رغم الاحتفاء الرسمي بما سُمّي "أعلى فائض أولي في تاريخ الموازنة المصرية"، تكشف الأرقام والتقارير المستقلة أن ما جرى الإعلان عنه لا يعدو كونه عملية تجميل محاسبي تتجاهل الديون وفوائدها التي تبتلع معظم موارد الدولة. وهو ما يطرح تساؤلاً حاداً: إلى متى يواصل المنقلب السفيه السيسي تحميل المصريين فاتورة فشله وفساد نظامه؟ وإلى أي مدى تستطيع البلاد مواصلة سداد ديون غير مسبوقة تهدد حاضرها ومستقبلها؟
فائض ورقي.. وديون تكسر ظهر الدولة
في 17 أغسطس الجاري، أعلن وزير المالية بحكومة الانقلاب أحمد كجوك أمام السيسي ورئيس حكومته مصطفى مدبولي تحقيق فائض أولي قدره 629 مليار جنيه (نحو 13 مليار دولار). لكن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وصفت الإعلان بأنه "تدليس محاسبي"، لأن الحسابات استبعدت أقساط وفوائد الدين التي تلتهم قرابة ثلثي النفقات الحكومية.
الأخطر أن مدفوعات الفوائد وحدها في العام المالي الماضي بلغت ثلاثة أمثال الفائض المعلن، أي أن ما تصوره الحكومة إنجازاً لا يكفي لتغطية التزامات الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال نصف عام فقط.
تصاعد الديون.. وانهيار الأولويات
بيانات البنك المركزي تكشف الوجه الحقيقي: مصر ستسدد في عام 2026 نحو 27.8 مليار دولار خدمة ديون (فوائد + أقساط)، بزيادة عن تقديرات سابقة. هذه الأرقام تعني أن الفائض المزعوم يتلاشى أمام جبل الديون، وأن الحديث عن "تحسن الأداء الاقتصادي" ليس سوى تضليل للرأي العام.
في المقابل، خصصت الموازنة للصحة 1.16% فقط من الناتج المحلي، وللتعليم 1.7%، أي أقل من نصف الاستحقاق الدستوري، بينما التهمت فوائد الاقتراض وحدها نحو 47% من الإنفاق العام.
المصريون يدفعون الثمن
المبادرة المصرية وصفت موازنة 2024/2025 بأنها "موازنة فوائد الديون"، مؤكدة أن "التقشف لنا والأرباح للدائنين". المواطن المصري بات يتحمل عبء قرارات حكومية متتالية: رفع أسعار الخبز والوقود والدواء والمواصلات، مقابل تراجع حقيقي في الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات.
بحسب البيانات، يبلغ نصيب الفرد من فوائد الديون الحكومية وحدها 17.2 ألف جنيه سنوياً، في حين لا يتجاوز نصيبه من الإنفاق على الصحة 1900 جنيه. أي أن المواطن عملياً يمول أرباح الدائنين أكثر مما يحصل على حقه في العلاج أو التعليم.
الحلقة المفرغة.. إلى متى؟
السياسات المالية للنظام تقوم على الاقتراض لسداد القروض السابقة، ما يرسخ حلقة مفرغة لا يعرف أحد مداها الزمني. ورغم وعود الحكومة بخفض فاتورة خدمة الدين، فإن الواقع يظهر العكس: زيادة حادة في مدفوعات الفوائد وتراجع في الاستثمارات العامة، أي أن المستقبل مرهون بالكامل لسياسات الدين، بينما يُترك المواطن للنزيف اليومي من الغلاء والتقشف.
خدعة مكشوفة
الحديث عن "فائض الموازنة" ليس إلا خدعة مكشوفة، هدفها إخفاء حقيقة أن مصر غارقة في دوامة ديون غير مسبوقة. والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى يواصل السيسي بيع الوهم للمصريين، بينما تُسدد الأجيال الحالية والقادمة ثمن فشل وفساد نظامه؟