مؤتمر أو اجتماع بشأن العاصمة الإدارية، هكذا يحاول السيسي التملص من التزامات المسئول الأول في البلاد عن متطلبات الجماهير، فالمؤتمرات فرصته للعظمة التي توضح مدى سفاهة المنقلب وحقارته، والعاصمة الإدارية باتت رمزًا للفيل الضخم الذي وضع رأسه في رمال صحراء شرق القاهرة، على حد تعبير “الإيكونوميست”.
العاصمة الإدارية يفترض أن تبدأ بالعمل مطلع 2020، وستكون المرحلة الأولى التي سينقل السيسي على إثرها “مجلس النواب” إلى مقره الجديد لينال التصفيق على مشروع تأجلت مرحلته الثانية، فضلًا عن البداية المتضائلة للغاية بسبب نقص التمويل وانفضاض المستثمرَيْن الإماراتي (إعمار) والصيني عن المشروع الذي يريد السيسي إنهاءه بدلا من 10 سنوات في سنة واحدة.
يتفاخر السيسي بأن تمويل العاصمة الإدارية المفترض- 58 مليار دولار- لن يكلف ميزانية الدولة شيئا، في حين تلزم حكومة السيسي 34 وزارة بتحمل نفقات بناء مقراتها الجديدة، فضلا عن أماكن محددة داخل عاصمة السيسي الإدارية، ورغم دخول الجيش (الهيئة الهندسية) على الخط بنسبة 51% من تنفيذ المشروع مع وزارة الإسكان إلا أن المشروع ليس لديه القدرة حتى على الحصول على قرض لتمويل إنشاء مونوريل (قطار) العاصمة الإدارية، فضلًا عن مونوريل أكتوبر.
ولعدم القدرة على دفع مستحقات المقاولين، لجأ 13 مقاولا كويتيا للتحكيم الدولي للمطالبة بتعويضات بالمليارات بخصوص عقودهم للعمل بالعاصمة الجديدة.
اضطرابات 2011
وإلى الآن يحمّل السيسي والعصابة وكل من يتورط في قضايا فساد مالي، ثورة 25 يناير المسئولية، ونصح الأمريكيون والإماراتيون السيسي ببناء عاصمة أطلقها في عام 2015 بعد مرور عام على “انتخابات” 2014، وتهدف إلى توفير مساكن لما لا يقل عن 6.5 أو 7 ملايين شخص.
وقال أحمد زكي عابدين، وهو جنرال متقاعد يترأس الشركة التي تبني المدينة الجديدة، لرويترز: “هناك اهتمام قوي من القيادة السياسية بالمشروع”.
وأضاف “الحجم الكبير للعمل يؤدي إلى مشاكل واسعة النطاق”، مثل إيجاد ما يكفي من العمالة الماهرة لربط “المدينة الذكية” وجمع حوالي تريليون جنيه مصري (58 مليار دولار) في التمويل على مدار السنوات القادمة من مبيعات الأراضي وغيرها من الاستثمارات.
حجم المباني
ومن المتوقع أن تُغطي المدينة الجديدة، المعروفة الآن باسم العاصمة الإدارية الجديدة، 45 كم شرق القاهرة، حوالي 700 كم مربع، وستشمل المرحلة الأولى التي تغطي حوالي 168 كم مربع، الوزارات والأحياء السكنية والحي الدبلوماسي ومنطقة مالية. لقد تم بالفعل بناء مسجد كبير وكاتدرائية، بالإضافة إلى فندق ومركز مؤتمرات.
ومع الحدائق والطرق التي تصطف على جانبيها الأشجار، سوف تستهلك المدينة ما يقدر بنحو 650 ألف متر مكعب من المياه يوميا من الموارد الشحيحة للدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
وفي موقع البناء يضع عمال شركة تشاينا ستيت للإنشاءات الهندسية (CSCEC) الأسس للمنطقة التجارية، حيث يتم التخطيط لـ21 ناطحة سحاب، بما في ذلك أطول ناطحات سحاب في إفريقيا، والتي يبلغ عدد طوابقها 85 طابقًا.
خط القطار المكهرب المونورويل يتكلف 1.2 مليار دولار من القاهرة إلى المدينة، والذي تقوم ببنائه شركة صينية، يأمل العسكري عابدين أن يكون جاهزًا خلال 18 شهرًا.
الطريف أن مصر اقترضت أيضًا من الصين حوالي 4.5 مليار دولار لبناء منطقة تجارية مركزية في المدينة الجديدة، مع إنشاء شركة “تشاينا ستيت” للإنشاءات الهندسية، وبناء خط سكة حديد إلى القاهرة!.
نكسات مستمرة
السيسي كان حريصًا على عرض المشروع على الرئيس الفرنسي الزائر إيمانويل ماكرون، في جولة بطائرة هليكوبتر في الموقع في يناير الماضي.
ديفيد سيمز، مؤلف كتاب “أحلام الصحراء في مصر”، وهو كتاب عن مشاريع التنمية، قال إن دعم السيسي والجيش جعل المشروع “أكبر من الفشل”، على الرغم من أنه قال إن هذا لا يضمن أن الناس يريدون العيش هناك.
في وقت الإطلاق، اعتقد السيسي وحكومته أن رأس المال العالمي سيتدفق لإنشاء مركز تجاري نظيف ومستقبلي. لكن منذ ذلك الحين، تراجعت المحادثات مع المستثمرين البارزين، بما في ذلك شركة إعمار العقارية في دبي وشركة “تشاينا فورتشن لاند” للتطوير.
فيل الصحراء
ولأن الفيل لا يمكن اختصار معيشته في الصحراء، عبّرت الإيكونوميست البريطانية عن أحلام أصحاب العقول العصفورية عن العاصمة الجديدة بالفيل.
وقالت إن القاهرة معروفة كمدينة تضم آلاف المآذن. ولكن السيسي استبدلها فقط بأربعة مآذن لمسجد الفتاح العليم، وهو مشروع رئيسي في العاصمة الجديدة، وأضافت لأنه لا أحد يعيش في المدينة حتى الآن. تم نقل الطلاب من جامعة القاهرة، الذين فحصتهم الحكومة، إلى صلاة الجمعة الأولى في 18 يناير.
وأضافت أنه “كما الوضع في المسجد، فإن عاصمة مصر الجديدة التي ما زالت بلا اسم فارغة وخاضعة لسيطرة محكمة.”
تقديرات متصاعدة
ولفت المراقبون إلى أنه لا أحد يعلم ما سيكلف كل هذا (التقدير الأولي كان 45 مليار دولار) أو كيف ستدفع مصر ثمنها. ابتلي المشروع بالمشاكل المالية منذ بدايته في عام 2015. وقد توقفت محادثات العقود مع إعمار، عملاق العقارات في دبي، ومع شركة صينية ثانية تهدف إلى بناء مرافق بقيمة 20 مليار دولار.
تحرك برلمان العسكر نحو العاصمة الإدارية كان متوقعا مع بداية الصيف، في مايو الماضي، يتبعهم 50 ألف عامل، هم المرحلة الأولى التي كان من المقرر أن تفتح هذا العام.
وضمن نفس المرحلة كان متوقعًا مغادرة السفارات الأجنبية إليها ولكنها تحجم عن الذهاب، بينما لا تزال المدينة مهجورة، رغم تهديد السيسي بأنه لن يؤمن مقراتهم في القاهرة حيث 20 مليون مصري.