“عايزينك”.. هل ينخدع الشعب بأغاني تمجيد الديكتاتور؟

- ‎فيتقارير

المصريون معروفون بحبهم للإطراءات المبالغ بها لدرجة ترفع أي شخص لمنزلة قد لا يستحقها، ولدرجة تكوينهم لقشرة زجاجية أو غلاف خارجي هش من الإطراء المزيف حول أي شخص، وسرعان ما يتقلب الحال بعدما يكتشفون خيانته وديكتاتوريته فينقلبون ضد هذا الشخص، ويستمتعون بتهشيم تلك القشرة وذلك الشخص، حدث ذلك مع الانقلابي جمال عبد الناصر والمخلوع مبارك ويحدث الآن مع السفيه عبد الفتاح السيسي.

وهناك أسس مميزة يستخدمها المطبلون في صناعة الديكتاتور، فهذه الصناعة هي فن وعلم وهندسة يتميز بها هؤلاء المطبلين، ومن بينهم منتج الأغاني الشهير “نصر محروس”، الذي طرح أغنية اسمها “عايزينك” تم إنتاجها عام 2014، إلا أن اللجان الإلكترونية للانقلاب أعادت تداولها على أمل أن ينخدع بها وبأخواتها، الشعب الذي يئن تحت وطأة الجوع والفقر والمرض والقمع والقتل والاعتقال.

ويقف الشعب المصري بعد 7 سنوات من ثورة يناير، على مفترق طرق بعدما انقض على ثورته العسكر في انقلاب دموي 3 يوليو 2013، وعلى مستوى العالم حكام الشعوب هم أجراء، والرؤساء خدم وموظفون لدى الشعب، لا يملكون حياتهم لأنهم أنفسهم ملك للجماهير التي اختارتهم والتي عليها أن تشغلهم وتوجههم.

نشطاء يسخرون

وتحاول المخابرات العسكرية ومعها الشئون المعنوية بالجيش، إنتاج وإعادة تداول أغاني تطبل للسفيه السيسي، كما كان يجري عليه الحال أيام المخلوع مبارك، أغنية «عايزينك»، التي تطالب السفيه بالترشح في الفصل الثاني من مسرحية انتخابات الرئاسة والتي بدأت عام 2014.

الأغنية تم طرحها، منذ أربع سنوات بعد مجزرة رابعة العدوية والنهضة، والتي راح ضحيتها أكثر من 3000 شهيد، من خلال القناة الرسمية للشركة المنتجة على موقع «يوتيوب»، ويشارك في غناء الأغنية (بهاء سلطان، سوما، دياب، توبا، نبيل)، من كلمات وألحان حسين محمود، وصورها نصر محروس بطريقة الفيديو كليب.

ومن أول أغنية “تسلم الأيادي” التي مجدت الانقلاب العسكري، ومن بعده المجازر الدموية التي اقترفها العسكر، إلى أغنية “عايزينك”، لم تتوقف سخرية النشطاء وامتعاض وقرف الشعب المصري، تقول الناشطة شيرين عادل: “متضايقوش من بهاء سلطان علشان هو بيأيد السيسي من اول ما قال فوضوني! أنا فعلاً اللي مستغبياه هو نصر محروس اللي ماعملش اغنية و خلاص كده لأ ده ذكر فيها اسم السيسي يعني تعريضة متوثقة صوت و صورة ولا مفر من الإنكار يوماً ما ،، لما بلحة يغور ويقولوله كنتُ معرضاً يانصر”.

عدوى التطبيل!

تقول سارة فوزي أحمد، معيدة بكلية الإعلام وكاتبة ساخرة: “المشكلة الأساسية للشعب المصري تكمن في عاطفيته المفرطة التي تحول دون رؤيته لحقائق الأمور وتدفعه دفعاً لتحويل أي شخص لإله مُنزه عما هو خاطئ”، وتضيف “لقد فُقعت مرارتي مراراً وتكراراً من ارتكاب المصريين لذات الأخطاء وبحثهم الدائم -ليس عن زعيم أو قائد حقيقي- بل عن جلاد أو طاغية يقودهم ويسوقهم سوق القطيع”.

وتابعت:” الكارثة ليست في ذلك الشخص الذي يطمح إلى أن يأخذ منصباً مهماً أو قيادياً في مصر، بل الكارثة في معاملة المصريين لهذا الشخص، وكيفية نظرهم إليه كما لو كان ملاكاً أُرسل إليهم لدرء العذاب أو رفع المهالك”.

ومن مصر إلى السعودية اكتشف النظام هناك أن الأغاني قد تستخدم بشكل مباشر لأهداف سياسية، هكذا جنّد فنانيه المشهورين مثل رابح صقر، وليد الشامي، عبد المجيد عبدالله، ماجد المهندس، أصيل أبو بكر، راشد الماجد ومحمد عبده في الحرب ضدّ قطر، بعدما فشل جيشه الإعلامي في تحريض الرأي العام العربي ضد الدوحة.

أغنية “علم قطر” التي حاول النظام السعودي استخدامها للهجوم على قطر، لم يكن أسلوباً جديداً، خصوصاً عند الأنظمة العربية، كما أنّ دخول فنانين “كبار” من أمثال محمد عبده أو رابح صقر أو راشد الماجد، في لعبة، وصفها الناشطون على مواقع التواصل بـ”الرخيصة” ليس جديداً على عدد كبير من فناني “الصف الأول” في العالم العربي، فالتطبيل لهذا النظام أو ذاك سمة مشتركة بين عدد كبير من الفنانين العرب من المشرق إلى المغرب في العقود الأخيرة.

أوبريت اخترناه

عام 1999، وبعد “انتخاب” المخلوع مبارك لولاية رابعة غنّى له عدد من الفنانين الأوبريت الشهيرة بعنوان “اخترناه” والتي تقول كلماتها: “اخترناه اخترناه.. يوم ما عبر وقلوبنا معاه.. اخترناه اخترناه من أول كلمه سمعناه.. اخترناه اخترناه من أول عهده فهمناه.. اخترناه اخترناه..وعلى حياتنا استئمناه”، ومن بين المشاركين في أوبريت تبييض وتفخيم صورة الدكتاتور، لطيفة التونسية، وأنوشكا، ومحمد الحلو، ونادية مصطفى.

ونجحت الأنظمة الديكتاتورية إلى ما قبل ثورات الربيع العربي في خداع الجماهير وربط الوطنية بشخص الديكتاتور، ليتحوّل هو إلى البطل المنقذ حتى في الظروف التي لا تحتمل مثل هذا التبجيل.

على سبيل المثال الأغاني التي غنيت لـ”جمال عبد الناصر” قبل وبعد النكسة، مثل أغاني عبد الحليم حافظ “يا أهلاً بالمعارك” التي يقول فيها “عبد الناصر حبيبنا… اطلب تلاقي 30 مليون فدائي”، كما أن التطبيل لـ”عبد الناصر” في فترة صعود القومية العربية شمل كل دول العالم العربي تقريباً، فغنت له صباح مثلاً “أنا شفت جمال”.

لكن منذ ثورات الربيع العربي اتخذ التطبيل منحى مختلف تماماً، فقبلها كان التطبيل يتمّ بأغان مكتوبة وملحّنة بشكل جيّد من دون “رخص”، لكن الأغاني التي شاهدناها للسفيه السيسي،والسفاح السوري بشار الأسد، الذي تجنّد فنانون لبنانيون بالجملة للغناء له، بينما كان هو يواصل مجازره بحق السوريين، ومن بين من غنى للأسد ملحم زين، ومحمد اسكندر، ونجوى كرم، ومعين شريف.