“ليس هناك أي نوع من أنواع التعذيب داخل أي سجن في مصر، وليست هناك حالات معتقلين غير مسجلين قامت بها الشرطة.. المنظمات الدولية التي تكتب تقارير ضد التعذيب في مصر مأجورة وتعمل لترويج أجندات تستهدف الدولة”، هذا هو رأي الناشطة الحقوقية التي تعمل مع السلطة، داليا زيادة، على الرغم من أن الكثير من الحقوقيين الدوليين والمصريين ينددون بـ”جحيم التعذيب” على يد الشرطة والجيش وبظاهرة الاختفاء القسري.
ويبدو أن الاحتجاج والسخرية نجحا هذه المرة، حيث أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عصر الثلاثاء، عن تأجيل المؤتمر الإقليمي حول تجريم التعذيب الذي كان مقررا عقده في القاهرة يومي 4-5 سبتمبر المقبل، بالشراكة مع المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يرعاه أبو الإرهاب والانقلاب جنرال إسرائيل السفيه السيسي.
ومنذ الإعلان عن إقامة المؤتمر في القاهرة تصاعدت الاعتراضات، حيث رأى كثيرون أن التعاون بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان والسلطات المصرية يعني استمرار التواطؤ الدولي حول انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بينما رأى آخرون أن المؤتمر إجراء روتيني بحت كون مصر هي رئيسة الاتحاد الإفريقي حاليا.
وانتقد نشطاء في مجال حقوق الإنسان، يوم الخميس الماضي، قرار الأمم المتحدة عقد مؤتمر في القاهرة عن التعذيب تشارك في تنظيمه منظمة تابعة لحكومة الانقلاب، وقال محمد زارع مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “ما ينفعش دولة يبقى التعذيب فيها منهجي وتستضيف مؤتمر التعذيب”.
الجونجوز!
وفي السادس من سبتمبر 2017، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرا حول التعذيب في مصر والأساليب التي تستخدمها الشرطة، ولا سيما جهاز الأمن الوطني، ضد المعارضين السياسيين المعتقلين، موضحةً أن المعتقلين في عهد جنرال إسرائيل السفيه السيسي، يتعرّضون للتعذيب بشكل روتيني، بأساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء، وأحيانا الاغتصاب.
ووصفت المنظمة هذا التعذيب واسع النطاق بـ”المنهجي”، مضيفةً أنه قد يرقى إلى مرتبة جريمة ضد الإنسانية. يقول الباحث القانوني فى مجال حقوق الإنسان أحمد مفرح، المتخصص فى الشأن المصري: “مفوضية حقوق الانسان تقرر تأجيل المؤتمر الخاص بالتعذيب في القاهرة، مجهود رائع بُذل خلال الفترة الماضية من قبل المنظمات الحقوقية المصرية لإيقاف هذا المؤتمر، نجاح جديد ولا عزاء للجونجوز”.
ويُطلق مصطلح “جونجوز” على المنظمات الحقوقية التي تعمل في خدمة عصابة الانقلاب، ويقول بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان: “هذه صفعة قوية لنظام السيسي للتعذيب في #مصر الذي جعل من القاهرة عاصمة التعذيب في العالم العربي. شكرا لمسئولي الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية الذين رفضوا المشاركة في هذه الفضيحة المعلنة. يجب على @mbachelet و@UNHumanRights مساءلة موظفي الأمم المتحدة الذين أبرموا صفقة المؤتمر”.
ويقول الإعلامي ومقدم البرامج سيد علام: “مطلوب تحقيق صحفي استقصائي لكشف السر المؤكد وراء هذه الفضيحة الأممية.. الأمم المتحدة لا تصنع أسلحة يمكن أن تشترى بها اليمين الإسرائيلي الحاكم، الراعي الرسمي للحلف العربى المعادي للتغيير، ليس لديه هذا القدر من النفوذ بالمنظمة الأممية، مطلوب صحفي استقصائي لكشف المستور”.
مكياج
ويعتبر “المجلس القومي لحقوق الإنسان” أهم المؤسسات المتهمة بالعمل على تجميل عصابة الانقلاب، وقد أنشأه العسكر في فترة رئاسة المخلوع حسني مبارك عام 2003، لتعزيز وصيانة حقوق الإنسان في مصر.
لكن سرعان ما تحوّل المركز إلى خدمة العسكر والتصدي لأي تقرير يدين جرائمهم، وفقا لـ”عيد” الذي يوضح أن المؤسسات المستقلة توقفت عن العمل معه بسبب توجّهاته التي تخدم سياسات العسكر وليس حقوق الإنسان.
في أغسطس 2015، قام وفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة إلى سجن العقرب، الذي يصفه البعض بأنه أحد أقسى سجون الانقلاب، عقب ورود شكاوى معتقلين بشأن حرمانهم من الزيارات وضعف الخدمات الطبية في السجن وإغلاق الكافيتريا فيه وعدم السماح للسجناء بالتريّض.
وبعد الزيارة المرتبة من وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، خرج أعضاء المجلس بتقرير يقول إن الزيارات كانت متاحة، وإن تعامل المساجين مع الكافيتريا كان ساريا، كما تتوافر العناية الطبية اللازمة.
وأثار التقرير سخرية وانتقادا واسعين، وأظهر بجلاء تماهي المجلس مع عصابة الانقلاب، لا سيما أن أعضاءه لم يلتقوا شخصيات سياسية معارضة معتقلة في السجن حينها، وبدت اللقاءات كأنها مرتبة، كما لم يتطرق التقرير إلى خمس حالات وفاة وقعت في السجن قبل الزيارة بوقت قريب، وعدم الاستجابة لعشرات الحالات التي تقدمت بطلب إجراء عمليات جراحية عاجلة، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض الجلدية المعدية بين السجناء، بحسب بيان رابطة أسر معتقلي العقرب عقب التقرير.