السيسي يحوّل التدريب العسكري إلى بوابة إذعان مدني.. إجبار قضاة المستقبل علي دفع عشرات الآلاف من الجنيهات مقابل تدجنهم !

- ‎فيتقارير

 

في مشهدٍ جديد من مشاهد تغوّل المؤسسة العسكرية على مؤسسات الدولة المدنية، تحوّل ما كان في عهد مبارك دورةً اختيارية في "أكاديمية ناصر" إلى تدريبٍ إجباري مدفوع الأجر، يُلزم به القضاة وموظفو الدولة المدنيون قبل تسلم وظائفهم، تحت شعار “بناء الإنسان المصري”.

 

ففي الوقت الذي كانت فيه الدورات خلال عهد مبارك تُمنح للموظفين الراغبين طوعًا، مع مقابلٍ مادي ووجباتٍ غذائية، أصبحت اليوم عبئًا ماليًا مفروضًا على المتدربين أنفسهم، فيما يشبه “الرشوة الرسمية” يدفعها المواطن كي يُسمح له بالعمل داخل دولته.

 

السيسي: تدريب لإنتاج "شخصية مشعّة".. وخضوع ممنهج

 

خلال زيارته للأكاديمية العسكرية في 26 سبتمبر الماضي، حدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي الهدف من تلك الدورات بقوله إنها تهدف إلى “بناء وإعداد وتأهيل شخصية مشعّة”، موضحًا أنه يسعى خلال عشر سنوات لتدريب نحو 100 ألف من العاملين المدنيين، بحيث يمتد أثرهم إلى أسرهم، ليصل التأثير إلى نصف مليون شخص — على حد تعبيره.

 

لكن ما يسوّقه النظام تحت شعار “إعداد الإنسان المصري” يبدو في جوهره محاولةً منهجية لإعادة تشكيل وعي الجهاز الإداري للدولة وفق الرؤية العسكرية الخاضعة، وتطويع القضاة والموظفين المدنيين لسلطة العسكر، بعيدًا عن استقلالهم المفترض كسلطاتٍ رقابية على التنفيذيين.

 

تدجين السلطة القضائية: من مراقب إلى تابع

 

المشهد الأكثر رمزية في هذا التحول تمثّل في إخضاع أعضاء الهيئات القضائية، بمن فيهم المعينون الجدد في النيابة العامة ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة، لتدريبٍ عسكري إلزامي داخل الأكاديمية.

وبعد انتهاء الدورات، شهدت الأكاديمية في يوليو الماضي حفل تخريج رسمي حضره مسئولو القضاء والجيش، أعقبه صدور أربعة قرارات جمهورية في أغسطس بتعيين مئات من معاوني النيابة ومندوبي مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة — جميعهم مرّوا عبر “بوابة الأكاديمية العسكرية”.

 

بهذا الإجراء، لم تعد السلطة القضائية سلطةً مستقلة تراقب السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل تحوّلت إلى إحدى مؤسسات الدولة الخاضعة لآليات “التأهيل العسكري” التي تمليها السلطة التنفيذية ذاتها.

 

رسوم إجبارية وتمييز مقنّع

 

نائب رئيس هيئة قضايا الدولة أكّد أن فرض رسوم على هذا التدريب يمثّل عقبة جديدة أمام المتقدمين للتعيين في الهيئات القضائية، مشيرًا إلى أن الأصل هو أن تتولى كل جهة تدريب أعضائها الجدد على نفقتها.

أما “أمين”، وهو أحد المطلعين على آليات التوظيف الحكومي، فأوضح أن التقاليد المتعارف عليها منذ بدء تطبيق اشتراط الدورة العسكرية كانت تلزم الجهة الحكومية بتحمل نفقات التدريب، لا المتدرب نفسه. لكن التحول الأخير — حيث يدفع المرشح بنفسه تكلفة الدورة — يعد تسليعًا للوظيفة العامة وإضافة شرطٍ تمييزي لا علاقة له بالكفاءة أو النزاهة التي نصت عليها مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء.

 

من “تدريب وطني” إلى “خضوع مؤسسي”

 

بذلك، يتحول ما يُسمّى بـ“إعداد الكوادر” إلى أداةٍ لتكريس السيطرة العسكرية على مفاصل الدولة المدنية، وضمان ولاء كل موظف قبل أن يدخل مكتبه.

ففي دولة السيسي، لا يُطلب من المواطن أن يخدم وطنه فحسب، بل أن يدفع ثمن ولائه مسبقًا .