السويد لا سجون اليابان لا جهل ألمانيا لا بطالة.. ما الذي يميز مصر الآن؟

- ‎فيتقارير

هي دول كانت إلى عهد قريب قبل نصف قرن، أكثر تخلفا وديكتاتورية من أي واحدة من البلدان العربية الإسلامية آنذاك، لكنها استطاعت بإرادة صلبة وعمل كاد شق طريقها نحو الرفاهة والرقي، حيث لكل منها قصة مميزة تستحق أن تحكى، قد يبدو للبعض أن تخلف مصر يعود إلى النمو السكاني كما تزعم عصابة العسكر، غير أن قصة الصين تنسف هذا المبرر، هذه الدولة التي تتكون من مئات الأديان والأعراق واللغات استطاعت أن تحقق في حوالي 40 سنة دولة اقتصاد واستقرار بجدارة.
ونهضت دول أخرى غير الصين مثل السويد واليابان وألمانيا وكل واحدة منها لها قصة مؤثرة.

وقد يشغل البعض نفسه بمقارنات سطحية لا فائدة منها بين نظام حكم عبد الناصر أو السادات أو المخلوع مبارك، والحقيقة أن هذه الأنظمة الثلاث تنتمى إلى جنس نظام حكم واحد هو جنس نظام حكم العسكر القائم على الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة المملوكة للشعب، واغتصاب ولاية حكم لا يستحقونها، بداية من عبد الناصر الذي انقلب على رئيسه محمد نجيب قائد حركة الجيش فى 23 يوليو 1952، وانتهاء بجنرال إسرائيل السفيه السيسي، الذي انقلب على رئيسه المنتخب فى 3 يوليو 2013، الرئيس محمد مرسي.

الجنرال الفاشل

حكم العسكر بكافة شخوصه وأساليبه وتجلياته أضر بمصر وبشعبها أيما إضرار ، لقد وقف حكم العسكر حائلا صلبا طيلة ستة عقود خلت أمام تقدم مصر وقوتها وأمنها القومي ونهضتها وتقدمها ورقيها وتحضرها وكان سببا فى خسارتها لثلاثة أرباع معاركها الحربية ، وذلك على نحو يعطى لشعب مصر الحق فى استنقاذ نفسه ومستقبله من وهدة هذا الحكم الفاشل المتخلف ويقول له بأعلى صوت: كفاية .

يقول الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق :”فى الدول الديمقراطية تكون القيادة السياسية منتخبة بواسطة الشعب ، وبالتالي فهي تمثل الشعب وتعمل على تحقيق أهدافه ، فى حين أن القيادة العسكرية غير منتخبة، وبالتالي يجب إخضاعها لإشراف القيادة السياسية”، أما الذي حدث فى مصر العكس حيث لم يتم فقط إخضاع القيادة السياسية للقيادة العسكرية غير منتخبة، وإنما القيادة العسكرية هي التي استولت على السلطة وتسلطت قمعًا على الشعب.

وبالمقارنة بين مصر ودولة مثل سنغافورة، لم تحصل سنغافورة على استقلالها من الاستعمار البريطاني الذي استعادها بدوره من الاحتلال الياباني إلا في سنة 1965، حيث شكلت أول حكومة للجمهورية، لتجد دولة سنغافورة نفسها بدون تاريخ وبدون هوية وطنية وما يعنيه ذلك فعليا، وتواجه الفقر والأمية وقلة الموارد مع غياب البنيات التحتية والمؤسسات والجيش الذي سيحميها من بيئة معادية تحيط بها آنذاك، وفوق كل ذلك مشكلة توفيق نسيجها الاجتماعي الذي يحفل بالتناقضات.

في ظل هذا الوضع توجهت سنغافورة نحو نخبتها السياسية الجديرة بالثقة وعقدت عليها أمل بناء الدولة، فبرز “لي كوان يو” كأول رئيس وزراء لسنغافورة، والذي يعده الكثير الآن مهندس النهضة السنغافورية، قام بمعية فريق من النخبة السياسية بشق طريق التنمية والتقدم، من خلال الاعتماد على الثروة البشرية أساسا والاستثمار فيها، وتفضيل ذوي الكفاءات، وهو المبدأ الذي لا زال راسخا حتى الآن في سنغافورة، يقول “لي هيسين لونغ” رئيس وزراء سنغافورة وهو يشرح نهضة بلاده “أعتقد أننا ركزنا بشكل كبير على الحفاظ على نزاهة نظامنا فنحن نتعامل بصرامة مع الفساد كما نركز بشكل كبير أيضا على الأكفاء في تشغيل النظام مما يجعل القيادة فاعلة وقادرة على الإبداع، والترقيات من نصيب الأفضل، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب”.

ديكتاتورية فجة

كانت سنغافورة في تلك الفترة، لها علاقة متوترة مع الدول المجاورة لها، أندونيسيا وماليزيا وملايو، التي طردتها من اتحادها، ما حذا بها إلى الانفتاح على أسواق أخرى عالمية لتنشيط اقتصادها، من أجل ذلك الغرض أنشأت هيئة حكومية تدعى “مجلس التنمية الاقتصادي”، المؤسسة التي ستتكفل بمهمة رسم السياسات الاقتصادية وجلب الاستثمارات الخارجية، فأقرت سنغافورة آنذاك حزمة من الحوافز الاستثمارية، منها إلغاء جميع الرسوم، فأصبحت مركز جذب للاستثمارات وتنقل رءوس الأموال بحرية، وهو ما ساعد سنغافورة كثيرا في تحريك عجلة تنميتها الاقتصادية.

بالموازاة مع ذلك، قامت القيادة السنغافورية بوضع مناهج تعليمية حديثة تتماشى مع التوجهات العالمية، وتلبي حاجات سوق العمل، مقتبسة من الدول الأوروبية وأمريكا الرائدة في هذا المجال، ورسمت سياسات تربوية حققت نجاحا باهرا، بإنتاجها كفاءات عالية التكوين، مركزة في ذلك على بناء المعلم وقدراته القيادية.

عرفت سنغافورة نظاما برلمانيا ديمقراطيا منذ استقلالها، وإن كان يصفه البعض بالصرامة في بداياته، تتركز فيه السلطة التنفيذية في يد رئيس الوزراء، بينما الرئيس لديه سلطة رمزية، وقد عزمت سنغافورة على محاربة كل أشكال الفساد بصرامة منذ بداية عهدها، مستعينة في ذلك بنظام قضائي عادل، ما جعلها تتبوأ اليوم المراتب المتصدرة في تقارير منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي) كأقل دول العالم فسادا بعد الدول الاسكندينافية، مثلما غرست ثقافة التعايش والتآلف في أنظمتها الاجتماعية والتربوية واعتماد معيار الكفاءة وحده للتفضيل، الأمر الذي خلق مجتمعا منسجما رغم أنه غير متجانس.

وقبل سنوات وضع جنرال إسرائيل السفيه السيسي وحلفاؤه، في الداخل والخارج، حدًا لأول تجربة ديمقراطية مدنية في مصر، وفتح بذلك الباب واسعا أمام منزلقات سياسية وأمنية واقتصادية ما زالت مصر تتهاوى في وهدتها السحيقة، وتؤكد معطيات الواقع وتقارير المنظمات والمؤسسات الدولية انتقال مصر خلال هذه السنوات إلى “حالة دكتاتورية فجة”، تغلق أغلب منافذ التعبير، وتخنق الفضاءات الاقتصادية والاجتماعية، في حين تحولت وعود الرفاه إلى سراب بقيعة، وعادت المنظومة الحاكمة للبطش بصناعها و”الثورة” لأكل “أبنائها” بعد “الخلاص” من خصومها وأعدائها، وتراجع دور مصر إقليميا ودوليًا.