ستتنافس على عطاياه بعد الانتخابات ولا تشكل له تحديا حقيقيا له”.
وأشارت هآرتس إلى أن السبب الثالث يتعلق “بتواصل تردد المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، حيث يبعد تقصير الحملة قراره الذي يتعلق بأكوام من الملفات الموضوعة على مكتبه ضد نتنياهو حيث يصعب التصديق أن مندلبليت، سيسارع إلى التدخل في الحملة الانتخابية ويعبر عن رأيه بشأن نزاهة رئيس الحكومة”. وتضيف: “بنشر خبر عن نيته تقديم لائحة اتهام خاضعة لجلسة استماع، سيتحول فورا إلى لب المواجهة، وسيدّعي اليمين أن هذا انقلابا جذريا، وسيصرخ اليسار أن من حق الجمهور أن يعرف أن نتنياهو مرتش”، مبينة أن “باستطاعة المستشار القانوني الآن أن يتملص من المعضلة، والاتهامات ضد نتنياهو”.
ويتعلق السبب الرابع، بـ”تأجيل البيت الأبيض الإعلان عن صفقة القرن”، وفق الصحيفة التي أكدت أن “نتنياهو ليس متحمسا لهذه الخطة، خوفا من أن مضمون هذه الخطة سيحطم تحالفه مع المستوطنين، وسيحدث شرخا في الليكود، من هنا فإن تقديم الانتخابات ستسهل عليه أن يطلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن يعفيه من هذا الأمر حتى تشكيل الحكومة القادمة”.
أما السبب الخامس فيتعلق بالاقتصاد الإسرائيلي المهتز حيث يتفاخر نتنياهو ببيانات النمو الاقتصادي، وبالبطالة المنخفضة، وأجر الحد الأدنى المرتفع الذي تتمتع بهما إسرائيل منذ أن عاد إلى السلطة، ولكن الرياح الاقتصادية تبدلت، والبورصات في العالم تتهاوى، والأسعار ترتفع، ومن المفضل الذهاب إلى صندوق الانتخابات قبل أن يشعر الجميع بقوة الأزمة”.

ولفتت الصحيفة إلى أن “جمهور الليكود حساس بشكل خاص للركود الاقتصادي، ومن الخسارة أن يهربوا من نتنياهو إلى أذرع خصومة إذا تحولت المؤشرات من الأخضر إلى الأحمر”.
وبينت أن السبب السادس، يختص بـ”التحديث الذي وعد نتنياهو بأن يقوم به بشأن تشكيل الحكومة القادمة في حال فوزه، حيث أكد أنه سيشكل حكومة على نفس النواة من الشركاء في الائتلاف من أجل أن يقود إسرائيل في نفس الطريق”.وأضافت: “في السنوات الأربع الأخيرة؛ أجرى نتنياهو ثورة يمينية، تركزت على ضم زاحف في المناطق واستبدال النخب في إسرائيل؛ فالمحكمة العليا تغيرت، الجهاز الأكاديمي ومؤسسات الثقافة قمعت، اليسار والجمهور العربي أعلن عنها كخونة وكمؤيدين للإرهاب، وسائل الإعلام أصبحت أكثر يمينية”.
ومع هذا، تقول الصحيفة: “لم يستكمل نتنياهو مهمته، فالبناء في المستوطنات يسير بتكاسل، والزعامة العسكرية والأمنية تواصل إظهار موقف رسمي مثل الذي كان في يومٍ ما بدل الانضواء بكامل قوتها لتحقيق أحلام اليمين وبهذا سيكون هنالك المزيد مما يمكن القيام به من أجل ترسيخ الثورة وتعميقها”.
ورغم تصريحات رئيس الحكومة، إلا أن الصحيفة نبهت أن “نتنياهو غير ملزم بحكومة يمينية، فهو يستطيع أن يشكل بعد الانتخابات تحالفا مختلفا أكثر وسطية، مع بيني غانتس كوزير للأمن أو وزير للخارجية، ومع حزب البيت اليهودي بمكانة ضعيفة، مقارن بهيمنة نفتالي بينت وأييلت شكيد في الحكومة الحالية”.
وختمت بالقول إن “تقديم الانتخابات يمنح نتنياهو فرصة لتحديث التشكيلة التي سيدفع بها إلى الملعب، وتكبح خصومه من اليمين واليسار الذين سيرغبون في مكان جيد في صف توزيع الحقائب في الحكومة القادمة”.