الإسلاموفوبيا الترامبية نسبة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتت تتمدد في أنحاء العالم الغربي، وعندما تم الهجوم مبنى التجارة العالمي بأمريكا في 11 سبتمبر 2001، لم يقل أحد إن المهاجمين أفراد متطرفون قاموا بفعلتهم معبرين عمَّا يؤمنون به، بل أجمع العالم على أن الجريمة مصدرها فعل منظم، يستند إلى رؤية منهجية عقائدية تستهدف المصالح الغربية، وهذا ما ثبت خطأه لاحقا.
في المقابل عندما يطلق وحش مذبحة نيوزيلندا برينتون تاران (28 عاماً)، النار على جمع من المصلين الآمنين في زاوية من العالم الحر ، ويردي 50 بريئاً لا ذنب لهم سوى مخالفته في اللون والدين، لا ينظر للمسألة بالمعيار ذاته، رغم عديد القرائن والأدلة التي تثبت أن الجرم ارتكب بدوافع دينية تستند إلى عداء للعرق غير الأبيض المسلم المهاجر للغرب، وليس آخر هذه الأدلة اعتراف المجرم نفسه، عبر بيان مفصل ثابت النسب إليه.
تحدثت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، عن ارتدائها الحجاب، بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مصلين في مسجدين، وقالت أرديرن إنها لم تكن تتصور أن ارتداءها الحجاب خلال زيارتها لتعزية أهالي الضحايا وطمأنتهم، سيبث الأمان في نفوسهم.
خطاب كراهية
وغطرسة وعنصرية مباشر ضد الإسلام والرد الإسلامي على هذا الخطاب كان أن ترامب من صناع السلام في العالم (السديس) وجائت البصمة (مسجد النور) نيوزيلندا وسيكون هناك مسجد النور في
برلين
باريس
واشنطن
ستوكهولم
ونحن سنبقى نتسائل… لماذا!!!! pic.twitter.com/O6YuRHIwZ5— عابر سبيل 3 (@elshorbajie) March 24, 2019
الشعور بالأمان
جاء ذلك خلال مشاركتها في برنامج “ذي بروجيكت” على قناة “تن نتوورك”(Ten Network) الأسترالية، اليوم الأربعاء، وفي معرض ردها على سؤال لمقدم البرامج عن سبب ارتدائها الحجاب خلال زيارة التعزية، أجابت قائلة: “لم أفكر في الأمر كثيرا، لكني اعتقدت أنه سيكون مناسبا”.
وأضافت: “لم أكن أعتقد أن ارتدائي الحجاب من شأنه أن يبعث في نفوسهم كل هذا الشعور بالأمان”، وأكدت أن بث الأمان في نفوس الناس مسؤولية تقع على عاتقها، مضيفة أن “فكرة عدم شعور الناس بالأمان يؤلمني بشدة، لذا فإن استعادة هذا الشعور مسؤولية تقع على عاتقي”.
وفي 15 مارس الجاري، استهدف هجوم دموي مسجدين في “كرايست تشيرش” النيوزيلندية، قتل فيه 50 شخصا أثناء تأديتهم الصلاة، وأصيب مثلهم، فيما تمكنت السلطات من توقيف المنفذ، وهو أسترالي يدعى برينتون هاريسون تارنت، ومثل أمام المحكمة السبت الماضي، ووجهت إليه اتهامات بالقتل المتعمد.

وظهر التضامن الواسع لرئيسة وزراء نيوزيلندا منذ اللحظات الأولى للمجزرة، ومن ثم عند ارتدائها الحجاب في ثاني يوم عند ذهابها لتعزية أهالي الضحايا وطمأنتهم، تضامن ظهر أيضا بوضوح عندما أعلنت أرديرن، رفع الآذان والوقوف دقيقتيْ صمت، في ذكرى مرور أسبوع على المجزرة المروعة ببلادها.
فوبيا ترامب
من جهتها، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن بعض الساسة في الغرب ساعدوا على نمو حركة اليمين المتطرف التي تسهم يوماً بعد آخر في زيادة الانقسام في المجتمع، بدلاً من أن يكون لهم دور في منعه، خاصة في أوقات الغضب، وأضافت: “الساسة ساهموا في خلق مثل هذه الحالة وتفشي الفكر اليمني المتطرف؛ فالبيض في الولايات المتحدة يعتقدون أن لديهم صوتاً قوياً في البيت الأبيض من خلال الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يبذل جهداً كبيراً من أجل نفي هذه الفكرة، بل لم يعمل أي شيء لمقاومة رغبة إثارة مفهوم الإسلاموفوبيا”.
وفي بريطانيا تُتجاهل رسائل العنف التي يوجّهها اليمين المتطرف منذ فترة طويلة، وهو ما يستدعي فعلاً وقفة جادة من قبل الأجهزة الأمنية، بحسب الصحيفة، وتابعت: “لقد فهمت رئيسة وزراء نيوزيلندا طبيعة التهديد الذي تشكّله هجمات المساجد على مجتمع بلدها، فهو سيعرّض القيم التي يعتز بها هذا المجتمع للانهيار، فسارعت للتعبير عن تضامنها، وأكدت ضرورة أن يشعر الجميع بالأمان، وأن جميع الضحايا ربما يكونون من المهاجرين أو اللاجئين، مؤكدة أن من ارتكب الجريمة إنما ارتكبها ضدنا جميعاً”.
الجريمة الإرهابية التي هزّت العالم باستهداف مسجدين في نيوزيلندا، في صلاة الجمعة 15 مارس الجاري، التي راح ضحيتها نحو 100 بين قتيل وجريح، ليست عملاً فردياً أو حادثةً عرضية؛ فكل الوقائع والقرائن تدل على أنها جريمة ارتُكبت مع سبق الإصرار والترصد وبتخطيط محكم.
المجزرة وقعت في سياق سلسلة جرائم استهدفت المسلمين في الغرب؛ حيث شهد العقد الماضي ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية الذي انعكس على شكل استهداف للمسلمين في مساجدهم وشعائرهم وحياتهم، غير أن غياب تلك الهجمات المتتابعة عن الرأي العام العالمي مردّه إلى تركيز الإعلام الغربي على “الإرهاب” الذي تمارسه أقليات مسلّحة محسوبة على الإسلام؛ مثل تنظيم “داعش” المخابراتي ومن على نهجه، وتغاضيهم عن “الإرهاب” اليميني المتطرف الذي يتعزز في أوروبا وأمريكا وينمو يوماً بعد آخر.