قالوا عنها إن “السادات كتب نهايته بيده”، ووصفوها بـ”الزلزال المدمر”، أما من وقع عليهم الحادث دونوه وكتبوا تفاصيله خلف قضبان الحديد، وعلي أسرّة الزنازين، إنها اعتقالات خريف الغضب، التي طالت 1536 شخصاً من رموز المعارضة والكتاب والصحفيين، وكذلك قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
حملة مجنونة قادها اللواء النبوي إسماعيل وزير الداخلية وقتها بتعليمات من السادات، لكن تظل الأسباب الحقيقية ودوافع الرئيس للاعتقالات غير واضحة، فما أعلن وقتها علي لسان السادات نفسه، حينما وقف أمام مجلس الشعب يلقي بياناً للشعب كانت الاتهامات بأن هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وأن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة، وأن الآونة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن واستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين وحاولت تصعيد الأحداث، الأمر الذي استلزم إعمال المادة 74 من الدستور المصري وقتها.
شراسة الانقلاب

ما يقوم به الانقلاب شيء من هذا القبيل، مع تميّز في هويّة المِعمار المنحطّة؛ فأهم المشروعات المعماريّة وأنجحها في عهد السفيه السيسي كان، بلا منازع، بناء السجون وتوسيعها ونشرها في مختلف المدن المصريّة وتحويلها إلى مَعلَم، متدنٍ جماليًا بالضرورة، يُعبّر عن هوية المدينة المصريّة في عهده، وبشكل يذكّرنا أحيانًا بسوريّة الأسديّة، ومنذ 2014 وحتى صيف العام الماضي، صدرت قراراتٌ حكوميّة ببناء عشرين سجنًا، وهذا معدّل كبير حتى بمقياس الديكتاتوريّات.
كان يوم 5 سبتمبر حاسما ومؤثرًا في تشكيل الحياة السياسية المصرية منذ السادات؛ ففي 5 سبتمبر 1978، انطلقت “مباحثات كامب ديفيد” بين السادات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني“مناحم بيجن” والرئيس الأمريكي وقتها “جيمي كارتر”، والتي استمرت حتى السابع عشر من ذات الشهر وأسفرت عن توقيع وثيقتين بين مصر وكيان العدو، وخرجت اتفاقية “كامب ديفيد” للنور، لتصبح مصر أول دولة عربية تنبطح أمام “إسرائيل” وتبدأ التطبيع بالرغم من رفض الشعب والعرب.
وفي مثل هذا اليوم كانت أول زيارة صهيونية رسمية إلى “القاهرة”، وذلك فيما وُصِف بـ”قمة” بين السادات ورئيس وزراء العدو الصهيوني، في حضور كبار قادة الكيان الصهيوني، على رأسهم وزير دفاع الاحتلال موشيه ديّان، وكان ذلك بعد نحو 7 شهور من توقيع اتفاقية السلام.
وفي نفس اليوم لعام 1981 اعتقل “السادات” كل معارضيه من جميع الأطياف، والتي عرفت باعتقالات سبتمبر السوداء، والتي بلغت أكثر من 1536 معتقلاً، وجاءت هذه الخطوة، بعد 5 أيام من عودة السادات من زيارته إلى أمريكا؛ ما أوحى بأن هناك تفاهمًا مع الإدارة الأمريكية بخصوصها، غير أن هذا لم يكن صحيحا، فالعوامل الداخلية كانت هي كلمة الفصل، خاصة مع تزايد حدة السياسات التي أدت إلى الفتنة الطائفية، كما أنها جاءت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ورفع العلم الصهيوني على سفارة العدو في القاهرة.
مصير السيسي
ولم يختلف 5 سبتمبر في عام 1981 عن سنوات الانقلاب الخمس الماضية منذ 30 يونيو 2013؛ حيث سدت حكومة الانقلاب بغباء معتاد كل منافذ الحرية والمعارضة، وألقت بالآلاف من معارضيها في السجون والمعتقلات، ومارست ضدهم أبشع صور الانتهاكات والتعذيب.
وفى مثل هذا اليوم 5 سبتمبر زاد السيسي عما فعله السادات في 1981، فالسادات قرر التحفظ على 1536 من قيادات ورموز المعارضة، وألغى التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ على أموالها، وكانت عملية الاعتقالات بدأت من يوم 3 سبتمبر رغم الإعلان عنها بعدها بيومين، الأمر الذي ينتهجه السيسي الآن ضد رافضي الانقلاب.
ولم يعش الرئيس الراحل ستين يومًا بعد ذلك، واغتيل بعد شهر وحيد في 6 أكتوبر من نفس العام في حادث المنصة الشهير، واليوم يؤمم السيسي الشركات والمستشفيات الخيرية ويتوسع في قرارات الكيانات الإرهابية، واعتقال النساء والأطفال والشيوخ، مع غلاء فاحش، ومصادرة لأفق التعبير عن الرأي، واستصدار قوانين إغلاق فضاء التواصل الاجتماعي، وإغلاق وحجب 163 موقعًا إلكترونيًا، وتصفية شباب الثوار الرافضين لانقلابه خارج إطار القانون.. توقعات بأن يلقى نفس المصير الذي طال السادات.