في روما القديمة كانت عروض القتال والمصارعة بين المحاربين غرضها إشغال الناس عن المشاكل الداخلية للإمبراطورية، تطور الأمر على يد جنرال إسرائيل السفيه السيسي وأصبح كلما زاد النقد وعدد التعليقات وحتى الشتائم لأذرع وأصابع عصابة العسكر، يُعد ذلك نجاحًا قد يصل إلى المعجزة والقدرة على إشغال الناس وصرفهم عن همومهم ومشاكل حياتهم.
ويُعد استمرار الغلاء والحالة البائسة التي يرزح المصريون تحت سقفها المنهار، هو الهدف من نشر صور عارية جديدة للممثلة رانيا يوسف، ختاما بإشعال حرب تصريحات بين الراقصة سما المصري والمستشار مرتضى منصور.
إلهاء راقصة
وفجرت الراقصة سما المصري مفاجأة أراد العسكر أن تكون من العيار الثقيل، حين زعمت أن هناك علاقة قديمة كانت تجمع بينها وبين رئيس نادي الزمالك، وأكدت أن مرتضى منصور طلب منها مرارا وتكرارا الزواج وهي رفضت أكثر من مرة، خاصة أنها لا ترغب في هذه العلاقة.
وكان مرتضى، المحامي الخاص للراقصة سما المصري منذ عام 2013، لكنها ألغت التوكيل العام والخاص بها لديه منذ عام 2016، وتشهد ساحات المحاكم من وقت إلى آخر بلاغات كيديه من الطرفين ضد بعضهما البعض بسبب التجاوزات.
ويبدو أن حوادث التفجير التي سيطرت على المصريين الأسبوع الماضي، لم تفلح في إلهاء المصريين عن انهيار الاقتصاد وانتهاكات حقوق الإنسان، وموت السياسة ومحاولات استمرار السيسي مدى الحياة، وذلك لأن بؤس الواقع أكبر من أي محاولة إلهاء. يقول الناشط أحمد السويفي: "قول اشتم اتكلم زى ما أنت عاوز وهم هيزوده رانيا سما أحمد وزينب مرتضي وغيرهم دول مخدرات الشعب المصري".
تحدَّث المُفَكِّر الأمريكي ناعوم تشومسكي عن عشرة استراتيجيات تَبَنَّاها واعتمدها أصحاب النُّفوذ العالمي من ساسَة ورأسماليين منذ عام 1979 في وثيقة سرية تم اكتشافها صُدْفة عام 1986 بعنوان (الأسلحة الصامِتة لِخَوْض حرب هادِئَة)، وهو دليل للسيطرة على عقول ومُقَدَّرات وأموال الشعوب، وبالتالي توجيه سُلوكهم والسيطرة على أفعالهم، وهذه الاستراتيجيات ملخصها:
1. إلهاء الشعوب وإغراقهم بالكثير من وسائل الترفيه لتحويل أنظار الرأي العام عن الخوض ومتابعة القضايا السياسية أو الاقتصادية. ومما جاء في الدليل أيضا ما تذهل منه العقول: "حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدًا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتونًا بمسائل لا أهمية حقيقية لها. أبقوا الجمهور مشغولًا، مشغولًا، مشغولًا، لا وقت لديه للتفكير، وعليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات".
افتعال الأزمات
إعلام الانقلاب ينهال على المصريين كل يوم بمواضيع تثير جدلًا ولا هدف منها سوى تشتيت الانتباه وخلق أزمات خلافية تلغي العقل وتذوّبه وتظل تلك الحكايات محور النقاشات لأيام وأحيانًا لأسابيع ينسى الناس فيها الفقر والبطالة وغلاء المعيشة والتنمية والتشغيل وتردي حال التعليم والصحة والقمع والقتل، يقول تشومسكي في البند الثاني من استراتيجيات الإلهاء:
2- اختلاق الأزمات وفي نفس الوقت تقديم الحلول المَدْروسة لها مسبقًا وذلك لإظهار ما يدور في فكر الشعوب وأخذ ما يمكن من حقوقهم للسيطرة عليهم ونهب البلاد. مثلا… كافْتِعال أزمة اقتصادية تؤثر على الشعوب وتدمي ما لديهم من حياة كريمة، ومن ثم يتم تقديم حلول حتى يرضى بالقليل القليل ليبقي على قوت يوم يكفيه هو وعائلته فقط والسلام!، وأيضا السماح بانتشار العنف بين الأشخاص حتى تكون اليد الطولى للأمن على أنهم يطبقون الأمن وتقديم الأمان للشعب، وذلك لكي يحدوا من حرية الشعوب وزج غيرهم في السجون لمن هم يداومون على الاعتراض والانتقادات للحكومة وحاكمها.
3- من الخطط الاستراتيجية التي تستخدمها الحكومات للسيطرة على الشعوب بطريقة لا يمكن للشعب أن يقاومها ولا يرفضها هي استراتيجية التَّدرُّج، بأن يتم التخطيط لتغيير شعب في مدة عشر سنوات، يتم فيها تغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية حتى يتم السيطرة على الشعوب وكأنهم في حالة من التنويم المغناطيسي.
4- لتمرير قرار ما لا يحظى بالقبول الآني من الشعوب، يتم طرحه على أنه سوف يتم تنفيذه بالمستقبل، ولكنه سيكون قرارا مؤلما للجميع- هذا ما يُصِوِّرونه للشعب- ولكن هو فعليا لمصلحة الدولة، وبالتالي لا تُقابل ولا تُواجه الحكومة مواجهة مباشرة هي ليست مستعدة لها في الوقت الحاضر. ومع مرور الوقت سوف تَتَعَوَّد الشعوب على تَقَبُّل هذا القرار الذي سيأتي لا محالة، لِيَسْتَقْبلوه بِصَدْرٍ رَحِب، ويكون أثر الوَقْع عليه مستقبلا أقل تأثيرا.
توجيه الجمهور
العُصفورة يتم إعادة إنتاجها يوميًّا بشكل مختلف آلاف المرات؛ ربما اعتمادًا أصيلا على أن الشعب المصري "نسّاي"، من يُدير هذا السيرك العجيب؟! من يرعاه؟! من يرفع هذا ليتصدر “التريند”، ليس مهما استعراض نماذج للأحداث والوقائع, فقط يمكننا أن نعدد كم أزمة خلقت وكم فتنة زُرعت وكم شخصية اتُهمت وكم إجراءات وقوانين وقرارات مررت، يقول تشومسكي في البند الخامس من استراتيجيات الإلهاء:
5- عندما يكون هناك تَوجيه وتَذْكير وإِمْلاءات من شخص ما إلى آخر، يشعر الآخر أنه قليل المعرفة وفي مستوى أَدْنى من مستوى الأول، كأن الآخر يُشْعره بِضُعْفِه وقِلَّة حِيلَته. هكذا تبث الحكومات بإعلاناتها الموجهة للجمهور على أنها تريد مصلحة الجمهور الذي لا يعرف مصلحته وهم عنه جاهلون، فتُمَرِّر مخطَّطاتها الفاسدة على شعوبها.
6- يتم إثارة عاطفة الشعوب أكثر من عقولهم حتى يتحرك الشُّعور اللَّاواعي، فيتم بذلك وَأْد التَّفْكير العقلاني والانتقادي، ويُجَمِّد التَّفكير لِيَتم تسليمه بدون تفكير إلى حُكْم العاطفة.
7- لكي تسيطر الحكومات على الشعوب بقبضة من حديد، تقوم على نشر الجهل والسعي إلى إِضْعاف التعليم وتوسيع الفجوة بين النُّخْبة وبين المَسْتَوَيات الدُّنيا، بحيث يتم تَغْييب الشعوب عن كيفية هذا الاختلاف بين الطبقتين. وهذه الاستراتيجية قد استخدمها وزير الإعلام الألماني جوبلز في الحرب العالمية الثانية والتي كان لها التأثير الكبير آنذاك.
8- عندما يقتنع شخص ما أنه جاهل وغبي، فسوف يبقى على هذا النحو مما يجعله مُنْساقاً لغيره بكل طَواعية من دون تردد. هذا ما تفعله الحكومات للشعوب في إقناعهم بأنهم مُبْتَذَلون حتى تبقى السيطرة عليهم بكل سهولة كالنِّعاج مَسوقَةً إلى مَرْعاها.
9- دفع اعتقاد الفرد بأنه هو المسئول الأول والأخير عن فشله وسوء حاله، بسبب ضعف بصيرته وقدرته على أن يَعيل نفسه، حتى لا يُقِع اللَّوم على السياسة الاقتصادية للحكومة، فتخرج الحكومة بريئة من أفعالها، ويبقى هذا الشخص أَسير حُزْنه وصَريعَ أفكاره التَّشاؤُمِية حتى يؤثر ذلك على عقله وجسده، فلا يستطيع وقتها محاولة القيام بأي ثورة على الحكومة لا بالكلام ولا بالأفعال، فيَتَولَّد الشعور في نفسه أنه هو المذنب في مصير وفشل حياته الحالية.
10- إن تقدم علوم النفس والأعصاب للإنسان، أدَّى ذلك إلى أن استغلَّتها الحكومات حتى يؤثروا ويسيطروا على الشعوب مما جعلهم على علم ودِرايَة كاملة عنهم أكثر من معرفة الشخص بنفسه.
