هل تكون حدود غزة نقطة تحول في العلاقات المصرية الإسرائيلية؟

- ‎فيأخبار

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعالم في ديسمبر: إن “الحرب لن تنتهي حتى يتم عزل غزة عن مصر وسيطرة دولة الاحتلال الكاملة على الحدود”.

ودقت هذه التصريحات أجراس الإنذار في القاهرة، لقد كان النظام المصري مترددا في اتخاذ إجراء حازم منذ 7 أكتوبر، ولكن التهديد لمعاهدة كامب ديفيد أغضب بشدة حليف دولة الاحتلال وجارتها.

وقال شريف محيي الدين ، المتخصص في مصر والقضايا الإقليمية العابرة للحدود، لـ”العربي الجديد”: إن “الضغط الإسرائيلي وتصريحات نتنياهو حول ممر فيلادلفيا تثير قلق مصر من جوانب مختلفة، كما من المستوى الشعبي ، هذا خط أحمر قد تخاطر إسرائيل بإدخال مصر إلى الصراع التاريخي مرة أخرى”.

وتصر مصر على أنها لن تستقبل لاجئي غزة، خشية ألا يسمح لهم بالعودة أبدا وأن تضعف سيادتها، لكن دولة الاحتلال قالت مرارا وتكرارا في خطط ما بعد الحرب: إن “مصر ستلعب دورا في قبول اللاجئين، وتصاعدت هذه الرواية في أعقاب تهديدات الاحتلال بالسيطرة على الحدود”.

من جانبه قال: “إيوان شتاين، أستاذ العلاقات الدولية للشرق الأوسط في جامعة إدنبرة، لصحيفة العربي الجديد، إن النظام المصري قلق للغاية من التدفق المحتمل للاجئين الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وهو ما يأتي على خلفية تهديدات إسرائيل باستعادة السيطرة على الممر”.

لن يكون هذا أول عرض لدولة الاحتلال لتجاهل مصر في هذه الحملة، في البداية سربت سلطات الاحتلال خططا لإرسال لاجئين فلسطينيين من غزة إلى سيناء، ثم قصفت معبر رفح لمنع تدفق المساعدات، لكن خطط نتنياهو ستنقل الخرق إلى مستوى جديد.

وأعلن نتنياهو عن نواياه للالتفاف على اتفاق السلام عندما قال للصحفيين في أواخر ديسمبر: “ممر فيلادلفيا، يجب أن يكون في أيدينا، يجب أن تغلق، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن التجريد من السلاح الذي نسعى إليه”.

وبموجب اتفاقات كامب ديفيد، الموقعة في عام 1978، فإن ممر فيلادلفيا هو منطقة منزوعة السلاح، منذ عام 2005، مارست مصر السيطرة الكاملة على المحور، وإذا انتقل جيش الاحتلال إلى المنطقة، فإن هذا من شأنه أن ينتهك المعاهدة ويغير الديناميكيات في العالم العربي بشكل لا رجعة فيه.

ووفقا لمصطفى كمال السيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فإن هذه الخطوة سيكون لها آثار أوسع في المنطقة.

وقال السيد: “من وجهة نظر أوسع، هذا يدل على أن إسرائيل لا تحترم معاهدات السلام التي وقعتها مع الدول العربية”.

 

ردود فعل متوقعة من القاهرة

 

ومنذ اندلاع القتال في 7 أكتوبر، دعا عبدالفتاح السيسي مرارا وتكرارا إلى وقف إطلاق النار وحث على السلام الإقليمي، مما يجعل أي عمل عسكري غير مرجح حتى لو دخلت قوات الاحتلال الممر.

وقال شتاين لـ”العربي الجديد”: “نطاق المناورات في مصر محدود للغاية، لدى الحكومة المصرية علاقات عسكرية وأمنية وثيقة جدا مع إسرائيل، أعتقد أنه من المستبعد جدا أن يكون هناك أي نوع من القوة القاهرة التي من شأنها أن تعجل برد عسكري مصري”.

ووفقا لماتيو كولومبو، الباحث في معهد كلينغندايل، فإن سلطات الاحتلال تعول على تقاعس مصر في الوقت الذي تفكر فيه في غزو المعبر.

وأضاف “تعرف إسرائيل أن مصر لا تستطيع فعل أي شيء إذا انتقلت إسرائيل إلى معبر فيلادلفيا، بالطبع سوف يشتكون لكن مصر لن تتخذ أي إجراء، قد تقوم إسرائيل بمخاطرة محسوبة وتزعم أنها لأسباب أمنية”.

وبغض النظر عن موقف مصر من الاتزان في هذا الشأن، فإن مثل هذه الإهانة من قبل الاحتلال من شأنها أن تجبر العالم الأوسع ، وحتى أقوى حلفاء إسرائيل على الجلوس وملاحظة ذلك.

ويرى مصطفى كمال السيد أن “الحكومة المصرية لن تخاطر بزعزعة استقرار المنطقة وتوسيع الصراع في غزة، لكن في الوقت نفسه، لن تقبل مصر أن يحدث هذا الوضع مع سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا، وتعول الحكومة المصرية على ضغوط من الولايات المتحدة لمنع إسرائيل من السير على هذا الخط”.

إن المزيد من تفكك الإنجازات الدبلوماسية بين مصر والاحتلال سيكون كارثة بالنسبة للولايات المتحدة ، حيث إن البلدين حليفان وثيقان لها في المنطقة، وقد دفعت السياسة الخارجية الأمريكية منذ فترة طويلة من أجل السلام بين الجارتين.

وقال شتاين: “سيكون من المحرج للغاية للولايات المتحدة إذا انتقلت إسرائيل إلى ممر فيلادلفي وانتهكت معاهدة السلام كامب ديفيد، لأن الولايات المتحدة طرف في المعاهدة”.

 

أهمية معاهدة السلام

عندما وقعت مصر على معاهدة كامب ديفيد، مهدت الدولة الطريق لتطبيع العلاقات بين الاحتلال والدول العربية، وفي العقود التالية سمحت المعاهدة لمصر بالحفاظ على دورها كصانع سلام رئيسي في المنطقة، فضلا عن تلقي الحوافز الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها.

وقال شتاين لـ”العربي الجديد”: “المعاهدة تمكن مصر من المطالبة بالكثير من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة وما يؤمن مصر كحليف لا غنى عنه للولايات المتحدة” .

وقال محيي الدين: “مصر هي ثاني أكبر دولة في العالم في تلقي المساعدات من الولايات المتحدة مع 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية و 250 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية”.

كما اكتسبت إسرائيل العديد من المزايا من الاتفاق، بدءا من السلام إلى التجارة، ومن شأن خرق محتمل أن يضر بمكانتها مع العالم العربي بشكل لا رجعة فيه.

وأوضح السيد “لقد كان مكسبا كبيرا لإسرائيل أن تكسب السلام من خلال التوقيع على معاهدة كامب ديفيد، الآن أعتقد أن الإسرائيليين يضحون بمزايا السلام مع أكبر دولة في العالم العربي، أعتقد أنه من قصر نظر إسرائيل أن تهدد بالسيطرة الكاملة على ممر فيلادلفيا”.

وهو يعتقد أنها أيضا معاهدة غير متكافئة، بمعنى أنها أعطت لإسرائيل أكثر من مصر، وضعت المعاهدة قيودا صارمة على السيادة المصرية في سيناء ولم يقابل ذلك التزامات مماثلة من جانب إسرائيل.

وقال محيي الدين: إن “تصريحات دولة الاحتلال في الأشهر الأخيرة تشير إلى أنها لم تعد تقدر التزام مصر بالحفاظ على العلاقات”.

وأضاف محيي الدين “حتى من نظام السيسي الذي تم فيه التوصل إلى أوثق العلاقات مع إسرائيل، تشير التصريحات الإسرائيلية إلى أن ذلك لن يكون كافيا لإسرائيل، على الرغم من حملة السيسي منذ عام 2013 ضد أنفاق التهريب مع غزة، حيث تم إغلاق حوالي 3000 نفق، وتمسك السيسي بالسياسة الإسرائيلية المتمثلة في فرض حصار على غزة مع القليل من المساعدات والبضائع للمرور عبر معبر رفح”.

إن عدم الاعتراف الإسرائيلي بجهود مصر لم يغب عن القاهرة. وأصدرت الهيئة العامة للاستعلامات في مصر بيانا قالت فيه: إن “مصر تنظر إلى تصريحات نتنياهو على أنها اتهام مباشر بأنهم يسمحون أو يسمحون بتهريب الأسلحة إلى جماعات المقاومة في غزة”.

 

الرأي العام

في جميع أنحاء مصر، هناك غضب واسع النطاق تجاه الاحتلال ودعم للفلسطينيين المتضررين من العنف في غزة، مما قد يؤثر على رد النظام، كان المصريون داعمين علنا للقضية الفلسطينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجتمع الأوسع أعرب الكثيرون عن قلقهم بشأن إمكانية سيطرة الاحتلال على مدخل سيناء.

وقال كولومبو “على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار الرأي العام إلى حد ما، هناك نوع من الضغط من الأسفل إلى الأعلى لمصر للحد من تعاونها مع إسرائيل قدر الإمكان”.

وبحسب محيي الدين، فإن سيناء هي المنطقة الأكثر حساسية في مصر، حيث شهدت تاريخيا عشرات الآلاف من الشهداء دفاعا عن السيادة المصرية عليها، إنها ليست مجرد قضية حدودية، إنها قضية وطنية وثقافية واقتصادية واجتماعية، ولن يتخلى عنها المصريون أبدا”.

 

 

رابط التقرير: هنا