مع بداية العام الدراسى الجديد عادت أزمة الدروس الخصوصية لتكشف عن فشل وزارة تعليم الانقلاب فى إعادة المدارس إلى دورها التعليمى الذى كان هو الأساس فى الماضى ولم يكن يلجأ إلى الدروس الخصوصية إلا الطالب الفاشل لكن الطلاب وأولياء الأمور يؤكدون الآن أنهم مضطرون إلى اللجوء إليها لأن المدارس لا تقوم بأى دور فى التعليم .
وبعد أن كانت الدروس الخصوصية تنطلق مع بداية العام الدراسى، انطلقت هذا العام فى شهر أغسطس الماضى أى قبل حوالى شهرين كاملين من بدء العام الدراسي!.. ووصل سعر الحصة الواحدة إلى 250 جنيها فى بعض المواد الأساسية وهى بذلك تنهش ميزانيات ملايين الأسر
ورغم تجريم وزارة تعليم الانقلاب لهذه الظاهرة وقيام المحليات بإغلاق العديد من مراكز الدروس الخصوصية كل عام، إلا أن الدروس الخصوصية صارت هى المتحكم فى العملية التعليمية حتى إنها أصبحت جمهورية مستقلة لها قوانينها وقواعدها وعالمها، حيث تلتهم هذه الظاهرة وفقًا لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ما يقرب من 136 مليار جنيه سنويًا بينما تشير تقديرات أخرى إلى أرقام تصل إلى 247 مليار جنيه، ما يعكس حجم الظاهرة واتساعها.
وتختلف أسعار حصص الدروس الخصوصية وفقًا للمنطقة ومستوى التعليم إذا كان عامًا أو خاصًا، وإذا ما كان باللغة العربية أو بلغة أجنبية؛ لتتراوح الأسعار بين 50 و 100 جنيه للحصة الواحدة فى المرحلة الابتدائية، وتصل من 200 لـ250جنيها للحصة الواحدة فى الثانوية العامة فى بعض المناطق.
نزيف الميزانية
حول هذه الظاهرة قالت إحدى أولياء الامور إنها تنفق ما يقرب من 3 آلاف جنيه كل شهر على الدروس الخصوصية لابنها فى الصف الثالث الإعدادى وابنتها فى الصف الخامس الابتدائى
وأضافت: أحيانًا نضطر نأجل دفع فواتير أو نلغى مشتريات ضرورية للاسرة كى ندبر مصاريف الدروس، ولو معملناش كده العيال هيتأخروا عن زمايلهم .
وأشارت إلى أن حصص الرياضيات واللغة الإنجليزية وحدها تساوى نصف دخل زوجها ، ومع ذلك لا تستطيع التوقف لأن المدرسة لم تعد كافية فى إفادة الأبناء .
نصف راتبي
وأكد محمود امين ولى أمر أنه يخصص نصف راتبه تقريبًا للدروس الخصوصية لابنه فى الثانوية العامة موضحا أن الحصة دلوقتى بـ 200 جنيه، يعنى لو عنده أربع مواد أساسية محتاج شهريًا آلاف الجنيهات.
وقال أمين : أنا بقيت استلف من أصحابى وأهلى عشان أوفرله ده، وبعتبر إن دى أهم من الأكل والشرب، لأن مستقبله كله متوقف على الدروس.
وأوضح أن المدرسة بالنسبة له لم تعد مكانًا للتعليم، بل مجرد إجراءات روتينية للحضور والغياب.
ضغط نفسى
وقالت ولى أمر أخري إن الضغط النفسى على الطلاب لا يقل عن الضغط المادى على الأسر.
وأضافت : بنتى فى أولى ثانوى بتخرج من بيتنا من 8 الصبح، وبعد المدرسة بتروح درس ورا درس لحد 10 بالليل. مفيش وقت لتمارس أى هواية. أنا نفسى خايفة عليها من الإرهاق، بس مضطرة أعمل كده عشان متتأخرش.
تجارة صريحة
وأعرب محمد على ولى أمر عن أسفه لتحول التعليم إلى تجارة صريحة. مؤكدا أن المدرس فى الفصل مش بيشرح، وكل همه يقول للطلبة تعالوا السنتر إحنا بقينا زباين مش أولياء أمور والطالب بيتعامل على إنه عميل والدرس بقى سلعة زى أى سلعة .
وقال على : أنا معترض من جوايا لكن مضطر أدفع عشان ابنى ميكونش أقل من زمايله .
وقالت ولى أمر أخرى عارفين إنه صعب يجرّم الدروس الخصوصية لأن فيه أطفال بتحتاج مساعدة لكن علی الأقل یمنعوا موضوع السناتر ویعملوا عقوبات شدیدة علی المدرسین اللی مش بیشرحوا فى الفصول واللی بیضغطوا علی الطلبة علشان تاخد دروس ویتصرفوا فى موضوع درجات الأنشطة .
وأضافت : الموضوع لازم یتحجم یعنی ميبقاش لو الدروس اتلغت الطلاب تسقط لأن المدارس ما بتعلمش حاجة ولا المجاميع المدرسية لها أى استفادة غير أن المدرس ما يحطش الطالب فى دماغه وبس.
ثقافة متجذرة
وأكد الدكتور عاصم حجازى أستاذ علم النفس التربوى بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، أن الدروس الخصوصية تحولت من مجرد ممارسة تعليمية جانبية إلى ظاهرة متشابكة ومعقدة، تتداخل فيها عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية مشيرا إلى إن بعض الأسر تنظر إليها باعتبارها وسيلة للتفاخر حتى أصبحت ثقافة متجذرة فى المجتمع، وهو ما يجعل مقاومتها بالطرق التقليدية أمرًا لن يجدى.
وأوضح حجازى فى تصريحات صحفية أن هذه الظاهرة أثرت بشكل مباشر على مكانة المدرسة ودورها، إذ إن بعض المعلمين يتقاعسون عن أداء واجبهم التعليمى داخل المدرسة، ويدفعون الطلاب بصورة غير مباشرة إلى اللجوء للدروس الخصوصية، باعتبارها أكثر فائدة وجدوى .
وأشار إلى أن التعليم داخل السناتر أو الحصص الخاصة غالبا ما يركز على الجانب المعرفى فقط، ويهمل باقى الجوانب التى تسهم فى تكوين شخصية الطالب، فضلًا عن اعتماده على أسلوب الحفظ والتلقين، وهو ما يتناقض مع جهود تطوير طرق التدريس والانتقال بالطلاب إلى مستويات معرفية أعمق.
وأضاف حجازى أن هذه الممارسات أدت إلى تكوين اتجاهات سلبية لدى الطلاب وأولياء الأمور تجاه المدرسة، حتى فقدت أهميتها وقيمتها فى نظر كثيرين. وأصبحت السناتر التعليمية بديلًا فعليًا للمدرسة، وهو أمر بالغ الخطورة لأنها تركز على تحصيل المعلومات فقط، دون بناء شخصية متكاملة للطالب، كما أن غياب الرقابة عليها يفتح الباب أمام تجاوزات غير مقبولة.
وشدد على أن القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية لن يتحقق بين يوم وليلة، لكنه يبدأ بخطوات جادة لإعادة الثقة فى المدرسة والمعلم، حتى تعود العملية التعليمية إلى مسارها الطبيعى، ويجد الطالب فى مدرسته ما يكفيه دون حاجة إلى بدائل مرهقة لا تُثمر إلا عن حفظ بلا فهم وشهادات بلا مضمون.