نصف مليار دولار شهريا .. خبراء وأكاديميون يكذبون “مدبولي”: فرق العُملة ليس سببا رئيسيا بزيادة الدين الخارجي

- ‎فيتقارير

 

كذبت تقارير بحثية تصريح رئيس حكومة السيسي مصطفى مدبولي، من أن زيادة الدين الخارجي لمصر كانت نتيجة فرق صرف العملة وإحنا مقترضناش.
https://twitter.com/isaac30208171/status/1996257969651233117

وأكد خبراء وأكاديميون في الاقتصاد المصري والدولي أن أزمة الدين الخارجي لا يمكن اختزالها في فروقات العملة فقط، بل ترتبط بزيادة الاقتراض، ضعف النمو، وضغوط خدمة الدين، بمعنى أن إعادة تقييم الديون بسبب تغير سعر الدولار قد يفسر جزءًا من الأرقام، لكن جوهر الأزمة يكمن في الاعتماد المفرط على القروض وارتفاع تكلفة الفوائد مقارنة بالإيرادات.

وكان تصريح مدبولي مثارا للسخرية من المهتمين بالشأن الاقتصادي، وقال إسحاق @isaac30208171: "أنت بتدير اقتصاد و لا شغال في مكتب صرافة ؟ فرق العُملة يغيّر شكل "رقم " الدين على الورق، و لكن الأقساط والفوائد تدفع بالدولار كده كده، المشكلة الحقيقية لن تختفي مهما حاولت، معقول ده تفكير من يرأس الحكومة في مصر ".

وفروقات العملة تفسر جزءًا من الزيادة المُعلنة في الدين الخارجي، لكنها لا تعكس حقيقة الأزمة، وفروقات العملة تفسر نحو 2.9 مليار دولار من الزيادة، لكنها تبقى ثانوية.

وقال الباحث لاقتصادي الدكتور عادل عامر: إن "القروض والمنح ساهمت في توفير عملة صعبة مؤقتًا، لكنها لم تحل الأزمات اليومية للمواطنين. مؤكدا أن الدين الخارجي ارتفع من نحو 34 مليار دولار في 2012 إلى أكثر من 165 مليار دولار في 2023، وهو ما يعكس تضخمًا هيكليًا لا علاقة له فقط بفروقات العملة".

ورأى عادل عامر أن الحديث عن فروقات العملة لا يغيّر من حقيقة أن مصر تعتمد بشكل متزايد على الاقتراض الخارجي، لتغطية العجز في الموازنة وتمويل المشروعات.

وقال في تصريحات صحفية: "صحيح أن ضعف الدولار أمام اليورو أو العملات الأخرى، قد يؤدي إلى ارتفاع القيمة الدفترية للدين عند حسابه بالدولار، لكن هذا لا يخفف من عبء السداد الفعلي الذي يتم بالدولار"، عامر يؤكد أن الدين الخارجي تضاعف عدة مرات منذ 2012، وهو ما يعكس أزمة هيكلية في إدارة الموارد وليس مجرد انعكاس محاسبي.

الدين يّضعف النمو

وعن تأثير سلبي متبادل، أشارت دراسة مشركة للباحثين أحمد محمد عادل عبد العزيز ومروة صلاح الدين فهمي بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، عن (العلاقة بين الدين الخارجي والنمو الاقتصادي)، إلى أن ارتفاع الدين يضغط على النمو، ويحد من قدرة الدولة على الاستثمار المنتج، وأشارا إلى أن فروقات العملة قد تفسر جزءًا من التغيرات في الأرقام الرسمية، لكنها لا تمثل السبب الجوهري للأزمة، إذ إن خدمة الدين – الأقساط والفوائد – تُدفع بالدولار، ما يجعل العبء قائمًا بغض النظر عن إعادة التقييم المحاسبي.

 

الدراسة المنشورة عام 2024، للباحثين أكدت أن مصر عانت تاريخيًا من أزمات مديونية خارجية دفعت إلى برامج إصلاح اقتصادي، وأن العلاقة بين الدين الخارجي ومعدل النمو تُظهر أن ارتفاع الدين يضغط على النمو الاقتصادي ويحد من قدرة الدولة على الاستثمار المنتج.

واتفق الباحث أحمد بيومي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية  مع أن قراءة الدين الخارجي، لا بد أن تتم في ضوء نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي واستحقاقاته الزمنية، موضحًا أن المشكلة ليست فقط في حجم الدين المُعلن بالدولار، بل في قدرة الدولة على السداد في مواعيد محددة.

خدمة الدين الخارجي

ولفت تقرير المركز المصري للدراسات الاقتصادية  بعنوان: "رأي في أزمة"، إلى أن خدمة الدين الخارجي تمثل عبئًا متزايدًا على الموازنة العامة، وأن التركيز على فروقات العملة يغفل جوهر الأزمة المتمثل في ارتفاع الفوائد والأقساط بالدولار، والتي لا تتأثر بالحسابات المحاسبية.

وأوضح "المركز " في تقاريره على أن التركيز على فروقات العملة يغفل جوهر الأزمة، وهو تضخم خدمة الدين الخارجي التي تلتهم جانبًا كبيرًا من الإيرادات العامة، وأوضح أن أي زيادة محاسبية بسبب تغير سعر الصرف تبقى أقل خطورة من الزيادة الناتجة عن الاقتراض الجديد والفوائد المتراكمة.

واعتبر الباحث محمد زكي بمعهد التخطيط القومي أن مصر تواجه تحديًا في إدارة ما يسمى بـ"استدامة الدين"، حيث إن ارتفاع الدين يعكس اختلالات هيكلية في الاقتصاد، مثل ضعف الصادرات وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي بالنسبة له، فروقات العملة مجرد عامل ثانوي، بينما السبب الأعمق هو الاعتماد المستمر على القروض دون وجود مصادر دولارية كافية لتغطية الالتزامات.

وفي ورقة بحثية أضاف "زكي " أن مصر تواجه تحديًا في إدارة ما يسمى بـ"الثالوث المستحيل" (السياسة النقدية، سعر الصرف، تدفقات رأس المال)، وأن ارتفاع الدين يعكس اختلالات هيكلية تحتاج إلى إدارة مختلفة، وليس مجرد إعادة تقييم محاسبي.

الثالوث المستحيل

وتوضح الأرقام المتاحة أن أزمة الديون الخارجية في مصر لا ترتبط فقط بفروقات العملة، بل بثلاثة عوامل رئيسية: زيادة الاقتراض، ضعف النمو الاقتصادي، وارتفاع مدفوعات خدمة الدين. عند تحويل هذه البيانات إلى معدل شهري، يظهر أن خدمة الدين وحدها تستهلك أكثر من 3.2 مليار دولار شهريًا(تشمل أقساط وفوائد؛ منها 30.2 مليار أقساط و8.5 مليار فوائد)، بينما النمو الاقتصادي لا يتجاوز في المتوسط 0.35% شهريًا (ضعيف مقارنة بحجم الدين، ولا يكفي لتعويض الضغوط المالية)، في حين أن الاقتراض الجديد يضيف نحو 450 مليون دولار شهريًا إلى الدين الخارجي (وهو الجزء الأكبر من الزيادة الحقيقية في الدين الخارجي).

واقترضت حكومة السيسي فعليًا 5.4 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، أي ما يعادل نحو نصف مليار دولار شهريًا، هذا يوضح أن الدين يتضخم بشكل مباشر وليس فقط بسبب فروقات العملة.

ورغم تحسن نسبي في 2025 حيث سجل الاقتصاد نموًا سنويًا 4.4%، إلا أن هذا يعادل نحو 0.35% شهريًا فقط، بالمقارنة مع حجم الدين الخارجي (161.2 مليار دولار)، فإن النمو لا يواكب الضغوط التمويلية.

ودفعت مصر 38.7 مليار دولار خلال العام المالي 2024/2025، أي أكثر من 3.2 مليار دولار شهريًا وهذا الرقم يعكس العبء الحقيقي، إذ أن الأقساط والفوائد تُدفع بالدولار بغض النظر عن فروقات العملة.

وهذه الأرقام الشهرية تكشف أن خدمة الدين وحدها تفوق بكثير أي مكاسب من النمو الاقتصادي، ما يجعل الأزمة أعمق من مجرد تغيرات محاسبية في سعر الصرف.

وعلقت رانيا الخطيب ساخرة عبر  @ElkhateebRania "ديون مصر للدول العربية حوالي 40 مليار دولار وباقي ال 160 مليار دولار للدول الأجنبية، مبارك ساب الحكم وديون مصر كلها حوالي 35 مليار دولار".

وأشار حساب الأشقر  @ALASHKAR_TV إلى بيان من "البنك المركزي : اجمالي الديون المستحقة للدول العربية على مصر وصل إلى 37.7 مليار دولار حتى نهاية يونيو 2025، وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدائنين العرب، حيث بلغت الديون المستحقة لها 13.5 مليار دولار وهو ما يمثل 8.4% من إجمالي الدين الخارجي لمصر..".
 

https://x.com/ElkhateebRania/status/1996204799998693676

شهدت مصر خلال العام المالي الماضي ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الدين الخارجي، حيث ارتفع بمقدار 8.3 مليار دولار ليصل إلى 161.2 مليار دولار وفق بيانات البنك المركزي. اللافت أن نحو 2.9 مليار دولار من هذه الزيادة لم تكن نتيجة اقتراض جديد، بل جاءت نتيجة تراجع سعر الدولار عالميًا أمام العملات الأخرى، وعلى رأسها اليورو.

هذا العامل شكّل حوالي 35% من إجمالي الزيادة، بينما شكّل صافي الاقتراض الجديد 5.4 مليار دولار، وهو ما يعكس أن جزءًا من الأزمة مرتبط بعوامل محاسبية وفروقات سعر الصرف، وليس فقط بالسياسات التمويلية المباشرة.

وتؤكد الأرقام حجم التحدي؛ ففي عهد عبد الفتاح السيسي بلغت فوائد الديون خلال أول أربعة أشهر من العام نحو 899 مليار جنيه، متجاوزة إجمالي إيرادات الدولة البالغة 863 مليار جنيه، وهو ما يعكس اختلالًا هيكليًا في الموازنة العامة. كما تشير بيانات البنك المركزي إلى أن الديون المستحقة للدول العربية بلغت 37.7 مليار دولار حتى يونيو 2025، تتصدرها السعودية بـ13.5 مليار دولار، أي ما يعادل 8.4% من إجمالي الدين الخارجي، للمقارنة، فإن ديون مصر عند مغادرة حسني مبارك الحكم كانت لا تتجاوز 35 مليار دولار، ما يوضح القفزة الهائلة في حجم الالتزامات خلال العقد الأخير.

 

في المحصلة، يمكن القول: إن "جزءًا من زيادة الدين الخارجي يرتبط بعوامل محاسبية نتيجة تغير سعر الصرف، لكن الجزء الأكبر يعكس استمرار سياسة الاقتراض لتغطية العجز والالتزامات المالية. ومع تضخم فوائد الديون وتجاوزها الإيرادات، تبدو الأزمة أعمق من مجرد فروقات عملة، وتطرح تساؤلات حول قدرة الاقتصاد المصري على إدارة هذا العبء المتنامي في السنوات المقبلة".