فى عصر “انجازات السيسي” .. الجرائم الأسرية تغزو المجتمع المصرى بسبب الفقر وتراجع مستوى المعيشة

- ‎فيتقارير

فى عصر “انجازات السيسي”…الجرائم الأسرية تغزو المجتمع المصرى بسبب الفقر وتراجع مستوى المعيشة

 

الجرائم تزايدت معدلاتها بصورة غير مسبوقة فى زمن الانقلاب الدموى بقيادة عبد الفتاح السيسي بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة وتراجع مستوى المعيشة وتزايد أعداد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 70 مليون مواطن وفق بيانات البنك الدولى.

هذه الأوضاع جعلت الابن يقتل أباه والأب يقتل زوجته وأبناءه والأخ يقتل أخاه وهكذا أصبحت أوضاع المجتمع المصرى مأساوية فى الوقت الذى تزعم فيه حكومة الانقلاب أن مصر تعيش فى عصر الانجازات أو عصر جمهورية “الخيبة” الجديدة.

 

عزبة الصفيح

 

من هذه الجرائم شهدت عزبة الصفيح التابعة لقرية كفر منصور فى طوخ بمحافظة القليوبية جريمة قتل مروعة حيث أقدم أب على قتل زوجته وطفليه بدم بارد، ثم قام بحرق والدته وأصاب شقيقه بجروح خطيرة.

وقعت الجريمة فى الساعات الأولى من الصباح، عندما استيقظ الطفل الضحية وشقيقته وتوجها إلى والدهما طلبًا للإفطار، وبعد تناول وجبتيهما، جلس الأب فى حالة شرود تام وفجأة، قام بالاعتداء على زوجته وطفليه بالسلاح الأبيض، ليذبحهم جميعًا دون رحمة.

لم تتوقف فصول هذه المأساة عند ذلك الحد، حيث توجه الجانى إلى منزل والدته وشقيقه واستغل نومهما ووضع مواد قابلة للاشتعال داخل المنزل، ثم أشعل النيران وأسفر ذلك عن مصرع والدته حرقًا، بينما نُقل شقيقه إلى المستشفى فى حالة حرجة.

 

قرية دكران

 

كما شهدت قرية دكران بمركز أبو تيج بمحافظة أسيوط واقعة مأساوية هزّت المنطقة بأكملها، حيث أقدم أب على ارتكاب جريمة بشعة باستخدام ساطور، أسفرت عن مقتل ثلاثة من أبنائه وإصابة الابن الرابع بجروح خطيرة.

ووفقاً لشهود عيان، كان الأب المدعو “فتح الله. أ. ن”، يعانى من اضطرابات نفسية حادة الأمر الذى دفعه إلى الاعتداء الوحشى على أبنائه داخل المنزل.

وأكد الجيران الذين هرعوا إلى مكان الحادث أنهم سمعوا صراخ الابن الرابع، الذى نجا بأعجوبة من الموت بعد أن أصيب بإصابات بالغة وتم نقله إلى العناية المركزة بمستشفى أبوتيج النموذجي. أما الأبناء الثلاثة الآخرون، فقد فارقوا الحياة جراء الإصابات الجسيمة التى لحقت بهم. 

 

وفى حادثة مروعة هزت قرية حلابة بمركز قليوب بمحافظة القليوبية أقدم أب على ارتكاب جريمة قتل بشعة بحق أبنائه الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وواحد وعشرين عامًا هذه الجريمة أثارت صدمة واسعة فى المجتمع المصري، خاصة مع الكشف عن الدوافع التى قادت إلى ارتكابها. 

 

اختلالات عميقة

 

حول هذه الكوارث قال الخبير القانوني أيمن محفوظ المحامى: الجريمة الأسرية أصبحت واحدة من أخطر الظواهر التى تهدد المجتمع المصرى مؤكدًا أنها تجاوزت حدود الأخلاق والقيم الإنسانية، وبدأت تضرب النسيج الأسري، الذى يعتبر الركيزة الأساسية لأى مجتمع.

 

وأضاف محفوظ فى تصريحات صحفية أن تفاقم هذه الجرائم وتحولها إلى ممارسات بشعة تتراوح بين التحرش والاعتداء وزنا المحارم وصولاً إلى القتل، يعكس وجود اختلالات عميقة فى القيم الاجتماعية والإنسانية، مؤكدًا أن الجريمة الأسرية ليست مجرد انتهاك لحقوق أفراد الأسرة، بل هى انعكاس لتدهور القيم الإنسانية فى المجتمع.

 

وشدد على أن مسئولية التصدى لهذه الظاهرة تقع على عاتق الجميع، سواء من خلال تعزيز القيم الدينية والأخلاقية، أو بتطبيق القانون بصرامة، أو عبر توفير الدعم النفسى والاجتماعى لافتًا الى أنه بهذه الخطوات يمكن تقليل معدلات الجريمة الأسرية وبناء مجتمع أكثر أمانًا واستقرارًا. 

 

وأشار محفوظ إلى أن غياب الوازع الدينى والأخلاقى يُعد أحد أبرز أسباب انتشار الجريمة الأسرية، حيث يؤدى ذلك إلى تراجع الفطرة السليمة التى تحث على حماية أفراد الأسرة بالإضافة إلى ذلك، تسهم الاضطرابات النفسية غير المعالجة فى دفع الأفراد لارتكاب جرائم مروعة ضد أقرب الناس إليهم كما أن العنف المتوارث داخل الأسر يعزز من قبول العنف كوسيلة لحل الخلافات.

 

وأكد أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورًا رئيسيًا فى تفاقم هذه الظاهرة، حيث تؤدى إلى اضطراب العلاقات الأسرية وزيادة التوتر بين أفراد الأسرة علاوة على ذلك، فإن إدمان المخدرات والكحول يزيد من وقوع الجرائم خاصة وأن انعدام الرقابة القانونية أو ضعف تطبيق القوانين يجعل الشعور بالإفلات من العقاب محفزًا إضافيًا لارتكاب الجرائم.

 

وطالب محفوظ، بالعمل على تعزيز التربية الأخلاقية والدينية داخل الأسر والمجتمع، بما يساهم فى بناء علاقات أسرية قائمة على الاحترام والمحبة مشيرا الى أن توفير الدعم النفسى من خلال مراكز متخصصة يمكن أن يساعد فى علاج الاضطرابات النفسية التى تدفع إلى ارتكاب الجرائم.

 

وأوضح أن التشديد على تطبيق القوانين ومعاقبة مرتكبى الجرائم الأسرية بصرامة يعد خطوة ضرورية لردع مثل هذه الجرائم ومنع تكرارها مطالبًا بإطلاق حملات توعية شاملة تسلط الضوء على خطورة الجريمة الأسرية وتأثيرها المدمر على الأفراد والمجتمع، بحانب مكافحة الإدمان عبر إنشاء برامج خاصة لعلاج المدمنين وتوفير الدعم الاقتصادى للأسر الفقيرة لتخفيف الضغوط التى تؤدى إلى تفكك العلاقات الأسرية.

 

ضغوط حياتية

 

وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن ظاهرة العنف الأسرى تخطت كل الحدود، وبعد أن كان الموضوع متوقفًا على مصطلح عقوق الوالدين تطور الأمر للجريمة التى يرتكبها الابن أو الابنة فى حق الوالدين.

وحذرت “سامية خضر”، فى تصريحات صحفية من أن جرائم الأبناء ضد الآباء أصبحت ظاهرة بغيضة تهدد أمن واستقرار الدولة المصرية، وتكشف المعاناة التى نالت من الآباء رغم معاناتهم الكبيرة فى تربية أبنائهم والانفاق عليهم فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها الجميع بلا استثناء.

وعن طرق العلاج ومكافحة تلك الظاهرة؛ أكدت أن هناك العديد من طرق العلاج التى تساهم فى تقليل تلك الجرائم البشعة، منها على سبيل المثال تربية الأبناء على الطرق الإسلامية الحميدة وغرس القيم والفضائل فيهم مع الاهتمام بالعلاقات الانسانية وصلة القرابة وتفضيلها على الماديات.

وشددت “سامية خضر” على ضرورة البعد عن الضغوط الحياتية بالخروج والتنزه ولو فى محيط الاقارب لأن ذلك يولد طاقة إيجابية تنعكس بدورها على محيط الأسرة بالكامل مطالبة بتوفير قنوات وبرامج تعليمية وتقويمية تحث الأطفال على أهمية العلاقات الإنسانية والاهتمام بالجانب الدينى لجميع المذاهب بدلا من أن يتركهم الأهل فى الشوارع وبالتالى يكتسبون ثقافتهم من أبناء الشوارع وقطاع الطرق واللصوص.

 

وحذرت من أن هذا يولد بدوره معتقدات خاطئة ويؤدى إلى تكوين شخصية قد تظل معه لنهاية المطاف ما يجعله شخصًا غير سوى فى المستقبل، ومن اليسير له أن يرتكب جريمة لكون تلك العلاقة العنصر الأهم بها هو المادة.

وشددت “سامية خضر” على أن جرائم الأسرة لها آثار بالغة السوء على الأفراد والمجتمع ككل، لأنها تتسبب فى اضطرابات نفسية عميقة لدى الضحايا.

 

زيادة مقلقة

 

وحذر الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسي بجامعة عين شمس من أن هناك زيادة مقلقة فى معدل الجرائم الأسرية، موضحًا أن هذا يرتبط بعدة عوامل نفسية تؤثر على الأفراد داخل الأسرة من أبرز هذه العوامل الضغوط النفسية والاقتصادية التى تنشأ من الأزمات المالية والبطالة، مما يؤدى إلى تصاعد التوتر داخل المنزل.

وقال فرويز فى تصريحات صحفية إن البعض يعانى من اضطرابات نفسية غير معالجة، مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية، مما يجعلهم أكثر عرضة للسلوك العدواني، موضحًا أن تعاطى المخدرات والكحول يعد سببًا رئيسيًا لتدهور السيطرة على السلوك وارتفاع معدلات العنف داخل الأسرة.

 

وأشار إلى أن التنشئة الأسرية الخاطئة والتعرض للعنف فى الطفولة قد تكون عوامل مؤثرة تكرس هذه الأنماط السلبية عبر الأجيال موضحًا أنه إلى جانب الأسباب النفسية، تلعب العوامل الاجتماعية دورًا كبيرًا فى زيادة الجرائم الأسرية مثل تفكك الروابط الأسرية وضعف التواصل بين أفراد الأسرة وانعدام الشعور بالأمان داخل المنزل.

وأوضح فرويز أن التغيرات الثقافية والقيمية، مثل تراجع القيم الأسرية التقليدية وتأثير وسائل الإعلام التى قد تروج للعنف كحل للمشكلات، تساهم فى تفاقم هذه الظاهرة مؤكدًا أن ضعف الوعى القانونى يعد مشكلة أساسية، حيث يجهل البعض حقوقهم أو يخشون الإبلاغ عن العنف بسبب وصمة اجتماعية أو خوف من الانتقام.

 

وأضاف: هناك عدة حلول لمعالجة تلك الظاهرة ومواجهتها منها: التثقيف الأسرى، تقديم دورات لتعليم مهارات التواصل وإدارة الغضب وتشجيع الأزواج على طلب المساعدة عند الحاجة، إلى جانب تعزيز الدعم النفسى عبر توفير مراكز استشارية نفسية متاحة للجميع، مع نشر الوعى بأهمية العلاج النفسى وتأثيره الإيجابى على استقرار الأسرة، مؤكدًا أن تطبيق القوانين الرادعة ضد الجرائم الأسرية وتوفير الحماية للضحايا يمثل خطوة هامة لتقليل معدلات العنف.

 

وشدد فرويز على ضرورة زيادة البرامج المجتمعية التى تركز على بناء الروابط الأسرية، وتقديم الدعم الاقتصادى والاجتماعى للأسر المحتاجة من أجل معالجة جذور المشكلة لافتًا إلى أن الإعلام يجب أن يلعب دورًا محوريًا فى نشر رسائل إيجابية عن أهمية الحوار والتفاهم الأسري، مع تجنب عرض محتوى يروج للعنف أو يعزز السلوكيات السلبية.

وخلص إلى القول أن معالجة ظاهرة الجرائم الأسرية تحتاج إلى تعاون جماعى من جميع أطراف المجتمع، بما فى ذلك الأسر، الجهات الحكومية، والمجتمع المدني، مؤكدًا أنه من خلال هذا التعاون يمكننا ضمان بيئة أسرية آمنة ومستقرة، تساهم فى بناء مجتمعات أكثر صحة وسلامة.