بسبب التصدير وارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي..الأسمدة المُدعّمة اختفت والسوق السوداء ليست حلا للمزارعين 

- ‎فيتقارير

 

 

أزمة الأسمدة لم تعد مجرد مشكلة موسمية عابرة، بل تحولت إلى صداع دائم يطارد المزارعين مع كل موسم جديد في زمن الانقلاب، فبين نقص المعروض وارتفاع الأسعار وتسريب الكميات المدعمة إلى السوق السوداء، يعيش الفلاح حالة من الترقب واليأس، بعد أن أصبحت الزراعة التي كانت يومًا مصدر رزق واستقرار عبئا ثقيلًا يهدد قدرته على الاستمرار. 

الأزمة جاءت عقب خلافات بين حكومة الانقلاب وشركات الأسمدة حول نسب التوريد، وغياب الرقابة الفعالة على منظومة التوزيع، لتتحول الجمعيات الزراعية من نافذة أمل إلى بوابة للشكوى والمعاناة. 

خبراء الاقتصاد الزراعي من جانبهم اعتبروا أن الأزمة الحالية ليست جديدة، لكنها تفاقمت في الأشهر الأخيرة؛ بسبب زيادة معدلات التصدير وارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي الذي يمثل نحو 70% من تكلفة إنتاج الأسمدة ، في وقت تراجعت فيه قدرة المزارعين على تحمّل ارتفاع الأسعار. 

 

مشكلة التصدير 

 

في هذا السياق أكد الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، أن أزمة الأسمدة الحالية ليست جديدة، بل هي أزمة متكررة منذ سنوات طويلة، إلا أن الجديد هذه المرة هو تفاقم مشكلة التصدير، موضحًا أن الأزمة نتاج مباشر لخلافات مستمرة بين حكومة الانقلاب ممثلة في وزارة الزراعة، وبين شركات إنتاج الأسمدة. 

وأوضح «صيام» في تصريحات صحفية أن الأزمة تتركز في الأسمدة النيتروجينية المدعومة، وليس الفوسفاتية أو البوتاسية، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا رسميًا بين حكومة الانقلاب والشركات يقضى بأن يتم تخصيص 55% من الإنتاج للسوق المحلي، مقابل تصدير 45%، إلا أن الشركات غالبًا لا تلتزم بهذه النسبة، حيث تميل إلى زيادة معدلات التصدير لما يحققه من عائدات مالية أكبر، وهو ما يؤدي إلى نقص المعروض محليًا وارتفاع الأسعار. 

وأشار إلى وجود خلل في منظومة التوزيع، إذ تتداخل أطراف عدة في العملية، مثل التجار والجمعيات التعاونية الزراعية، ما يفتح الباب أمام تسريب كميات من الأسمدة إلى السوق السوداء وحرمان المزارعين من حصصهم المقررة. 

وحول تأثير الأزمة على تكلفة الإنتاج الزراعي، قال «صيام»:  "إن الأسمدة تمثل حوالى 15% من إجمالي تكلفة الإنتاج، وتختلف هذه النسبة بحسب نوع المحصول، مشيرًا إلى أن محاصيل الخضر، مثل الطماطم والخيار من أكثر المحاصيل استهلاكًا للأسمدة، وهو ما يجعلها الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار". 

وأضاف أن حكومة الانقلاب تقرر للمزارع ثلاث شكاير سماد مدعومة لكل فدان، إلا أن الواقع العملي يشير إلى أن المزارع لا يستلم سوى شكارة أو اثنتين على الأكثر، بينما يضطر إلى شراء باقي احتياجاته من السوق الحرة بأسعار مرتفعة تصل أحيانًا إلى 1200 جنيه للشيكارة الواحدة، رغم أن السعر المدعوم يبلغ 450 جنيهًا فقط. 

وتابع «صيام» : هذه الزيادة تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الزراعة بحوالي 10 إلى 15%، وهو ما ينعكس مباشرة على أسعار البيع للمستهلك النهائي، فضلًا عن تراجع ربحية المزارع الذي لا يستطيع فرض سعر أعلى على التاجر، لأن التاجر هو المتحكم الأساسي في السوق. 

 

 

تكاليف الإنتاج 

 

وفي تقييمه لسياسات دولة العسكر الحالية في دعم الأسمدة، قال: إن "السياسات القائمة بحاجة إلى إصلاح جذري، مؤكدًا أن العلاقة الحالية بين حكومة الانقلاب وشركات الأسمدة معقدة وغير متوازنة، فالحكومة تمنح الشركات غازًا طبيعيًا مدعومًا، وهو يمثل نحو 70% من تكلفة إنتاج الأسمدة النيتروجينية، مقابل التزام الشركات بتوريد حصص محددة من الأسمدة المدعومة للمزارعين، إلا أن رفع حكومة الانقلاب الدعم الجزئي عن الغاز مؤخرًا أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج، ما دفع الشركات إلى رفع الأسعار والسعي نحو التصدير لتغطية التكاليف وتحقيق الأرباح. 

واقترح «صيام» تحويل نظام الدعم من عيني إلى نقدي، بحيث يحصل المزارع على دعم مالي مباشر يعادل قيمة الأسمدة المدعومة، على أن يكون هذا الدعم مرتبطًا بمعدلات التضخم حتى لا يفقد قيمته الشرائية بمرور الوقت، قائلًا: "من حق المزارع أن يتسلم ما يعادل قيمة الدعم نقدًا، لكن بشرط أن يتم تعديل هذا المبلغ سنويًا مع ارتفاع الأسعار، وإلا فلن يتمكن من شراء نفس الكمية في العام التالي". 

وأكد أن التحول إلى نظام الدعم النقدي مع استمرار الرقابة الحكومية الصارمة على السوق سيكون أكثر عدالة وفعالية، مشددا على ضرورة استمرار الدعم بأي شكل، لأن تقليص استخدام الأسمدة يؤدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بنحو 20% للفدان الواحد، وهو ما يهدد الأمن الغذائي القومي. 

وحول الإجراءات الاقتصادية المطلوبة لضبط سوق الأسمدة، طالب «صيام» بإلزام الشركات المنتجة بتوريد كامل حصتها للسوق المحلي وفق النسب المتفق عليها، إضافة إلى تشديد الرقابة على حلقات التوزيع للحد من التسريب إلى السوق السوداء، سواء من المصانع أو التعاونيات أو التجار.  

وأشار إلى أن بيع بعض شركات الأسمدة لجهات استثمارية أجنبية يستدعي إعادة النظر في آلية إدارة القطاع لضمان استمرار إمدادات السوق المحلي دون تأثر، مؤكدًا أن افتتاح مصانع جديدة تابعة لدولة العسكر والقطاع العسكري يجب أن توجه لتعويض هذا النقص وتحقيق التوازن في السوق. 

وأكد «صيام» أن حل أزمة الأسمدة يتطلب إصلاحًا هيكليًا شاملًا لمنظومة الإنتاج والدعم والتوزيع، يجمع بين تشجيع الاستثمار، وضمان العدالة للمزارعين، وحماية الأمن الغذائي. 

 

السوق السوداء 

 

وأكد الدكتور عمر الدجوي، الأمين العام للجمعية المصرية لتجار وموزعي الأسمدة، أن سوق الأسمدة يشهد اضطرابًا واضحًا نتيجة عدة عوامل متشابكة أبرزها تسريب كميات من الأسمدة المدعمة من الجمعيات الزراعية إلى السوق السوداء، رغم أن الجمعيات تتسلم حصصها كاملة من المصانع. 

وأوضح «الدجوى» في تصريحات صحفية أن أزمة الأسعار تعود بالأساس إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج داخل المصانع، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين السعر الحر والمدعم، إذ يبلغ سعر الطن المدعم نحو 2800 جنيه، بينما يتجاوز السعر الحر 23 ألف جنيه، وهو فرق كبير يصعب على الفلاح تحمله، خاصة في ظل تراجع الحالة الاقتصادية للمزارعين. 

وأشار إلى أن الموسم الزراعي الحالي لم يكن الأفضل للفلاحين، إذ شهدت المحاصيل انخفاضًا في الأسعار وضعفًا في الإنتاجية، ما انعكس على قدرتهم الشرائية واستهلاكهم من الأسمدة، قائلاً: "الفلاح اللي كان يستخدم أربع شكاير سماد، بقى بيحط شكارتين بس، لأن حالته الاقتصادية لا تسمح، ولا يقدر يشتري السماد الحر بهذا السعر المرتفع". 

وأضاف «الدجوي» أن حصة الأسمدة الحرة الموجهة للسوق المحلي لا تُطرح بمعدلات ثابتة، إذ تتأثر بقرارات التصدير، قائلاً: أحيانًا بيتم وقف التصدير فيُطرح جزء من الحصة للقطاع الخاص، وأحيانًا يتم التصدير فيقل المعروض محليًا. 

 

احتكار التجار  

 

وفيما يتعلق بآلية التوريد بين وزارة زراعة الانقلاب ومصانع الأسمدة، أوضح أن الاتحاد التعاوني الزراعي بالمحافظات يقوم بوضع برامج التوزيع بالتنسيق مع الوزارة، وتُرسل الكميات المحددة من المصانع مباشرة إلى الجمعيات الزراعية بكل منطقة وفق الجداول المعتمدة. 

وردًا على الاتهامات الموجهة لبعض التجار باحتكار الأسمدة ورفع الأسعار، نفى «الدجوي» وجود أي ممارسات احتكارية، مؤكدًا أن الكميات المتاحة للقطاع الخاص محدودة للغاية ولا تكفى لتغطية الاستهلاك المحلي . 

وقال : «ما فيش تاجر يقدر يخزن كميات، لأن التكلفة عالية جدًا، الطن النهاردة بـ24 ألف جنيه، والجرار الواحد بحوالي مليون ومتين ألف، فمن المستحيل أن يخزن تاجر 10 جرارات مثلًا بقيمة 20 مليون جنيه. 

وشدد «الدجوي» على أن ضعف السيولة لدى التجار وارتفاع الأسعار يمنع أي محاولة لتخزين أو احتكار الأسمدة، موضحًا أن الحل يكمن في تثبيت الحصة المخصصة للقطاع الخاص بعد الجمعيات، بحيث تنزل بشكل منتظم إلى السوق دون تأثر بموجات التصدير أو الأسعار العالمية.  

وأكد أن استقرار سوق الأسمدة يتطلب تنسيقًا دائمًا بين الجهات المنتجة والموزعة والجهات الحكومية، لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه ومنع أي تسريب للسوق السوداء، مشيرًا إلى استعداد الجمعية للتعاون الكامل في أي خطوة تهدف لضبط المنظومة.