فوز حزب المخابرات يكشف هندسة كاملة للانتخابات… فلماذا لا تُعاد القوائم رغم أنها أعلى معدلات التزوير؟

- ‎فيتقارير

في مشهد انتخابي يعيد إنتاج الهيمنة ذاتها، جاء فوز حزب "مستقبل وطن"—الواجهة السياسية لأجهزة المخابرات—بأكبر عدد من المقاعد في الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب، ليؤكد أن مسار التزوير كان موجهاً ومحكماً لصالح أكبر أحزاب السلطة، سواء في الفردي أو القوائم.

فالحزب حصد 85 مقعداً دفعة واحدة، بينها 61 مقعداً على نظام القوائم المغلقة، و24 على الفردي من الجولة الأولى، من دون خسارة مرشح واحد.

 

 ورغم الاعتراف الرسمي بحدوث خروقات جسيمة أدت إلى إبطال النتائج في 19 دائرة فردية، فإن القرار لم يقترب من نظام القوائم الذي يعد أكثر الأنظمة قابلية للتلاعب، وشهد أكبر معدل من المخالفات، في ظل ترشح “القائمة الوطنية” منفردة في قطاعات كاملة من البلاد.

 

 وهنا يبرز السؤال الأبرز: إذا كانت الخروقات تستدعي إلغاء الانتخابات على الفردي، فلماذا لا تمتد الإعادة إلى القوائم في الدوائر ذاتها؟ خصوصاً أن كلفة إعادة الانتخابات في هذه الدوائر تصل إلى مليار جنيه، بينما تتحمل الدولة فاتورة تتجاوز سبعة مليارات جنيه للانتخابات كاملة، في وقت تعاني مصر من أكبر أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها الحديث.

 

 هندسة مسبقة وتحيّز فجّ عملياً، وللمرة الثانية بعد انتخابات مجلس الشيوخ، حجز حزب مستقبل وطن كل المواقع المتقدمة، إذ لم يسقط أيٌّ من مرشحيه في الجولة الأولى أو حتى يُستبعد من جولة الإعادة.

 

 وامتد نفوذ الحزب عبر تحالف “القائمة الوطنية من أجل مصر”، التي يهيمن عليها، ليحصد التحالف بأكمله جميع مقاعد القوائم المغلقة في المرحلة الأولى.

 

 ووفق بيانات النتائج، لم يتمكن أي حزب خارج منظومة السلطة من الفوز على القوائم، بينما حصل حزب النور على مقعدين فقط على النظام الفردي، إضافة إلى مرشح مستقل واحد.

 إعادة في الفردي فقط، وتجاهل كامل للقوائم المثيرة للجدل، اللافت أن قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء النتائج اقتصر على الفردي رغم ما كشفه مراقبون من فجوات عميقة في القوائم، أبرزها: ترشح “القائمة الوطنية” منفردة في قطاعات كاملة بلا منافسة، اتساع الفجوات بين محاضر الفرز، غياب الإشراف القضائي الكامل لأول مرة منذ 2011، ورفض القضاة المشاركة، تاركين العملية برمتها في يد هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة.

 

 وهو ما يجعل التساؤلات أكثر إلحاحاً: كيف تُعاد الانتخابات في 19 دائرة فردية، ولا تُمس الدوائر نفسها على نظام القوائم؟ وإذا كانت المليار جنيه هي تكلفة إعادة 19 دائرة فقط، فما جدوى الإصرار على انتخابات يشوبها الخلل البنيوي ذاته؟

 

 تكلفة ضخمة… ونظام مغلق

تفيد تقديرات حكومية أن التكلفة الكلية للانتخابات قد تتجاوز 7 مليارات جنيه، تشمل مخصّصات القضاة (الذين لم يشاركوا فعلياً هذه الدورة)، والهيئات الحكومية، إضافة إلى قوات الجيش والشرطة.

 

وفي المقابل، جاء إعلان نادي القضاة مؤكداً أنهم لم يشرفوا على العملية الانتخابية، ما يعزز مناخ الشكوك حول نزاهة الاقتراع.

 بنية سياسية مغلقة… ونتائج محسومة

 

ما جرى يكشف أن السلطة رتّبت الانتخابات بشكل يضمن: حصد “مستقبل وطن” الأغلبية المطلقة، إحكام السيطرة على البرلمان المقبل، منح مقاعد شكلية محدودة لأحزاب صغيرة أو مرشحين مستقلين بترتيبات مسبقة، وتحويل القوائم المغلقة إلى بوابة محسومة النتائج سلفاً.

 

 وبينما تروّج السلطة لكون الإعادة "تطبيقاً للنزاهة"، يرى المراقبون أن حصرها في الفردي دون القوائم يثبت أن الإلغاء جاء فقط لتجميل المشهد، وليس لتصحيح الانتهاكات الحقيقية.