بمرارة شديدة يتساءل أحد الخبراء المعماريين : هل تعلم أن أبواب البيوت في مثلث ماسبيرو، كنز تراثي تتهافت عليه معارض الفن التشكيلي؟ وهل تعلم أن شبابيك البيوت وواجهاتها في مثلث ماسبيرو وبولاق أبو العلا ثروة فنية ومعمارية؟ وأن هناك أماكن أثرية في السيدة زينب وفي الدرب الأحمر تستخدمها حكومات العسكر منذ أيام عبد الناصر إلى السفيه السيسي كمقالب زبالة؟ وإن كل مناطق القاهرة الفاطمية هي عبارة عن ثروة معمارية وتاريخية لا تقدر بثمن؟
تأتي تساؤلات الخبير المعماري بالتزامن مع تأكيد مصطفى مدبولى وزير الإسكان في حكومة الانقلاب، اليوم الثلاثاء، على ضرورة الانتهاء من أكبر جريمة تاريخية في حق المصريين بعد جريمة بيع جزيرتي تيران وصنافير، وتتمثل في قيام سلطات الانقلاب بهدم وإزالة مثلث ماسبيرو قبل نهاية إبريل.


يقول الناشط السياسي عمرو عبد الهادي، عضو جبهة الضمير:” فاكرين مثلث ماسبيرو اللي طلعوا إشاعة إن قطر هتشتريه؟ الحمد لله الصفقة تمت واتباع للإمارات والآن تم إخلائه وتجهيزه لتسليمه على المفتاح، أنا عايز محمد بن زايد و السيسي يظبطوا الدنيا علشان قريبا سنصادر كل ما سرقته الإمارات من عبيط مصر الصهيوني بلحة”.
وتتعامل سلطات الانقلاب مع ثروات مصر الفنية والمعمارية وتراثها الثقافي والتاريخي، كما يتعامل الاحتلال الصهيوني مع أراضي الفلسطينيين وتراثهم ومساجدهم، وأحياناً يتعاملوا معها كما يتعاملون مع أطفال مصر الفقراء كقطع غيار للأغنياء، فهل هناك من لا يزال يشك في أن مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي، تمر بأسود مراحل تاريخها وأحطها وأقذرها؟
الثورة وماسبيرو
مثلت ثورة يناير نجدة لسكان ماسبيرو؛ فعقب الثورة توقفت أطماع العسكر لفترة، وتوقفت معها مشاريع الطرد والتهجير التي تسمى زوراً “التطوير”، التي تتضمن إجلاء لسكان المنطقة، كما أدى انفتاح المجال العام إلى السماح للسكان بالتحرك للدفاع عن حقهم في تطوير المنطقة.
يقول “محمود” أحد سكان مثلث ماسبيرو: “قبل الثورة، كانت الدولة رافضة لأي تطوير للمنطقة، وتعرض السكان للمحاربة من قِبل الحكومة، لكن ثورة يناير أنقذتنا” ، غير أن انقلاب 30 يونيو الذي قام به السفيه عبد الفتاح السيسي خيب آمال سكان المنطقة، كما خيب آمال جميع المصريين.
من جهته قال الكاتب الصحفي محمد جمال عرفة: “تفرق ايه بعض منازل وحواري مثلث ماسبيرو المبنية من القرن الـ 19 التي تحولت إلي تراب عن بعض منازل وحواري باريس القديمة”؟
مضيفاً على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “الفارق إنهم بيهتموا بالتراث ويجملوا القديم ليصبح مزارات سياحية وإحنا بنجيب عاليها واطيها بالبلدوز عشان المستثمرين يبنوا فيها مباني للأثرياء”.
وفي المثلث الممتد بين شارعي الجلاء و26 يوليو، وكوبري 15 مايو، وكورنيش النيل، تقع واحدة من أقدم المناطق الشعبية المصرية، وعانت منطقة مثلث ماسبيرو على مدار ربع قرن، وبالتحديد عقب زلزال عام 1992، الذي كان سببا في أضرار كبيرة بمباني المنطقة، وما تلاه من منع حكومة العسكر تنكيس البيوت المتهدمة، أو التصريح لأصحابها بترميمها، لتظل على حالها.
ويبدو الحزن مخيما على معظم الأهالي الذين اختاروا الرحيل تاركين وراءهم ذكرياتهم وجيرانهم وأحلامهم بالمنطقة التي لطالما تربوا وعاشوا بها، وعلى رماد أحلام البسطاء وتاريخهم وماضيهم تنفذ حكومة العسكر مشروع تطوير مثلث ماسبيرو، الذي يهدف إلى تحويل جزء كبير من مساحة المنطقة إلى مشروعات سياحية وترفيهية للأثرياء فقط.
العسكر يهدمون التاريخ
يقول أحد سكان المنطقة ويدعى “محمد”: “مثلث ماسبيرو يتكون من 19 شياخة (والشياخة قديما هي مركز ممارسة شيخ البلد لسلطته)، ومنها أبوالعلا، الخطيري، الشيخ علي، الشيخ فراج، العدوية، العليمي الفرنساوي سابقا، القلاية، حوض الزهور، درب نصر، سنان باشا، شركس”.

مضيفاً: “كل شياخة عبارة عن شوارع ضيقة وحارات كثيرة متشعبة، منها حارة ندى، وحارة الأرمنطي وحارة النصارى، وحارة حسين عبد الشافي، وحارة عفيفي، وحارة الشافعي، وحارة رفاعي، حارة جاد الكريم.. وغيرها الكثير”.
وأغلب حارات مثلث ماسبيرو مسماه بأسماء أشهر الشخصيات فيها وأقدم من سكنوها، منها حارة تسمى (حارة الشافعي) تقع بها مدرسة أبو الفتوح للمرحلة الابتدائية، تلك المدرسة بناها الإنجليز ودرس بها معظم أبناء المنطقة ولكنها تهدمت في زلزال عام 1992 ولم يعاد بناؤها مرة أخرى.
وحارة النصارى، واحدة من أقدم حارات مثلث ماسبيرو، سكنها الأقباط منذ زمن بعيد، وتتميز بوجود بعض المباني الأثرية التي تحتفظ بمعمارها وزخارفها الهائلة، أوضح لنا أهالي الحارة أن تلك المنازل بناها اليونانيون والفرنسيون والإيطاليون والأرمن الذين سكنوا الحارة قديما، وورثها أبناؤهم، وفي نهاية الحارة امتداد عمر بن قطبية ويضم هذا الشارع بعض القهاوي القديمة، منها قهوة زكية ضاحي، وقهوة الجِرم، أشهر قهاوي بولاق، إضافة إلى تميزه أيضا بالعمارات التراثية لأصحابها من الفرنسيين واليونان.
وحارة شركس، الحارة الأشهر التي كان يمتلكها شركس باشا أحد الأعيان الأتراك، والذي كان يمتلك أيضا معظم أراضي مثلث ماسبيرو قبل نحو 100 عام، وخصص جزءا من تلك الأراضي للعاملين لديه، وسميت تلك الحارة باسمه اعترافا بالجميل له، ومن أشهر الحارات أيضا في مثلث ماسبيرو حارة الشيخ علي وهو أحد أبطال المقاومة الشعبية أيام الحملة الفرنسية.
يقول الناشط محمد السمادوني: ” مش بس الأبواب والشبابيك هى ذات الطابع التراثي الملابس أيضا يعنى الترزي اللي بيفصل الجلابية البلدي والصديرى والملابس الحريمى الجلابية اللي بوسط والمنديل ابو قوية والبنطلون ابو كورنيش واللى بيصلح بوابير الجاز والبقال اللي يبيع جاز باللتر ونصف اللتر والمكاييل والموازين ومكوجى الرجل.. ده متحف مفتوح.. منهم لله العسكر”.
