خلافاً لعواصم عربية تجاهلت ذكراه، احتضنت العاصمة التركية أنقرة، حلقة نقاش، بمناسبة الذكرى الثمانين لوفاة الشاعر والفيلسوف الإسلامي الباكستاني محمد إقبال، وأوضحت السفارة الباكستانية في بيان، أنّ الحلقة نُظّمت أمس السبت بمقر المكتبة الوطنية التركية في أنقرة، بالتعاون بين مجلة سبيل الرشاد وجمعية محمد عاكف أرسوي للفكر التركيتين.
وعرف العرب الشاعر والفيلسوف الإسلامي الباكستاني محمد إقبال من خلال قصيدته «حديث الروح» والتي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم والتي يقول مطلعها:
حديث الروح للأرواح يسرى .. وتدركه القلوب بلا عنـاء
هتفت به فطار بلا جناح .. وشق أنينه صدر الفضـاء
ومعدنه ترابى ولكن .. جرت في لفظه لغة السماءِ
لقد فاضت دموع العشق منى .. حديثاً كان علوى النداءِ
فحلق في ربى الأفلاك حتى .. أهاج العالم الأعلى بكائى
وفى قصيدته «كنا جبالاً»، قال محمد إقبال الباكستاني:
لم نخـش طاغوتا يحاربنا.. ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي.. صنع الوجود وقدر الأقدارَ
ورؤوسنا يا رب فـوق أكفنا.. نرجو ثوابك مغنما وجوارَ
ويقول إقبال في قصيدته الطويلة “شكوى” وهي دمعة أرسلها من عينه وتكلَّم بها في قصيدة يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي، يشكو من المسلمين ويشكو من بُعدهم عن دينهم وعن رسالتهم، ويبيِّن لهم أنَّ الانتصار لن يتحقَّق إلاَّ بالإيمان, وأن الإنسان لا يصلح إلاَّ بالإيمان وأنَّ الدنيا لا تصلح إلاَّ بالآخرة، وأنَّ المسجد لا يصلح إلاَّ مع المزرعة والمزرعة مع المسجد، هذا هو ما يريد أن يقوله للناس. فيقول عن هذا:
إذا الإيمان ضاع فلا أمانَ *** ولا دنيا لمن لم يحي دينَا
ومَن رَضِيَ الحياة بغير دِين *** فقد جعل الفناء لها قرينَا
تُسانِدُها الكواكب فاستقرَّتْ *** ولولا الجاذبيَّة ما بَقِينَا
وفي التوحيد للْهِمَمِ اتحادٌ *** ولن نصل العلا متفرِّقينَا
وفي كلمة له خلال الحلقة النقاشية، قال محمد عاكف إشيق رئيس جمعية محمد عاكف أرسوي، إنّ محمد إقبال كان له مساهمات مهمة في مجال الفلسفة والأدب والقانون، وأضاف إشيق أنّ أشعار محمد إقبال تشبه كثيراً أشعار محمد عاكف أرسوي، الشاعر ومؤلف النشيد الوطني التركي.
وفي كلمة ألقاها خلال المراسم، أكد السفير الباكستاني في أنقرة، محمد سيروس سجاد قاضي، على تعلق محمد إقبال بتركيا وبشاعرها محمد عاكف أرسوي، وأشار قاضي إلى أن تركيا وباكستان قامتا بكفاحهما الوطني في فترة متزامنة، موضحًا أن مقالات وأشعار إقبال وأرسوي حمست الوطنيين في كلا البلدين على المشاركة في النضال من أجل الاستقلال.
ولفت السفير الباكستاني إلى أن أرسوي وإقبال شاعران عاصرا بعضهما، وأن أرسوي هو من عرّف تركيا والأتراك بالشاعر والمفكر الباكستاني، وأضاف أن الشاعرين كانا يملكان الكثير من نواحي التشابه على الصعيد الفكري، مبيّنًا أن الشاعرين كانا يريدان اتحاد المسلمين من أجل التحرر من إمبريالية الغرب، وعقب الكلمة عُقدت ندوة تناول المشاركون فيها الفلسفة السياسية لمحمد إقبال وأشعاره والنواحي المختلفة لتعلقه بتركيا.
ولد «إقبال» في البنجاب الغربية في ٩ نوفمبر ١٨٧٧، وفيها نشأ وتعلم، ثم سافر إلى أوروبا للدراسة، وبدأ في كتابة الشعر في هذه المرحلة المبكرة، وشجعه على ذلك أستاذه مير حسن، وكان بعد أن أتم دراسته الأولية في سيالكوت، حصل على إجازة في الآداب من جامعة البنجاب في ١٨٩٧، ثم الماجستير ١٨٩٩، وعُين عميدًا للعربية في الكلية الشرقية لجامعة البنجاب.
ولم يصرفه التدريس عن الشعر، ثم نال الدكتوراه من ألمانيا، وعقب عودته التحق بمدرسة لندن للعلوم السياسية، وحصل منها على إجازة الحقوق بامتياز، وعاد لبلده في يوليو، ومكث في لاهور، وتم تسجيله محاميا لدى القضاء الرئيس بالفعل، كما عُيِّنَ أستاذًا للفلسفة في كلية لاهور، ثم استقال من التدريس، وتفرغ للمحاماة، وألم به المرض في سنواته الأخيرة وضعف بصره وخف صوته فاعتزل المحاماة .
فاضت روح الشاعر محمد إقبال إلى بارئها في 21 من إبريل 1938م، وكان يومًا عصيبًا في حياة جماهير الهند عامة والمسلمين منهم خاصة؛ فعطلت المصالح الحكومية، وأغلقت المتاجر أبوابها، واندفع الناس إلى بيته جماعات وفرادى، ونعاه قادة الهند وأدباؤها من المسلمين والهندوس على السواء، ويقول عنه طاغور – شاعر الهند: “لقد خلفت وفاة إقبال في أدبنا فراغًا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل، إن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند التي لم ترتفع مكانتها في العالم”.
