إسلام أم علمانية؟.. ماذا يحتاج العرب للخروج من نفق الديكتاتورية؟

- ‎فيتقارير

أثارت تغريدة الناشطة اليمنية توكل كرمان على حساباتها الاجتماعية التي طالبت فيها بإرساء “دولة ديمقراطية وعلمانية” عاصفة من الجدل على الشبكات الاجتماعية بل وشبهها البعض بـ“القنبلة”، وذهب البعض الآخر إلى القول إن حساباتها “مقرصنة”، وتنتمي كرمان إلى حزب “التجمع اليمني للإصلاح” المقرب من جماعة الإخوان المسلمين.

وكرمان، التي تقيم في تركيا منذ سنوات، هي قيادية في حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو أحد أبرز الأحزاب التي تدعو إلى الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكتبت كرمان على تغريدة رصدتها “الحرية والعدالة” على تويتر، تقول :”دولة علمانية ديمقراطية هي الحل، العلمانية للتخلص من الكهنوت، والديمقراطية للتخلص من القيصر.. صباحكم علمانية وديمقراطية قادمتان لا ريب فيهما”.

ويرد الدكتور مهنا الجبيل، الباحث في الشأن الاستراتيجي للخليج العربي، ومدير مكتب دراسات الشرق بالقول أن :”مشكلة التغريدة أنها تقذف مصطلحات، دون تحقيق مفاهيمها في الفكرة الدستورية لحقوق الشعوب، أو التحرر من وعاظ السلاطين، المصطلح يا توكل لا يعالج أزمة الفهم ولا يُصحح التجارب، ما تحتاجه الشعوب أن تدرك أن العدالة الاجتماعية والفكر المدني، منهاج يسعه الإسلام، مهمتنا أن نتقدم لهذا الفهم”.

وفي البحث المنشور في مجلة الديمقراطية الدولية بعنوان “نظرية التحول الديمقراطي والربيع العربي” يقول الباحثان ألفريد ستيبان وجوان لنز ردًا على ما جاء به هينتينغتون ورفاقه إن عددًا ليس بقليل من الدول المسلمة التي تعايشت مع العملية الديمقراطية وعززت مبادئ التحول الديمقراطي في بلدانها تثبت أن وجهة نظر هينتينغتون عن أن الإسلام يشكل عائقًا أمام عملية التحول الديمقراطي هي خاطئة بشكل كبير.

وقال كاتب البحث :”إذا أحصينا عدد المسلمين الذين يعيشون في أنظمة ديمقراطية مثل تركيا وألبانيا وأندونيسيا والسنغال وجدنا أن ثلاثمائة مليون مسلم حول العالم قد قاموا بممارسة ناجحة للتجربة الديمقراطية وإذا أضفنا المائة وثمانين مسلم الذين يعيشون في الهند نصل إلى أن ما يقرب من نصف مليار مسلم حول العالم خصوصًا في السنوات العشر الماضية يعيشون تحت حكم ديمقراطي بامتياز”.

الإسلام والديمقراطية

ورسم التقرير السنوي عن حالة الديمقراطية والحريات في العالم، والذي تصدره وحدة البحوث بمجلة (الإيكونوميست) البريطانية الشهيرة، صورة قاتمة عن حالة الديمقراطية، في العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، وباستثناء تونس التي حلت في المرتبة الثانية ضمن ترتيب دول الشرق الأوسط، تشير نتائج التقرير إلى أن باقي الدول العربية تعيش حالة متدهورة في المناخ الديمقراطي.

ويشمل التقرير 167 دولة من دول العالم، وهو يصنف الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم، ضمن أربعة تصنيفات هي، الديمقراطيات الكاملة، والديمقراطيات المعيبة، والأنظمة الهجين بين الديمقراطية والديكتاتورية، ثم الأنظمة الدكتاتورية، وتحقق تونس 6.32 درجات على مقياس التقييم الذي يضم عشر نقاط، تليها كل من المغرب ولبنان في حين تأتي بقية الدول العربية الأخرى في مراتب متأخرة ضمن جدول منطقة الشرق الأوسط.

ويبرز التقرير ارتباط التراجع في الحالة الديمقراطية في المنطقة، بتبدد المنجزات التي حققتها الحركة المطالبة بالديمقراطية، والتي عرفت باسم “الربيع العربي” منذ ديسمبر عام 2010، مضيفا أنه وبجانب هذا التراجع، فإن المنطقة العربية تتميز بتركز الملكيات المطلقة والأنظمة الدكتاتورية بها، كما تتميز بانتشار النزاعات المسلحة، مبرزا أن خمس دول من بين الخمس عشرة التي جاءت في ذيل التصنيف، هي من المنطقة العربية حيث تحتل سوريا الموقع الثاني قبل الأخير في التصنيف.

مش بتاع سياسة!

ويؤكد تقرير (الإيكونومست) أن انعدام الاستقرار السياسي في المنطقة العربية، واصل ضغطه على إمكانية التقدم باتجاه الديمقراطية خلال العام المنصرم 2017، حيث انجرفت عدة دول إلى مزيد من الممارسات الدكتاتورية ومن بينها مصر، التي يقودها انقلاب عسكري أطاح بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وحيث كثف السفيه عبد الفتاح السيسي من قمعه لحرية الإعلام والتعبير.
ومرت أكثر من خمسة أعوام على انقلاب الثالث من يوليو 2013 في مصر، شهدت خلالها الحياة السياسية استئصالاً غير مسبوق للديمقراطية التي أنجبتها ثورة 25 يناير، وتوارت تدريجياً الأحزاب المعارضة من جراء الضربات الأمنية المتلاحقة من سلطات الانقلاب، والاعتقالات الجماعية، إلى أن اقتصر دورها أخيراً على إصدار بيانات الشجب والتنديد، خوفاً من المصادرة والغلق في حال دعوتها للنزول إلى الشارع مجدداً.

وأعلنها قائد الانقلاب السفيه السيسي صراحة “أنا مش بتاع سياسة”، قبيل انتخابات اغتصاب الرئاسة الثانية التي أجمعت المنظمات الحقوقية الدولية على أنها كانت أقرب إلى المسرحية في ظل إقصاء جميع منافسيه من الترشح، ملوحاً إلى أنه لن يسمح بتكرار سيناريو الثورة مرة أخرى، وإمكانية طلب تفويض ثانٍ من أنصاره لاتخاذ “إجراءات أخرى” ضد معارضيه، في إشارة إلى فرض مزيد من الإجراءات القمعية.

قتل الديمقراطية

وبعد نجاح الموجة الأولى من ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011، أصيب حكام الإمارات بقلق بالغ انعكس على سلوكهم حيث قادوا حملة قمعية بطشت بعشرات من النشطاء الإسلاميين والإصلاحيين الإماراتيين، لكن هذا القلق تحول إلى رعب مصحوب بالغضب مع صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، وفوز الرئيس محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر عبر تاريخها.

وبحسب دبلوماسي أمريكي تحدث إلى مجلة نيويوركر، «جُنّ جنون الإماراتيين والسعوديين بعد انتخاب مرسي»، وبُعيد انتخاب عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان رئيسًا، بدأ محمد بن زايد استثماره في مصر، لكن بشكل مختلف هذه المرة؛ فبالتعاون مع رئيس الاستخبارات السعودية في ذلك الوقت، بندر بن سلطان، تواصل محمد بن زايد مع وزير الدفاع وقتها السفيه السيسي، والذي كان قد عُين في منصبه قبل ذلك بأسابيع، كان العرض الذي شاركت فيه السعودية وإسرائيل وباركته واشنطن وقدمه بن زايد للسفيه السيسي بسيطًا، ويبدو أنه كان من النوع الذي لم يمكن رفضه، 20 مليار دولار فورًا إذا أُطيح بمرسي.

لم يرفض السفيه السيسي، لكنه طلب وعودًا بالنجاح، بعد أن حصل عليها، وبعد أشهر من قيام الإمارات بالتنسيق لبناء حملة «تمرد»، التي وفرت الغطاء الشعبي لحركة السيسي، كان الفريق يتلو بيانًا يعلن فيه الإطاحة بمرسي وتعطيل العمل بالدستور، وعهدًا دمويا وقمعياً يمحو الكرامة والحرية والعدالة في مصر مرسومًا بأقلام إماراتية.

وفي الثالث من يوليو 2013 انقلب وزير الدفاع في ذلك الوقت السفيه عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر محمد مرسي، وأعلن عزله، واحتجزه في مكان غير معلوم، وعطّل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أحيلوا لاحقا إلى المحاكمة، وصدرت أحكام بإعدام العديد منهم.