أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى، ديفيد شينكر، خلال زيارة للمملكة العربية السعودية، عن أن واشنطن تجري محادثات مع الحوثيين، وهو ما نفاه الحوثيون، مشككين في جدية حوار قال شينكر إن الهدف منه إيجاد حل ينهي النزاع في اليمن.
فما الذي أقنع الولايات المتحدة بالشروع في محادثات مع الحوثيين بحثا عن حل ينهي الحرب بينهم وبين قوات الحكومة في اليمن؟ وما أوراق وفرص واشنطن في التوصل إلى حل ينهي الحرب بين أطراف الصراع الدائر في اليمن وسط تعقيدات محلية وإقليمية ودولية بالغة؟.
مفارقات
لم ينضب معين المفارقات في المشهد اليمني، الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الكبرى والداعمة للسعودية في حرب التحالف الذي تقوده على اليمن، تعلن عن محادثات مع الحوثيين، بينما الحوثيون وللمفارقة ينفون ذلك، خطوة أثارت أسئلة حول دوافعها الحقيقية، فما الذي أقنع واشنطن بالشروع في حوار مع ما اعتبرته طويلا مليشيا تنفذ أجندة إيران في اليمن، رافعة الشعار العابر من طهران إلى صعدة ومنهما إلى صنعاء الموت لأمريكا؟.
تذهب التخمينات يمنة ويسرة، غير أن الثابت أن هذه الخطوة تتزامن وتكثيف الحوثيين ضرباتهم ضد أهداف حساسة في العمق السعودي، كما تتزامن أيضا مع قناعة تتسع دائرة المؤمنين بها يوما بعد يوم، مفادها أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في اليمن، خاصة بعد أن نشبت المعارك في الجنوب بين قوات الشرعية ومليشيات انفصالية مدعومة إماراتيا.
وما كان لهذا الرجل الأخ الأصغر لولي العهد السعودي ونائبه في وزارة الدفاع، أن يلتقي وزير الدفاع الأمريكي قبل أن تمهد الأرضية لما قد يفاجأ.
سريعا ما تبين أن ثمة قناة خلفية فتحت لا بين السعودية كما دعت واشنطن وحثت، بل بين الأمريكيين والحوثيين، وذاك ما كشف عنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى، فثمة محادثات تجري فعليًّا مع الحوثيين وطرفها الثاني هم الأمريكيون أنفسهم.
وتلك هي المرة الأولى التي تعلن واشنطن عن أمر قد يشكل انعطافة كبرى في مسار الحرب في اليمن وربما سواها.
جرس إنذار
حق للحوثيين أن يرقصوا ويحتفلوا وإن نفوا شروعهم في محادثات مع واشنطن؛ فاللعبة كُسبت وتكسب، والأوراق بالنسبة لهم ليست على الطاولة وحسب بل على الأرض، حيث إخفاقات الآخرين- وتحديدا تحالف الرياض أبو ظبي- تتحول إلى انتصارات مجانية تٌهدى لهم، فبالسلاح فاوضوا السعوديين على أرضهم في جازان وسواها، ورجالهم أصبحوا كما يؤكدون داخل الأراضي السعودية نفسها، هناك يتوغلون ويغنمون السلاح والعتاد والأرض، بينما تبدو السعوديون أسرى فكرة ثابتة مفادها أن هؤلاء مجرد مليشيا وأدوات صغيرة في يد طهران بالإمكان تدميرها، وهو ما يتناقض وما يحدث فعلا، فثمة خسائر فادحة في صفوف الجيش السعودي، وهناك ولي عهد ووزير دفاع يخفي إنذار مواقع جنوده وسعى لبث الحماسة في نفوسهم.
أما الأسوأ فهو هنا، حيث تفقد الرياض ما يفترض أن تكسبه في جنوبي اليمن، فثمة حليف قال إنه سحب جنوده من هناك، وهو نفسه يدير لعبة سياسية بالغة التعقيد قد تفضي إلى إخراج السعودية والشرعية اليمنية نفسها من اليمن بأسره، ما دفع واشنطن بحسب البعض لتعليق الجرس.
التفاوض مع الحوثيين
نُصحت القيادة السعودية بالذهاب إلى مسقط والبدء بالتفاوض مع الحوثيين، وسببها أن مجريات ما يحدث في المنطقة من مضيق هرمز إلى عدن وأبين وشبوة تزيد من حظوظ الحوثيين وحلفائهم، وتقضم من مكاسب تحالف الرياض أبوظبي، حيث أصبح الكل في حرب مع الجميع بينما نأى الحوثيون بأنفسهم عن حرب التفتيت في الجنوب، فإذا هم أكثر قوة وقدرة من الآخرين مجتمعين.
وبالنسبة للأمريكيين فإن العين على طهران وليس عدن فإذا ضعف الحليف، فذلك يعني أن تقوى إيران هنا وهناك، فأي معنى إذًا لحصار يحكم على طهران بينما أدواتها تضرب عمق السعودية، والأسوأ أن يتحول السعوديون إلى عبء على القوات الأمريكية في الموضوع الإيراني تحديدا.
لا تستطيعون حسم الحرب في اليمن ولن تستطيعوا، فاخرجوا وابحثوا عن مخرج آمن يحفظ ماء الوجه، فثمة حاجة تزداد لكم في القضية الأكبر، وذاك ما سبق أن قيل للسعوديين همسا إلى أن حانت اللحظة التي أصبح يقال فيها علنا ما هو أكثر، فإذا لم تبادروا فسنبادر نحن، وهو ما يبدو أنه حدث أو في سبيله إلى ذلك .
على الأمير محمد بن سلمان أن يقرر إذا أراد أن يهان لا عسكريا بل سياسيا، كأن يفاجأ بأن اتفاقا تم مع الحوثيين على حساب السعودية، وطرفاه حليف مفترض ويعول عليه لتأمين الحماية، وعدو هون من شأنه فإذا هو يهزم على الأرض ويملي الشروط على طاولة المفاوضات.
