تتصاعد الانتقادات لمشروع قانون الايجار القديم الذى أعدته حكومة الانقلاب خاصة وان هذه التعديلات تعمل على تشريد ملايين الأسر التى تقيم فى وحدات سكنية مؤجرة بالنظام القديم ولا تقدم حلا لتسكين هذه الأسر فى وحدات جديدة كما أن دولة العسكر ترفض تحمل مسئوليتها فى تقديم وحدات إسكان اجتماعى لهذه الأسر .
يشار إلى أن القانون يهدد 1.8 مليون أسرة (حوالي 6 ملايين فرد)، وتتركز المشكلة في المناطق الحضرية (93%)، حيث تستحوذ 4 محافظات هى: القاهرة الكبرى والإسكندرية على 82% من إجمالي الحالات. وأكثر من ثلث الأسر (35%) المتأثرة بالقانون تدفع إيجارًا شهريًا أقل من 50 جنيهًا وهو ما يوضح حجم الخلل الاقتصادي.
وتؤكد الإحصاءات أن الغالبية العظمى من الأسر (86%) يملكون وحدات سكنية، فى حين أن 13% من إجمالى عدد الأسر تتأثر بقوانين الإيجار، 7% منهم يقعون تحت طائلة قانون الإيجار القديم.
ووفقًا لتعداد عام 2017 هناك حوالي 42 مليون وحدة سكنية ما بين إيجار وتمليك، 3 ملايين وحدة منهم بعقود إيجار قديم، تمثل نسبة 7.6% من إجمالي الوحدات، موزعة على استخدامات مختلفة سكنية وغير سكنية.
كارثة اجتماعية واقتصادية
حول مخاطر هذه الأزمة قالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية إن جوهر الأزمة يكمن في غياب منهجية واضحة لفهم حجم المشكلة بدقة، مشيرة إلى أن صوت أصحاب المشكلة عالى، لكن الأهم هو أن تعرف حكومة الانقلاب حجم المشكلة حتى يتم تقدير مسئوليتها بشكل صحيح واتخاذ قرارات سليمة لتعويض المتضررين .
وكشفت عبلة عبد اللطيف فى تصريحات صحفية أن حكومة الانقلاب لم تتعامل مع قضية الإيجار القديم بشكل سليم من خلال تحليل المشكلة ووضع حلول تراعى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والعدالة بين الأطراف.
وانتقدت مشروع القانون الأخير للإيجار القديم، موضحة أنه يحدد فترة إنهاء التعاقد بـ7 سنوات دون توضيح آليات التمديد أو الخروج الآمن، بجانب تجاهل الفروق بين الحالات مثل غياب التمييز بين مستأجر دفع "خلو رجل"، وآخر يقيم في العقار منذ عقود دون مقابل مناسب، وهو ما يؤدي إلى غياب العدالة ويضر بشرائح غير قادرة على التعامل مع فجائية الإخلاء مثل أصحاب المعاشات وأصحاب الدخول المنخفضة،
وأعربت عبلة عبد اللطيف عن تشككها فى حيادية لجان الحصر التى نص عليها مشروع القانون، بسبب عدم وجود معايير لتشكيل هذه اللجان تضمن تمثيل المتضررين بها مشيرة الى أن دولة العسكر تعاملت مع الأزمة كـ"تشريع جامد" بدلا من اعتبارها "سياسة عامة" تتطلب المرور بخطوات التحليل والتقييم والرقابة والمراجعة .
وشددت على أن القانون بشكله الحالى لا يصلح إلا بتعويض المتضررين، وهو ما يتطلب معرفة المتضررين بشكل محدد من خلال معلومات وبيانات دقيقة، داعية إلى تتضمن اللائحة التنفيذية للقانون معالجة أوجه القصور الموجودة به بالإضافة إلى رصد المعلومات المطلوبة عن جميع الحالات المختلفة (مثل الحالات التي تم فيها دفع مبالغ كبيرة كـ"خلو رجل" أو خلافه)، مع وضع حلول مناسبة لكل منها.
واقترحت عبلة عبد اللطيف إنشاء صندوق خاص للتعامل مع المتضررين من تعديل القانون، كأصحاب المعاشات، ووضع أولوية في تنفيذ القانون المعدل على الحالات المحسوم أمرها، مثل الوحدات المغلقة أو التي تحتاج إلى صيانة وترميم، وضرورة وجود رقابة فعالة على أعمال لجان الحصر، لضمان الشفافية في تصنيف المناطق، والتأكد من أن التصنيف يتم بحيادية ودون تحيز.
وحذرت من أن تجاهل هذه الاعتبارات قد يؤدي إلى "كارثة اجتماعية واقتصادية"، مؤكدة أن دولة العسكر ما زال أمامها فرصة لتدارك الأمر من خلال إعداد لائحة تنفيذية عادلة ومنصفة.
العلاقة الإيجارية
وقال المحامى ميشيل حليم، المستشار القانونى لرابطة المستأجرين، إن المستأجرين مع إصدار قانون جديد للإيجار وتحريك القيمة الإيجارية، لكن محور الخلاف هو الفترة الانتقالية وإنهاء العلاقة الإيجارية التى تم النص عليها بـ7 سنوات للإيجارات السكنى و5 سنوات لغير السكنى.
أضاف حليم فى تصريحات صحفية ، أن المستأجرين متمسكون بحق الامتداد الذى نص عليه حكم المحكمة الدستورية العليا، بينما إنهاء العلاقة الإيجارية يختلف مع مبادئ وأحكام المحكمة الدستورية السابقة مؤكدا أن عددًا كبيرًا من المستأجرين يشعرون بالقلق والبعض غاضب من القانون الجديد.
وحذر من أن الكثير من القوانين صدرت وتم العمل بها لكن قضى بعدم دستوريتها فيما بعد، وهذا ما سيحدث فى القانون الجديد للإيجار، مشددا على أن القانون يحتاج لإجراء دراسة أمنية تتعلق بإجراءات تنفيذ الطرد، لأنه خلال سنوات سيتم طرد ملايين المستأجرين بشكل جماعى.
وشدد حليم على ضرورة مراعاة أن هناك تحديات اجتماعية وتضخم فى الأسعار يواجه المجتمع حاليا، مؤكدا
أن المستأجرين موافقون على إجراء الصيانات اللازمة للعقارات وتفعيل قانون اتحاد الشاغلين، لكن معترضون على تقسيم المناطق إلى متميزة ومتوسطة واقتصادية.
وطالب حليم لجان الحصر بتحديد المناطق وفقًا لمساحة العقار وحالته وتاريخ البناء وتفعيل تسجيل العقارات، داعيًا المستأجرين إلى تقديم دعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا لوقف تنفيذ القانون.
وفيما يتعلق بإخلاء الوحدات المغلقة بعد سنة، أشار إلى أن مدة السنة غير كافية لإثبات أن الوحدة كانت مغلقة، لأن الغلق قد يكون لأسباب السفر للعمل أو المرض أو غيرها.
انقسام مجتمعي
وأكد الخبير الاقتصادى الدكتور زياد بهاء الدين أن أزمة تعديلات قانون الإيجار القديم تمثل حالة نموذجية لتضارب مفهومي العدالة القانونية والاجتماعية، مشيرا إلى أن التشريع المطروح لا يمكن أن يعالج بمادة واحدة واقعا متشعبا بهذه الدرجة من التعقيد.
وقال بهاء الدين فى تصريحات صحفية إن القانون الجديد يخص عددا محدودا نسبيا من الأسر من حيث النسبة، لكنه يمس فعليا حياة ملايين المواطنين، ويؤثر بشكل مباشر على حق أصيل كحق السكن، الذي لا يمكن اعتباره مجرد ميزة مؤقتة، بل هو حق دستوري وإنساني.
وشدد على أن مناقشة القانون لا يجب أن تنطلق فقط من زاوية الحقوق المجردة للملاك أو المستأجرين، بل من ضرورة التوفيق بين مفهومين للعدالة: العدالة القانونية، التي تنص على احترام الملكية الخاصة وحرية التصرف فيها، والعدالة الاجتماعية، التي تحمي حقوق من استقرت أوضاعهم لسنوات بناء على تشريعات سابقة وظروف اجتماعية واقتصادية لا يمكن إنكارها.
وكشف بهاء الدين أن الفجوة بين المفهومين هي ما ينتج الانقسام المجتمعي الحاد حول التعديلات المقترحة، مشيرا إلى أن هذا الانقسام طبيعي ويحدث في قضايا مشابهة، مثل قوانين العمل، التي تهدف بالأساس إلى الموازنة بين مصالح متعارضة.
وأوضح أن هذه الفجوة لا تُعالج بنص قانوني واحد، بل تحتاج إلى معالجة متدرجة وواقعية تقوم على تصنيف دقيق للفئات المتأثرة مشيرا إلى وجود حالات متعددة لا يمكن مساواتها: منها مستأجرون مهاجرون لا يقيمون في مصر منذ سنوات، وآخرون يمتلكون عدة وحدات سكنية ويحتفظون بوحدة قديمة بإيجار زهيد، وفي المقابل، هناك فئات محدودة الدخل تعتمد كليا على هذه المساكن في حياتها اليومية ولا تملك بدائل أخرى. واعتبر بهاء الدين أن غياب هذا التمييز داخل مشروع القانون يُعد إحدى ثغراته الجوهرية منتقدا اقتصار تقسيم المشكلة على نوعية العقارات وليس على أوضاع المقيمين بداخلها، كما أن نقص المعلومات الدقيقة عن المستفيدين الحقيقيين أحد أبرز أوجه القصور.
وحذر من أن الشكل الحالي للقانون قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من المنازعات القضائية، لاسيما مع صلاحيات لجان الحصر والتقدير، التي تُعد لجانا إدارية وقد يُطعن في قراراتها أمام القضاء الإداري. مشيرا إلى أن الخلاف حول امتلاك وحدة سكنية إضافية من عدمه، مثلا، سيفتح بابا كبيرا من التقاضي، وهو ما يتناقض مع ما قيل عن أن التشريع يستهدف تقليل المنازعات.
واقترح بهاء الدين أن تتدخل دولة العسكر لتسد الفجوة القائمة بين العائد الاقتصادي العادل للمالك، وحق المستأجر في استمرار حياته بكرامة، من خلال آلية دعم اجتماعي موجه، معتبرا أن هذا التدخل ليس بدعة، بل سياسة اقتصادية معمول بها في دول العالم كافة.
وأعرب عن مخاوفه من أن القانون بصيغته الحالية لن يكون حلا كافيا، وربما يتطلب تعديلا بعد ذلك .