لعنة الدم.. من هنا يأتي اليقين بحتمية إسقاط حكم العسكر

- ‎فيتقارير

من المؤكد أن المصريين لم يشاهدوا القتل على الهواء للمئات من أبنائهم وأقاربهم كما حدث يوم 14 أغسطس 2013، حينها كانت الصدمة قوية، لم يفق من هولها الكثيرون حتى الآن، رغم مرور 5 سنوات كاملة، مشهد الدم كان فارقا لدى البعض، ولكنه كان عاديا بل ومستحبا من آخرين، انجرفت مشاعرهم وراء عدد من الإعلاميين الذي صوّروا “رابعة والنهضة” كأنهما بؤر شيطانية يجب استئصالها مهما كانت النتائج، فتمنى هؤلاء أن يقتل كل المعتصمين حتى تستقر الأوضاع وتهدأ البلاد، بعد اضطرابات شديدة أدى إليها الانقلاب.

ومنذ يوم مجزرة الفض وحتى الآن، كان البعض مقتنعا بأن فض رابعة والنهضة هو الخطوة الوحيدة الباقية حتى تتهيأ الأمور لمصر، وتقفز إلى صفوف العالم المتقدم، إلا أن ما حدث بعد ذلك كان كافيا لتأكيد أن الاستقرار والتقدم لم يكونا إلا سرابا تمناه مؤيدو الانقلاب فتخيلوه.

وعندما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، تأكد الجميع أن ما حدث كان جريمة، وبدأ الندم على خطأ البعض في تأييد فض رابعة، والرقص على جثث الضحايا، فأعلن معظم الذين أيدوا المذبحة ندمهم على ذلك التأييد، وتلك الفرحة التي أظهروها عقب تداول أخبار وصور مجازر الفض، التي تضمنت قتلى وجرحى ومحروقين، كما اشتملت على لوعة أبناء وبنات وآباء وأمهات على ذويهم، وهي ذات المشاهد التي أظهرت للجميع صورة الكاسحة التي لا تبقي ولا تذر مهما كان الذي في طريقها، واصطياد العزل من فوق البنايات، ومطاردة آخرين في العمارات المحيطة التي لجئوا لها للاحتماء من رصاص القناصة ورشاشات جنود الفرعون.

خوف الانقلاب من العقاب

واعتمدت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب في مصر، استراتيجية شاملة لقتل أي تعاطف مع ضحايا المذبحة الأكبر في تاريخ مصر الحديث، وارتكزت التغطية الإعلامية على ثلاثة محاور رئيسة، بإلقاء مسئولية الدماء التي سالت على قيادات الإخوان، واللجوء للمؤسسات الدينية لإضفاء مسحة دينية على مهاجمة الإخوان ومؤيديهم، وأخيرا إعادة التذكير بما وصفته بجرائم الإخوان بحق المصريين عقب فض الاعتصام.

كما يتعمّد السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الاحتفال بيوم 25 يناير من كل عام باعتباره عيدا للشرطة فقط، دون الالتفات إلى أنه يوافق ذكرى ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ولم يقم بأي إجراء في ذكرى الثورة إلا إلقاء كلمات مقتضبة، في حين تحضُر الثورة في خطاباته وكلماته المرتجلة في معظم الأوقات باعتبارها مرادفا للفوضى والتخريب، ودلالة على الخطر الذي تعرضت له الدولة في أوقات سابقة قبل أن يتدخل هو لإنقاذها.

ولا تترك وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب ذكرى أحداث الانقلاب أو مذبحة رابعة تمر إلا وتعيد التذكير بها، وتركز على أن جماعة الإخوان وقياداتها هي المسئولة عن سقوط الدماء وليس السلطة؛ بهدف القضاء على أي بادرة للتعاطف الشعبي مع الضحايا.

كما تشدد السلطة الإجراءات الأمنية وتحاصر الشوارع والميادين الرئيسية وتحولها إلى ثكنة عسكرية، خاصة ميداني التحرير ورابعة العدوية، وتصدر وزارة الداخلية بيانات “تهديد” للمعارضة بهدف ردعها عن التظاهر في تلك الأيام، وهو ما أدى إلى تحويل ذكرى الأيام المرتبطة بالثورة إلى ذكريات لسقوط ضحايا جدد، مثل ذكرى 25 يناير 2014 التي سقط فيها أكثر من 90 قتيلا.

ماذا بعد سقوط السيسي؟

ورغم ذلك التشدد من طرف السفيه السيسي، إلا أنه كم من طغاة هلكوا في طرفة عين، أشهرهم فرعون وقارون، هذا هلك وهو في قلب جيشه الضخم تحت أمواج المياه، والآخر هلك وهو في أوج زينته تحت خسف الأرض، ولماذا نذهب بعيدا.. هذا عبد الناصر ودَّع ضيوف القمة العربية نهارا ثم لم يصبح عليه نهار، وكان في الثانية والخمسين من عمره في لحظة لم يتوقع أحد أن يهلك فيها، وقُتِل السادات وهو في زينته وحاشيته في ذكرى يومه الكبير، وكان ضابط أمن الدولة يقسم للمعتقلين أن “ربنا مش قادر على مبارك” فإذا بها أيام وينقلب الحال ويسقط مبارك!.

والمهم الذي نريد أن نخلص إليه أن حالة النزاع على السلطة في مصر لم تهدأ ولم تستقر، شفيق وعنان مثالا، الإقالات الواسعة في صفوف المخابرات ووضع رجله وابنه في قيادة الجهاز مثالا، توتره وغضبه الذي ظهر عليه في اللقاء الأخير دليل أكيد لا يقبل الشك على أنه يتخوف ويعاني ويهدد، غلقه سائر المنافذ التي يمكن أن تمثل تهديدا محتملا وبعيدا أكبر دليل.

ولعل السفيه السيسي بانفعاله الأخير أعطى الناسَ أقوى أمل في أنه يعاني ويصارع وأنه لم يتمكن بعد، السؤال المهم هنا: ماذا يمكن أن يفعل المنتسبون إلى معسكر الثورة لحظة سقوط السيسي؟ بقدر ما يبدو السؤال مهما بقدر ما يبدو مُغَيَّبًا، كأنما لا أحد يريد التفكير فيه، وبقدر ما سيتجنب الجميع هذا السؤال بقدر ما ستكون لحظة سقوطه هي نفسها لحظة سقوط أخرى لخصومه، ذلك أن رد الفعل العشوائي المرتبك أمام المفاجأة، سيعيد ويكرر من جديد مشهد الفرص الضائعة، وإفلات اللحظة الفارقة.