اقترج الباحث الاقتصادي والاجتماعي عبجالحافظ الصاوي؛ فتح موقع يجمع تدوينات رصينة لمن مروا بتجارب السجن، في بلدان العالم العربي والإسلامي، لنستفيد من تلك التجارب الثرية، في إنضاج حياتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية.
وأشار Abdelhafez Elsawi عبر فيسبوك بمقال عناونه (دفاتر السجن) كتبه مقتبسا العنوان من كتاب لأنطونيو جرامش المفكر الشيوعي الإيطالي الذي أمضى سنوات في سجنه مستدعيا رصيدا لعلماء مسلمين في الماضي والحاضر القريب قدموا وهم في السجن رصيدا من هذه التجارب.
وأكد “الصاوي” وهو ينحدر من منطقة ناهيا بمحافظة الجيزة أنه “لابد من يوم سيأتي وتنعم فيه دولنا العربية والإسلامية بأنوار الحرية، والواجب ألا تمر تجارب السجون بلا تدوين أو إفادة، وبخاصة أن هذه السجون ضمت صفوة ابناء الحركات الإسلامية، وحتى لا تطوى حياة هؤلاء وتذهب معهم أفكارهم التي يمكن أن تفيد الأجيال القادمة”.
وحدد عبدالحافظ الذي سبق له أن خاض التجربة بمعتقل طره، أنه ليس الهدف من إنشاء مثل هذا الموقع (موقع تدوينات تجارب السجون) المقترح، أن يتحول إلى بكائية، أو مشتمة للنظم الديكتاتورية في دولنا العربية والإسلامية – وإن كانت تستحق ما هو أكبر من الشتم-، ولكن الهدف، أن نصل إلى بلورة نظريات وأفكار ومنتجات علمية تفيد أمتنا والإنسانية جمعاء، كما فعل علماؤنا السابقون، وكذلك غيرنا من المفكرين غير المسلمين مثل جرامش.
وحض على النفع حتى ب”الحكايات غير المنتظمة في ثوب علمي”، وذلك “في ضوء الدراسات الاجتماعية، من قبل المعنيين بعلم الاجتماع وكذلك علم النفس، بل والرصد التاريخي للفكر الإسلامي”.
دفاتر السجن
وقال: “السجن في مسيرة الاسلاميين ملمح بارز، لم ينج منه فصيل في أي بلد عربي أو إسلامي، وحتى في العصور السابقة، إبان ما بعد الخلافة الراشدة، تُسطر لنا صفحات التاريخ، كيف دون العلماء والفلاسفة، كتبهم في السجن، فكتاب المبسوط في الفقه الحنفي للامام السرخسي، الذي يضم 30 مجلدا، كتبه في سجنه، وغيره الكثير من العلماء الذين ابتلوا بمحنة السجن”.
وأضاف، “وقد سجلت لنا التجارب صفحات من الأدب والشعر والسير الذاتية التي تعكس تجربة السجون، وما ارتبط بها من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية، وكذلك كيف أثرت في فكر وعقول من مروا بالتجربة، وكانت النتيجة أن ثمة أفكارًا تبدلت، واشخاصًا تحولوا”.
لن يستفيدوا
وحكم عبدالحافظ على الجلادين أنهم لن يبصروا أبدا، فاستدرك، “لكن الذي لم يتغير هو الدولة البوليسية الاستبدادية في عالمنا العربي والإسلامي، فلم تستفيد من التجارب، وأورثت الأمة كوارث، ساهمت في تراجع أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت تلك الدولة منبع فتنة للمسلمين وغيرهم، ونموذجًا شديد التشوه للإسلام والمسلمين”.
إنجازات حاضرة
وعما بين أيدينا اليوم من انجازات أدبية وعلمية، أشار الصاوي إلى إلى تجربة العصر الحديث، الخاصة بالسجون، وصدور بعض الكتب التي كانت معنية بتصحيح الأفهام، مثل دعاة لا قضاة، ومساهمات عدة للأستاذ سيد قطب رحمه الله، وكذلك مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر في النصف الثاني من التسعينيات.
وأضاف لذلك “انجازات علمية على المستوى الفردي للمسجونين من الإسلاميين، تمثلت في انجاز الدراسات الجامعية، وما بعد الجامعية من رسائل ماجستير ودكتوراة، حتى أن بعض أساتذة الجامعات، أخبروني أثناء أحاديث خاصة، من أنهم تمكنوا من انجاز بعض الكتب العلمية في السجن، وقاموا بتدريسها في كلياتهم بعد أن أنعم الله عليهم بالحرية”.
ولفت إلى أنه عند مراجعة بعض القراءات عن المفكر الشيوعي الإيطالي انطونيو جرامش، وهو صاحب نظريات اقتصادية واجتماعية متميزة، وانجز جزء ًا كبيرًا منها في سجنه، وسمى بعض هذه المساهمات بعنوان هذه التدوينة “دفاتر السجن”.
التجربة الذاتية
وحكى “الصاوي” عن تجربته الذاتية في الاعتقال الأولى في عام 1990، فقال: “مكثت 7 ايام في حجز مركز امبابة قبل ترحيلي لسجن استقبال طرة، لم تغب عني روح الباحث، فكنت أرصد كيف تنمو وتزدهر الجريمة في مجتمعنا، كيف يُربى الصغار على الجريمة، كيف تُنظم تجارة المخدرات من قبل رجال الأمن والمخبرين، كيف يعيش رجال تجارة المخدرات داخل حجز مراكز الشرطة، وكيف يتعامل باقي مرتكبي الجرائم مع بعضهم بعضًا”.
وأضاف، “وعند الانتقال للسجن، عايشت ألوان طيف المتدينين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من تكفريين ومعتنقي تيار العنف، وكيفية تعامل إدارة السجن في هذا الطيف، ولمحت مستويات اجتماعية مختلفة، وكم كانت الرغبة في التغيير لدى هذه الطوائف هي مبعث تكوين أفكارهم وسلوكهم”.